بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

12 يوم من مظاهرات السودان.. والانتفاضة مستمرة

تتواصل التظاهرات المطالبة بإسقاط نظام البشير بالسودان لليوم ال 12 على التوالي، حيث انطلق المتظاهرون وسط اشتباكات متواصلة بعدة مدن أسفرت عن استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع والرصاص الحي مع اعتقال العديد. وكان قد أعلن المتظاهرون، عشية جمعة الحرية الماضية، الاعتصام بثلاثة ميادين بولاية الخرطوم منهم ميدان أطلق عليه اسم الناشط صلاح السنهوري الذي قتل في الاحتجاجات بمنطقة بري شرق العاصمة.
 
انطلقت المظاهرات إثر قرار الحكومة بإلغاء الدعم على الوقود في ظل موجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية كان قد أًعلن عنها وأفشلتها الاحتجاجات السابقة من العام الماضي. بدأت التظاهرات تنديدا بفساد الحكومة وتكريس اليد القمعية وقمع الحريات، لكن سرعان ما تحولت إلى أعلى سقف في المطالبة برحيل البشير وإسقاط النظام.
 
تطورت الموجة الاحتجاجية الراهنة لتصبح الأكبر من حيث الاتساع منذ تولي البشير حكم البلاد، انطلاقا من العاصمة الخرطوم إلى ولاية الجزيرة جنوبا لتمتد إلى شرق البلاد في بورسودان وإلى جنوب دارفور وشمال كردفان غربا،  شهدت خلالها إحراق مقر للحزب الحاكم فى مدينة أم درمان السودانية في أولى أيام الاحتجاجات كذلك تعرض 3 أقسام للحرق ومحاولات اقتحام بأقسام أخرى.
 
فيما لاقت التظاهرات صدى بالخارج، حيث نظمت الجالية السودانية العديد من الوقفات الاحتجاجية في ألمانيا ومصر والهند وبريطانيا وأوسلو والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا وهولندا، تنديداً بقمع الشرطة وتضامناُ مع دماء الشهداء.

قتل.. اعتقالات.. وقمع متزايد
وفقاُ لنقيب الأطباء، الذي تم اعتقاله مؤخراً، فإن إجمالي عدد الشهداء يفوق 210 شهيد بإصابات تتركز فى منطقتى الرأس والصدر مما يؤكد على استهداف القتل من جانب قوات الأمن، كما لا يتم تسليم الجثث إلى ذويهم قبل التوقيع على شهادات مزورة تفيد أن سبب الوفاة طبيعي. فيما تم اعتقال وتهديد عدداً من الأطباء للضغط من أجل كتمان الحقائق وعلى إثر ذلك قدم مدير مشرحة الخرطوم استقالته بعد تزايد أعداد الجثث وطلب الحكومة بدفنهم دون تشريح.
 
أما قطاع الإعلام فكان أكثر القطاعات تضررا بتوجيه ضربات قمعية متتالية بدءا باستهداف المراسلين أثناء تغطية التظاهرات إلى الاعتقال المباشر من مكتب عملهم، كما قامت قوات الأمن بمصادرة عدة جرائد بعد رفضها الامتثال لقرار رئيس جهاز الأمن الوطني بعدم تناول قضية الاحتجاجات واستخدام كلمة المخربين بدلا من المتظاهرين. فيما توالت الاستقالات لمسئولين بعدة صحف وفي ظل هجمة أمنية شرسة استهدفت نشطاء سياسيين بالاعتقال والتعرض للضرب المبرح والتعذيب، ووسط دعوات شعبية لمقاطعة الصحف الحكومية.

وبحسب صفحة حملة “أبينا” على الفيس بوك، فإن بعض الاتهامات الموجهة للمتظاهرات تضمنت “الزغاريد” أثناء التظاهر!، واستخدام كاميرات للتصوير مع حجب كامل لمواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب. لكن تصاعد وتيرة القمع أثار اشتباكات متتالية فور إعلان محكمة جنايات ودمدني أحكاماً تراوحت بين السجن والجلد والغرامة لـ 38 متظاهراً تم اعتقالهم خلال احتجاجات الأسبوع الماضي، ووسط تحريض من وزير الإعلام والثقافة يطالب فيه الأجهزة الأمنية بالتعامل معهم بكل قوة وحسم. فيما أكد وزير الداخلية، باستخفاف منقطع النظير، أن كل الولايات السودانية تشهد هدوءًا تاماً، مقدراً عدد ضحايا بـ 34 شخصا فقط في الوقت الذي أخذ يستعرض فيه حجم الخسائر المهولة التي لحقت ب 3 أقسام للشرطة!.

