الإمبريالية تُدمِّر العراق

إن التحرك العسكري الضخم لجماعة داعش المسلحة في المناطق المسلمة السنيّة في العراق في وقت مبكر من هذا الصيف قد دفع البلاد مرة أخرى نحو حرب أهلية؛ حيث أن الحرب والاحتلال الأمريكي قد زرعا جذور الانقسام الطائفي في المجتمع العراقي.
وقد بعث إعلان تشكيل الخلافة الإسلامية من قبل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (جماعة داعش) وهجومها الخاطف في كلتا البلدين بصدمة في جميع أنحاء العالم.
وتمتد الخلافة المعروفة باسم (الدولة الإسلامية) من مدينة حلب السورية للضواحي العراقية ببغداد. ومن خلال إلغاء الحدود العراقية السورية بشكل حقيقي، فإنه لدى داعش، في خطوة واحدة تحمل كل اﻷوراق الرابحة، خطاب كل حاكم عربي منذ أن رَسَمت اتفاقية سايكس بيكو الأنجلو فرنسية عام 1917 الخريطة الحديثة للشرق الأوسط.
وقد حفزّت داعش أعداد كبيرة من العرب والمسلمين، فالجهاديين الذين كانوا يتجنبون هذه الجماعة حتى الآونة الأخيرة باعتبارها انشقاق غير شرعي من القاعدة، قد تعهدوا لها بالولاء الآن، بما في ذلك الكثير من فصائل المقاومة السورية. وقد أظهرت داعش قوتها من خلال هؤلاء الذين أُصيبوا بخيبة الأمل نتيجة كُلاً من الثورة المتوقفة في سوريا وفشل حركة المقاومة الوطنية في العراق في تقديم أي شيء للمسلمين السُنّة المُهمّشين في البلاد.
وينتمي هؤلاء المقاتلين الذين احتشدو حول راية داعش إلى بلدان قد عانت كثيراً على أيدي القوة الاستعمارية، خاصة أفغانستان وباكستان وفلسطين والشيشان.
لم تُطلى داعش بفرشاة الإمبريالية مثل الاتجاه السائد لغيرها من الجماعات المتمردة، أو نمت في السلطة والأرض رداً على تهديدات الولايات المتحدة بشن غارات جوية على النظام السوري بعد هجوم الغاز على منطقة الغوطة في دمشق. لكن على الرغم من صورتها الراديكالية، لا يُمكنها الوصول إلى أولئك الذين لا يشاركونها فلسفتها ذات الأفق الضيق، وكما هو الحال في الجماعات الإسلامية الأخرى فإن محاولاتها لقيادة الحركة الوطنية على أُسس طائفية دينية ضيقة الأفق تتعرض للعرقلة.
ويعني هذا في العراق، استدعاء أي دعم من بين المسلمين الشيعة المضطهدين والمهمشين على قدم المساواة، والأكراد الذين تخلصوا من الأوهام. وفي سوريا ومن بين الجماعات الإسلامية الأخرى، قد سحقت داعش اللجان الثورية المحلية الشعبية والتي ظهرت في الشهور الأولى من الانتفاضة. وهي تهدد الآن حُلفائِها من الجماعات السُنيّة العراقية.
والوحشية التي استخدمتها داعش في إعدام مئات الأسرى من الجنود الشيعة العراقيين بدم بارد، وكذلك طائفيتها العنيفة، قد أثارت رد فعل مساوٍ في العنف من الأغلبية الشيعية في البلاد. وقد أخزت أيضاً الولايات المتحدة، وتهدد المصالح والاستثمارات العالمية في حقول النفط العراقية. والاستيلاء على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، قد سارع بانقسام العراق.
ونتيجة لعدوانية داعش، فقد تسارعت الرغبات بين الأكراد للاستقلال، وذلك في خطوة تُشكّل تهديداً لسوريا، وتركيا، وإيران، وكلها بلدان بها قطاعات كبيرة من السكان الأكراد الهائجون. والمعُضلة بالنسبة لتركيا، أنها قد استثمرت بكثافة في المناطق الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق، وأنها قامت بفتح خط أنابيب يربط بين حقول النفط المربحة بكركوك وبين البحر المتوسط.
وقد استخدمت القوات الكردية الفوضى التي تبعت اخفاق الجيش العراقي في الاستيلاء على مدينة كركوك المختلطة عرقياً، وبها فقد ورثّت صراعاً قد يضع الأكراد في مواجهة العرب. يُنظر الآن إلى مخاطر حرب أهلية بين الشيعة والسنه، بالإضافة إلى صراع عرقي عبر كركوك، بأنه لا يمكن تجنبها. وفي غضون ذلك تكتفي الولايات المتحدة وقوى العالم الأخرى بالمشاهدة دون تدخُّل.
