الثورات العربية: مزيج اليأس والأمل

فقط في الفهم الأكثر ميكانيكية للتاريخ تُترجم علاقات القهر والاستغلال تلقائياً إلى الثورة.
أما بعد، فمن المهم للاشتراكيين النظر بموضوعية إلى الانعطافات الحالية للعملية الثورية، ليس فقط لتغذية الفضول الفكري، ولكن الأهم من ذلك أن نفهم كيف يمكن للسياسة الثورية أن تتكيف وتمضي قُدماً في مثل هذه الأوقات الصعبة. ولذلك فمن المهم أن نفهم الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وخاصة العراق في سياق أوسع.
في تونس، حيث بدأت الثورات العربية، شهدنا كتابة دستور جديد يضمن حقوق ديمقراطية مهمة، لكنه لم يغيّر جذرياً طبيعة الدولة.
وفي مصر، عُزِلَ الرئيس المخلوع محمد مرسي عقب مظاهرات كبرى، ولكن خُطفَت هذه الحركة بانقلاب من قبل المجلس العسكري. وتأكد هذا التحول في انتخاب القائد العسكري عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد مؤخراً.
أما في سوريا، فقد استفاد نظام بشار الأسد من الدعم الإيراني والروسي، والانتشار الكثيف لمقاتلي حزب الله من لبنان. وقدم هذا الاستقرار الكافي لترسيخ قوته في الانتخابات المزوّرة الأخيرة.
شهد العراق احتجاجات واسعة في عامي 2012 و2013 في عدة مناطق ذات غالبية سنية، وشخصيات شيعية مختلفة دعمت هذه الاحتجاجات, بما في ذلك مقتدى الصدر, ضد سياسة نوري المالكي الطائفية. واجهت الحركة قمعاً عنيفاً أوقف الحركة الشعبية.
وفي البحرين وضع القمع العنيف الذي واجهه المتظاهرين حداً لزخم الحركة إلى حد كبير.
تعد هذه الأحداث مؤشراً على ارتفاع الموجة المعادية للثورة التي تجتاح المنطقة. قبول مثل هذه الحقائق لا ينكر العملية الثورية، بل على العكس تماما؛ فإنه يأخذها نحو الواقع بعيداً عن عالم الخيال.
انحراف
في ضوء ذلك، فإن الأحداث الأخيرة في العراق ليست، كما يحلو لكثيرين أن تكون، تصاعداً في السياسة الثورية. للأسف إنها علامة على الانحراف نحو سياسة أكثر رجعية وطائفية. ومن المهم أن نذكر هنا أن لا الاستياء الكبير لا يُترجم تلقائياً بمجرد وجوده إلى ثورة أو انتفاضة. بل يمكن أيضاً أن يصبح مرتعاً للسياسة الطائفية والثورة المضادة. وهذا يثبت صحته بشكل أكبر في غياب حركة شعبية موحدة، والأهم من ذلك، حزب ثوري منظم.
لهذا السبب فإن المهمة الأكثر أهمية الآن أمام الاشتراكيين والثوريين في المنطقة العربية هي التنظيم. علينا أن نعمل بلا كلل في كسب قطاعات من الطبقة العاملة بعيداً عن الأفكار الانهزامية والانتهازية و الطائفية. إذا تُركت هذه الأفكار دون نزاع، يمكنها أن تؤدي إلى خيبة أمل للعمال وتوجههم للسياسات الرجعية والطائفية.
الشروط الثورية والتناقضات الكامنة في المجتمعات العربية، التي أدت إلى الموجات الأولى من الانتفاضات الثورية، منذ عام 2011 لا تزال بعيدة عن الحلول. لكن التاريخ لا يتقدم في خط مستقيم. أما الاعتراف بوجود الأزمة الحالية فتسمح لنا أن نصبح مستعدين ومنظمين لنضالات مستقبلية.
ولهذا السبب فإنه أمر حاسم أن نتجنب فخين. يجب علينا ألا ننكر العمليات الثورية، كما فعلت الكثير من فصائل اليسار الستاليني والقومي من قبل بتسليم أرواحهم إلى الطبقات الحاكمة. ومن ناحية أخرى، لا يمكننا أن ننساق وراء بهجة خيال التفكير المبني على التمني والشعبوية البغيضة. كلٌ من الخطأين يحفز الظروف السياسية التي تعزز من اليأس المضاد للثورة.
نحن بصدد مهمة طويلة وصعبة. فلا يكفي فقط اتباع السياسة الصحيحة، بل نحن بحاجة إلى بناء حزب ثوري حقيقي يستطيع أن ينشر الأمل بين الجماهير العاملة. نحن بحاجة إلى القدرة على محاربة النظام الحاكم، وفي نفس الوقت درء التيارات الرجعية داخل المجتمع.. نحن بحاجة إلى حزب ثوري قادر على كسب ثقة الشعب، و مستعد لقيادة النضال حتى النهاية.
* المقال بقلم باسم شيت: عضو المنتدى الاشتراكي في لبنان
* المقال منشور باللغة الإنجليزية في جريدة العامل الاشتراكي البريطانية