مظاهرات واسعة.. وتنظيم محدود
النطاق العام للمظاهرات امتد ليشمل قطاعات مهنية مختلفة حيث نفذ المحامون السودانيون وقفة احتجاجية أمام كافة محاكم البلاد ضد قتل المتظاهرين، كما استجاب عدد من الصحفيين السودانيين لدعوة الإضراب عن العمل احتجاجا على تضييقات السلطة على الإعلام. فيما نظم الصيادلة وقفة احتجاجية أمام المجلس الطبي السوداني، ووقفة نسائية أخرى تم تنظيمها أمام مقر الأمن العام للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين المقدر عددهم بما يزيد عن ألف معتقل، هذا بالإضافة إلى الاحتجاجات الطلابية المنطلقة من الجامعات المختلفة بهتافات منها “باي باي مجرم لاهاي”. فيما أصدر المكتب الإعلامي لمجموعة نساء السودان الجديد بياناً خاطبن فيه كل المجموعات النسوية ومنظمات المجتمع المدنى بالالتئام والوقوف صفاً واحداً للخروج إلى الشارع لدعم مطالب الثوار والرحيل الفوري للنظام.
 
وفي محاولة لتكوين الجبهات الثورية، أعلن شباب بري بالخرطوم عن تكوين جبهة “أسود البراري” بميدان صلاح سنهوري وإطلاق البيان رقم واحد مؤكدين على تمسكهم بمطالبهم. كما انتشرت الدعوات بإطلاق مظاهرات إلكترونية للتعريف بانتفاضة الشعب السوداني وسط تعتيم تمارسه السلطة الحاكمة، كما انتشرت دعوات أخري لتشكيل لجان شعبية تقوم بأدوار الحماية والتنسيق والحشد والإسعافات الأولية والدعم المالي والتوثيق والتصوير، على أن تتحد تلك اللجان على مستوى المدن لتكوين سلطة شعبية بديلة تحت مسمى مجلس الثورة، إلا أنه لم ترد حتى الآن أنباء مؤكدة عن تكوين تلك اللجان، كما لم يتم الإعلان، بشكل موحد، عن خطوات متبعة لسبل تصعيد الحراك، كبديل للاحتجاجات المنعزلة، رغم البيانات المتتالية للتنظيمات المهنية المختلفة.
 
المعارضة.. وحدودها
المعارضة السياسية من جانبها أعلنت تكوين تنسيقية قوى التغيير السودانية والمكونة من تحالف منظمات المجتمع المدني وتحالف شباب الثورة السودانية وقوى الإجماع الوطني والنقابات المهنية المتعددة لرفع عدة مطالب منها تنحي النظام فوراً وحل كل أجهزته التنفيذية والتشريعية مع تكوين حكومة انتقالية تضم كافة أطياف الشعب السوداني تتولى إدراة البلاد لمرحلة انتقالية. أما تجمع المهنيين السودانيين الذي يضم عدداً من الروابط المهنية من أطباء ومحامين وأساتذة جامعات فقد أصدر بياناً يدعو فيه إلى تنفيذ العصيان المدني، للتعجيل بإسقاط النظام الذي يصر على عدم التراجع عن قرارته الاقتصادية.
 
ووفقاً للبيان الأخير الصادر عن التجمع  فإنه في حالة اجتماعات دائمة مع قواعده المهنية للتنسيق من أجل الوصول إلى إعلان العصيان المدني الذي عجزت القوى السياسية عن إنجازه حتى الآن. يأتي ذلك في أعقاب إصدار أعضاء من حزب المؤتمر الحاكم “مذكرة الإصلاحيين” التي انتقدوا فيها استخدام السلطات العنف ضد المتظاهرين والسياسات الاقتصادية الفاشلة التي قادت إلى الأزمة دون أن يتقدم أحدهم، في مفارقة غريبة، بالاستقالة.
 
أما البشير الذي تحدى شعبه بمعرفته وجبة الـ”هوت دوج” قبل حكمه، فقد تحايل على الاحتجاجات بإصلاحات مزعومة أثبتت فشلها بزيادة الأجور بداية من شهر أكتوبر الجاري، وصرف الدعم الاجتماعي لـ 500 ألف أسرة إثر مساعدات مالية ضخمة تلقتها السودان من دولة قطر راعية الثورة المضادة بالمنطقة.
 
واليوم ومع استمرار الانتفاضة السودانية وسقوط مزيد من الشهداء، فإن التحدي الذي تواجهه الجماهير الثائرة هو تنظيم تحركاتها للحفاظ على وتيرة الاحتجاجات وتحقيق مطالبها التي لن تجود بها أبداً السطة الحاكمة.