ليس هناك شكاً بأنه قد انتهى غرور الولايات المتحدة بعد “عملية حرية العراق”، واستُبدِلَ بمهانة الإمبريالية و”متلازمة العراق”. وعلى الرغم من قوتها العسكرية الهائلة، تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن السيطرة على القوى التي أطلقتها، فبالإضافة إلى انهيار العراق هناك الفوضى التي تلوح في الأفق في أفغانستان، والنكسات في أوكرانيا، والعثرات التي تحدث في سوريا.
لقد اختفى مشروع المحافظين الجدد بقرن أمريكي جديد والذي تم الإشادة به كثيراً في الرمال. وقد زُرعت جذور آخر هزيمة خلال الاحتلال، والمحاولات الأمريكية لترويض الشعب العراقي باستخدام سياسة فَرِّق تَسُد.
الطائفية
نَمَت عملية تطييف العراق من خلال الاحتلال الغربي. أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها عندما تم غزو العراق في عام 2003 دولة موحدة ومتوافقة، وبصمة خفيفة للاحتلال، حيث أنه بعد صراع خرجت القوات الأمريكية، في حين أن قوة من السكان الأصليين حافظوا على النظام تحت إشراف “مستشارين خاصيين”. وبعد أن قامت الجنود الأمريكية بتأمين بغداد في عام 2003، اختارت سلطة الائتلاف “عقيدة الصدمة” النيو ليبرالية والتي قام بتمزيق العراق. فتم تخفيض المزايا الي تقدمها الدولة، وأغلقت الصناعات أو تم بيعها لشركات عالمية، وتم تسريح عشرات الآلاف من الجنود السابقين دون أي أجر أو فرص للعمل، وانهارت الخدمات الاجتماعية، وأصبح انقطاع التيار الكهربائي روتيناً.
وفي الوقت نفسه، دمّرت عمليات النهب الواسعة والفوضى التي أعقبت انهيار نظام البعث السلطة واختصاص قوات الاحتلال. وقد فقد بعد ذلك أعداد كبيرة من العراقيين العاديين وظائفهم في العملية المسماة بـ “التخلص من البعثيين”. وقد طالت خطة تجريد الذين كانوا يحيطون بصدام حسين من القوة الناس العاديين، مثل المعلمين بالمدارس، وموضفي الخدمة المدنية، والتي تعتمد وظائفهم على امتلاك عضوية بالحزب.
بدأت أول مظاهرة كبيرة مُطالبة ببعضٍ من أشكال العدالة الاجتماعية في أوائل الاحتلال. وكان رد فعل القوات الغربية عنيفاً وقمعياً. وفي شهر أبريل من عام 2004، فتحت الجنود الأمريكية الموجودة في المدينة الغربية من الفلوجة النيران على مظاهرة سلمية. وقد تسببت عمليات القتل في انتفاضةٍ سُرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد.
وكانت بؤرة المقاومة في بغداد وغرب العراق هي النظيمات السُنّيّة. وفي المناطق ذات الأغلبية الشيعية، تدفق عشرات الآلاف للانضمام لجيش المهدي، وهي ميليشيا شكلها رجل الدين الشيعي زعيم مكافحة الاحتلال مُقتَدَى الصدر.
وقد تركت الانتفاضة الموحدة الاحتلال يترنح. فلا تكد ان تقمع القوات أحد الأحياء إلا وينفجر غضب حي آخر. وتنامى معدل الضحايا بين قوات الاحتلال بشكل مطرد.
الديمقراطية
وأقبت الولايات المتحدة الغزو بالحديث عن زرع الديمقراطية في العراق، ولكنها أرادت وقتاً للسيطرة على هذه العملية. وفي عام 2003 قامت بالدفع في اتجاه انتخابات غير مباشر والتي من شأنها ستتيح الفرصة لحلفائها لترسيخ أنفسهم في الدولة. ولكن أجبرت الانتفاضة الولايات المتحدة بقبول انتخابات مباشرة في 2005.
وقامت الولايات المتحدة بطرد السياسيين المنفيين الغير فعّالين الذين دخلو بغداد في دباباتها، وشجعت التيار الشيعي والأحزاب الكردية. وكان الغرض من هذه الاسترايجية هو مباركة آيةُ الله علي السيستاني أعلى رجال الدين مقاماً في مدينة نجف المقدسة.
