المباني الاستثمارية في لندن وتفاقم الأزمة السكانية

أزمة الإسكان هي مشكلة عالمية في تزايد مستمر خاصةً في العواصم والمدن الكبرى، ولا تفرق بين مجتمع غني أو فقير، وبدلا من إيجاد حلول عملية لمعالجة هذه المشكلة، بالعمل على توفير وحدات سكنية لمحدودي الدخل والفقراء، نجد هناك ارتفاع في أعداد المشردين، وفي المقابل تزايد مطرد في المباني الفخمة الفاخرة والفارغة، وهذا يؤدي إلى توزيع جغرافي بشكل طبقي واضح، فهناك مناطق للأغنياء وأخرى للفقراء. وهذا ليس فقط في الدول النامية، بل في الدول المتقدمة أيضاً.
ففي لندن إحدى أشهر عواصم العالم، تتنامى مشكلة عدم توافر الوحدات السكنية، وتُعتبر واحدة من أكبر التحديات التي تواجه لندن اليوم. شراء العقارات أصبح في متناول الأغنياء فقط، يضاف إليه ارتفاع الإيجارات مع زيادة الكثافة السكانية، مما جعل الأمر أكثر صعوبة على المواطنين ذوي الدخل المحدود، وبالتالي فإن لندن في أشد الحاجة لبناء وحدات سكنية في متناول هؤلاء.
وبرغم ذلك فإن الطريقة التي تعاملت بها السلطات لحل تلك المشكلة تبدو على النقيض تماماً، حيث يرى الكثير من المواطنين والسياسيين أن السياسية الحالية لمدينة لندن تزيد من تفاقم الأزمة السكانية. عمدة لندن بوريس جونسون من حزب المحافظين وضع “خطة لندن” للتنمية لزيادة الاستثمار العقاري من أجل الإنتعاش الاقتصادي وكذلك من أجل توفير وحدات سكنية بأسعار في متناول محدودي الدخل، ولكن ما وُصِف بالمتناول قد يصل إلى 80% من سعر السوق العقاري، وهذا يعني أنها بعيدة جداً عن هذا الوصف، خاصة في المناطق التي تسمى بـ”المناسبة” أو “فرصة مثالية للاستثمار”، حيث يتم في تلك المناطق هدم المباني السكنية التابعة للدولة أو لمنظمات تعمل مع الحكومة (رغم كونها المعنية بتوفير وحدات سكنية مناسبة لمحدودي الدخل)، لتحل محلها أبراجاً عالية، وبعد إتمام بناء هذه الأبراج يرتفع سعر الوحدة السكنية الواحدة إلى أسعار خيالية، ويُجبَر العديد من المواطنين ليس فقط علي ترك منازلهم التي ستصبح فنادق ومكاتب ومولات ومباني سكنية فاخرة باهظة الثمن، بل قد يُجبَرون على ترك المدينة بأكملها من أجل الحصول على سكن مناسب وفي متناول دخلهم.
يوم 6 مارس الماضي تظاهر عدد من المواطنين والنشطاء والسياسيين من جميع أحياء لندن أمام “سيتي هول” احتجاجاً على خطة عمدة لندن للتنمية، منددين بأن المستفيد منها هم قلة من المستثمرين الأغنياء، ورافعين شعارت “لندن ليست للبيع”.
هذه الوقفة الاحتجاجية تمت قبل أسبوع من مؤتمر MIPIM العالمي للاستثمار العقاري المقام في فرنسا، والذي ذهب إليه بوريس، وكذلك ممثلين للعديد من المدن الأخرى في المملكة المتحدة وأوروبا من أجل جذب الاستثمار العقاري.
نيس لان من منظمة بحي برنت قالت متحدثة أثناء المظاهرة الاحتجاجية أن الكثير من المواطنين في جميع أحياء لندن أُجبروا على ترك مجتمعاتهم من أجل بناء مساكن وُصِفت بأنها في المتناول ولكنها ليست كذلك، وأضافت أن المواطنين عادةً لا يعلمون عن تلك الاستثمارات التي تؤثر عليهم بشكل مباشر إلا في وقت متأخر جداً.
وأشار المتحدثون من كوادرنت هاوس، وهي إحدى المباني السكنية لمحدودي الدخل التي تقع في واحدة من تلك المناطق المؤشَّرة كفرصة استثمارية بمنطقة بلاك فرايرز بحي سازوك، إلي عدم الشفافية والصراحة في التعامل معهم، إذ لم يعلموا بالخطط الاستثمارية لهدم منازلهم إلا عن طريق الصدفة من إحدى صفحات الإنترنت. وأعرب السكان عن قلقهم، خاصة بعد تجربة “هاي جات” التي تقع في نفس الحي، حيث أُجبرت حوالي 1200 عائلة على ترك منازلها في مبنى سكني تابع للدولة، ولم يفِ القائمون في بلدية المنطقة بوعودهم بتوفير سكن ملائم لجميع السكان، بل واضطر البعض للذهاب إلى مدن أخرى.
و كذلك تحدث دارين جونسون من حزب الأخضر موضحاً أن طريقة التعامل مع الأزمة السكانية في لندن لا تكون ببناء المزيد من المباني الفاخرة التي يشتريها المستثمرون لتركها فارغة بغرض بيعها بعد فترة وجني أرباح كبيرة، وإنما ما نحتاج إليه هو بناء المزيد من المساكن التي تكون حقاً في متناول محدودي الدخل.
وفي الفترة الأخيرة زادت الوقفات الاحتجاجية في أحياء لندن، وقام البعض باقتحام بعض هذه المباني العالية الحديثة لإثبات أن هذه الشقق الفاخرة فارغة. فمثلاً في حي سازوك قام بعض النشطاء والسكان المتضررين باقتحام مبني إستراتا خلال شهر مارس بعد عودة بوريس من مؤتمر MIPIM، وتظاهروا ضد ارتفاع الإيجارات مطالبين ببناء المزيد من المساكن لمحدودي الدخل بدلاً من هدمها.