تكشف العلاقة بين الصدر والسيستاني التناقضات بين المسلمين الشيعة في العراق. وبعيداً عن كونها كتلة دينية متجانسة، يتم تقسيم الشيعة طبقياً، وجغرافياً، وحسب اللغة والعرق.
تقع القاعدة الأساسية الداعمة لجيش المهدي في أحياء مدينة الصدر الفقيرة والمترامية على أطراف بغداد، والتي عانت على أيدي كل من الاحتلال والحكومات المتعاقبة عليها.
هناك القليل من القواسم المشتركة بين فقراء مدينة الصدر وبين التسلسلية الدينية الهرمية في النجف وكربلاء، والتي أعطى الاحتلال الفرصة لها لفتح المدن المقدسة لتجارة الحج المربحة.
اتخذ الصدر، والذي أصبح مقاتليه جزءاً فعالاً من المقاومة، نهجاً غامضاً في الانتخابات. فكان معارضاً لهم من حيث المبدأ، ولكن لأنه كان مُقيّد بالتسلسلية الدينية الهرمية فلم يستطع معارضة السيستاني بشكل مباشر.
قوطعت الانتخابات في المناطق ذات الأغلبية السُنيّة، ولكن كان هناك إقبال كبير من الشيعة والأكراد. وكان تأثير ذلك كشف الاختلافات السياسية والأيدلوجية المتنامية التي تُبنى داخل المقاومة.
الانقسامات
لدى الطائفية جذور ضحلة في المجتمع العراقي. فالعديد من القبائل لها فروع سُنيّة وشيعية، في حين أن زواج الأقارب هو القاعدة في أغلب المناطق الحضرية. إن استقطاب المجتمع العراقي كان نتيجة مباشرة للاحتلال، والذي ادمج بدوره الطائفية في النظام السياسي.
كان “النموذج” الذي فرضه الاحتلال في أعقاب أول انتخابات شكلاً من أشكال “الديمقراطية التوافقية”. في ظل هذا النظام، يتم تمثيل الجماعات العرقية، أوالدينية، أو اللغوية المختلفة في الحكومة وفقا للحجم الديموغرافي (الإحصائية السكانية)، مع تخصيص وظائف الدولة بنظام الكوتا. وذلك أعطى أولئك الذين في أعلى كل “مجتمع” حصة من سلطة الدولة تُوزَّع كدَعم. في واقع الأمر، قام ذلك بتركيز قوة هائلة في أيدي السياسيين الطائفيين، في حين أنه يتم تشجيع أعضاء الجماعات المختلفة ليروا بعضهم البعض كمنافسين.
وكانت النتيجة أن الأحزاب الطائفية والسياسيين الانتهازيين قاموا بتحويل الوزارات إلى إقطاعيات خاصة، في حين أنه أصبحت أعلى المناصب الحكومية متشابكة في التنافسات الطائفية والعِرقيّة. إن سياسة فَرِّق تَسُد الغربية فَرَضَت انشقاقاً عمودياً في المجمتع العراقي، ووضعت الأساس لفتنة طائفية.
ومع خروج قوات الصدر من المعركة بفاعلية في أعقاب تدخل السيستاني، بدأت قطاعات من السُنّة المتمردة في الانحراف تجاه جهاديي القاعدة. وقد تفاقم الوضع باستخدام القوات ذات الأغلبية الشيعية في قمع المناطق السُنيّة.
وقد انفجرت التوترات المتذايدة لتصبح عداءاً مفتوحاً في أعقاب هجوم على مزار ديني شيعي مهم في سامراء. وقد انضمت قطاعات من المقاومة الشيعية، ومن بينهم قوة كبيرة من أنصار الصدر، إلى عصابات معروف عنها الطائفية في حملة قتل ضد السُنّة. وكان تأثير هذه الحرب الأهلية أن المسلمين السُنّة قد تم القضاء عليهم بشكل كامل في بغداد، وأولئك الذين بقوا على قيد الحياة يعيشون في خوف دائم وريبة من المجهول.
وطوال عامي 2005 و 2006، تقلصت المقاومة لتنحصر في المناطق ذات الأغلبية السُنّية والتي تطور فيها شعوراً سائداً بالإحباط والخيانة. وأثناء هذه الفترة التي ارتبط فيها الأصوليين ون بتنظيم القاعدة بدأت في الظهور كقوة رئيسية. في البداية رحب المقاتلون داخل المقاومة بهم. وبالرغم من صغر عدد مقاتلي القاعدة لكن باستطاعنهم شن هجمات مؤثرة على قوات الاحتلال.
ولكن استخدامهم للمفجّرين الانتحاريين، والسيارات المفخخة، والهجمات الطائفية العشوائية على الشيعة (والذين يسمونهم بالمرتدين) أدّى إلى تصدعات بداخل المنظمات السُنيّة. وإلى جانب التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية، وجدت القاعدة نفسها على خلافات بشكل متزايد مع باقي المقاومة. وقد أعطى السخط المتزايد البداية التي أرادها الاحتلال. فقد استطاعت الولايات المتحدة الفوز بقطاعات أساسية في المنظمات السُنيّة داخل مايسمى بمجلس الصحوة (ويعرف أيضاً بأبناء العراق).
مُقاتلوا الصحوة أُثيروا ضد القاعدة، مَاحِيين أغلب مُنظماتهم. ولكن كان لذلك ثمناً. فقد وعدت الولايات المتحدة مجلس الصحوة بدور في قوات الأمن والحكومة العراقية القادمة. ولكن في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، تراجعت حكومة نوري المالكي عن الاتفاق. ومع نظام حكم يميل ضدهم، وحرباً خلّفّت العديد من أحيائهم خَرِبة، ومستنزفة، واغتراب متزايد عن إخوانهم الشيعة، انزلقت المناطق السُنيّة في شعور قاسٍ باللامبالاة حتى اندلاع الربيع العربي الذي أشعل ثانيةً المطالب من أجل العدالة الاجتماعية.
معجزة اقتصادية؟
بالرغم من التفكك الاجتماعي المجتمع العراقي، تدفقت مليارات الدولارات في مشاريع استثمارية كبرى، خاصة تطوير حقول النفط المربحة. فشركات صينية، وغربية، وروسية، وكورية، وتركية، طالبت بحصتها في النفط العراقي. تعافى الإنتاج لمستوياته لما قبل فرض الإجراءات العقابيّة.
قامت مجلة بيزنس ويك بتلخيص الطفرة الجديدة للعراق: “في عام 2012 تجاوزت العراق إيران لتصبح ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية طبقاً لأوبيك. وفي ربيع هذا العام، وصل إنتاج العراق للنفط إلى أعلى مستوياته في 35 عاماً بـ 3.4 مليون برميل يومياً. وتحدث مسؤلي النفط العراقيين عن إمكانية إنتاج ما يصل إلى 9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020.
“انخفضت ديون العراق، وارتفع النم, الاقتصادي. وقد توقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام أن اقتصاد سينمو بنسبة 6.3 بالمئة هذا العام، وبنسبة 8.25 بالمئة بحلول عام 2016، وهو المعدل الأسرع بين الاقتصادات الـ 22 التي شملها الاستطلاع في المنطقة”.
رسمت الأرقام صورة وردية للاقتصاد العراقي، حيث ارتفع إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2003، وارتفع معدل دخل الفرد، وانخفضت رسمياً معدلات البطالة والتضخم. تخفي هذه الأرقام حتى الآن الحقيقة البشعة بأن حال أغلبية العراقيين اليوم ما زال بنفس السوء كما من 10 أعوام مضوا، في حين أن زمرة صغيرة من السياسيين ورجال الأعمال الفاسدين قد جمعوا ثروات هائلة.
تجنبت الطفرة الاقتصادية العراقية غالبية مواطنيها. فتُظهر أحد الدراسات أن أغنى 15 عراقي يملكون أكثر من 10 مليارات جنيه استرليني. في حين أنه، وطبقاً للأمم المتحدة، أكثر من 23 بالمئة من العراقيين، حوالي 9 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. وقدّر آخرون أن عدد الذين يعيشون في فقر مدقع حوالي 12 مليون نسمة. وحتى في مدينة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط والسلمية نسبياً، فإن واحد من كل ثلاثة أشخاص يعيش على التسول.
إن الفجوة الاقتصادية في العراق سائدة في جميع الطوائف والجماعات العرقية، ولكن التهميش السياسي لكل من الأكراد والسُنّة هو خديعة مضافة. في المناطق الشيعية، يمكن أن يكون هناك بعض الوهم بأن السكان العاديين لمدينة الصدر قد يمكنهم في يوماً ما الهروب من الفقر، وليس هناك أمل من هذا القبيل بين السُنّة.
أظهر السُخط المشتعل نفسه في حركة احتجاجية كبيرة اندلعت في ديسمبر 2013، وتركزت في الفالوجة والرمادي. وكان لهذه الحركة القدرة لتحطيم الحواجز الطائفية.
وبينما كان الآلاف من المتظاهرين ينصبون خيام الاعتصام السلمي، أصدر الصدر بياناً داعماً. وكان هذا اقراراً بأن الغضب من حكومة المالكي، والعُصبة التي تزداد غنى، كان له صدى في المناطق الشيعية الفقيرة.
كان رد المالكي على الاحتجاجات هو العنف. كان قمعه الوحشي للاحتجاجات لا يُثمر عنه إلا مزيداً من الغضب. فأصبح تدخل داعش والمنظمات الإسلامية الطائفية ضرورياً.
ومع زيادة التعاطف مع محنة هذه المناطق عبر القطاعات الاجتماعية، وصلت الحركة إلى مفترق طرق، وكان من الممكن توجيه تعاطفاً كبيراً من جميع المناطق العراقية بتوسيع المطالبة بالعدالة الاجتماعية. ولكن بدلاً من ذلك، أثارت هذه المنظمات مطالب السُنّة على وجه الحصر، ثم اتجهت تدريجياً لخطاب مُعادٍ للشيعة. وكان رد داعش لتعبير الصدر العلني بالتعاطف والدعم مع الربيع العراقي قاتلاً ﻷي إمكانية لنمو تلك الحركة.
الخسائر الإمبريالية
إن صعود داعش وإعلان الخلافة الإسلامية، يُقدّم القوى الإمبريالية مع معضلة قاسية أخرى. وعلى الرغم من المليارات العديدة التي تستثمرها الصين في النفط العراقي، وهو الأكبر بين المستثمرين الأجانب، فهي لا تستطيع حماية مصالحها في البلاد. وهي قصة مشابهة لباقي المشاركين العالميين.
تعتمد الصين على الولايات المتحدة وإيران ليكونا بمثابة الضامن. فأصبح الأعداء لزمن طويل حلفاء الأمر الواقع في الحرب ضد داعش، وبإمهال مسلمين العراق السُنّة.
وعندما يُنظر للأمر بعين الرأسمالية العالمية فإن التعاون العسكري (طائرات أمريكية بدون طيار، وقوة السلاح، بجانب قوات إيرانية برية) يعد خطوة ضرورية ومنطقية.
هناك أيضاً وراء هذه التحالفات المتغيّرة مخاوف اقتصادية. فأي توقف في إنتاج النفط العراقي قد يشهد زيادة 40 دولار في سعر برميل النفط. هذه “الصدمة النفطية” ليس بالضرورة أن يكون لها تأثيراً مباشراً على الولايات المتحدة، حيث أنها على مدى العقد الماضي قد زادت إنتاجها من 2.4 مليون إلى 7.4 مليون برميل يومياً. ولكنها ستخلق مشكلة بالنسبة للرأسمالية العالمية والتي تعتبر الولايات المتحدة حارسها على مستوى العالم.
واستناداً إلى safe (حماية الطاقة المستقبلية ﻷمريكا) والتي يقع مقرها بواشنطن: “على المدى الطويل، تعتبر العراق أساسية بالنسبة لمعظم التوقعات لتلبية زيادة الطلب على النفط في بلاد مثل الصين والهند. فإذا دخلت العراق في فترة طويلة من الاضطراب، ستشمل العواقب المحتملة ارتفاع أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.”
مستقبل مظلم
ما أصبح واضحاً منذ غزو عام 2003 هو أن كل التحذيرات التي عبرت عنها الحركة المناهضة للحرب كانت صحيحة. كان الغزو والاحتلال كارثة بالنسبة للولايات المتحدة، ومأساه بالنسبة للعراقيين.
أصبح إعلان الخلافة الإسلامية تحدياً مباشرا للإمبريالية والقوى الإقليمية. بل هو أيضا انقسام عميق في المنطقة. لا تستطيع داعش الفوز بولاء المسلمين الشيعة (أو غيرهم) وأفعالها قد فاقمت نمو الانقسام الطائفي في الشرق الأوسط.
إن تفكك العراق هو نتيجة مريرة للتدخل الغربي و “الحرب على الإرهاب”. وأي تحرك لمزيد من التدخل الأجنبي يمكن أن يزيد فقط من الوقود على النار.
* المقال منشور باللغة الإنجليزية بمجلة الاشتراكي الشهرية البريطانية – عدد يوليو 2014