بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

قراءة في صمود غزة: مع المقاومة أبدًا

المقاومة الفلسطينية

قبل ستة سنوات اتكأت وزيرة خارجية العدو الإسرائيلي في حينها تسيبي ليفني على أيدي وزير خارجية مبارك أحمد أبو الغيط، وأعلنت من الأراضي المصرية بدء عدوان صهيوني جديد على قطاع غزة. وقبل أيام، أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وهو في ضيافة عبد الفتاح السيسي، على ما أسماه “حق إسرائيل الوجودي في الدفاع عن نفسها ضد ما يهدد أمنها”.

يبدو أن جزءا كبيرا من الصورة لم يتغير، لا يزال قطاع غزة يضرب مثلا رفيع المستوى من المقاومة والصمود، ولا تزال أطراف العدوان كما هي، الاحتلال والحلفاء الدوليين، والحكومات العربية المتعاونة معه.

المشهد هذا ليس عبثيا ولا مرتجلا، بل تؤكد عليه شواهد عدةـ، لا تدع مجالا للشك في ترابطه وتكامله.. هكذا كان الموقف الإسرائيلي الرسمي عقب المبادرة المصرية، هكذا أكد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو عقب اجتماع مجلس الحرب الصهيوني، قائلا “دفعنا إلى العملية البرية بعد أن رفضت حماس المبادرة المصرية”. تأكيد نتنياهو هذا، وإن كان يقصد به حفظ ماء الوجه، إلا إنه مثلا صارخا عن دور مصر الإقليمي بعد وصول معسكر الثورة المضادة للحكم. تجهيز وتحضير كل الظروف المناسبة لتسهيل عدوان جديد على الأراضي الفلسطينية، مع رفع الحرج عن العدو.

ولأن منطق التاريخ يرفض التكرار، فثمة ركن بارز من الصورة تغير، وفرضت ظروف جديدة على المعادلة الراهنة.

أول ما يستوجب القراءة هو الموقف في الداخل الفلسطيني. شهد العام 2012 تغيرات إقليمية دراماتيكية بالنسبة لحركة المقاومة حماس. استولى الشقيق الأكبر لحماس، جماعة الإخوان المسلمين، على الحكم في مصر بعد انتخابات مشتعلة نافسوا فيها فلول مبارك، في نفس الوقت الذي ازداد فيه النفوذ التركي على حساب المنافس الإقليمي الأقوى، إيران، التي دخلت في مواجهات مع الأتراك على خلفية المسألة السورية. وفي سياق التفاهمات التي أنجزتها جماعة الإخوان وبالتنسيق مع الأتراك مع المعسكر الغربي، بدأ منحنى جديد في الظهور لدى حماس. وبدأت الحركة التي رفضت اتفاق أوسلو في تأسيس لخط دبلوماسي يشابه ذلك الذي بدأه ياسر عرفات في آخر الثمانينات، وأسست جهازا أمنيا لمنع الفصائل الفلسطينية من رمي الصواريخ على الأراضي المحتلة. ما خلق أزمة حادة مع الحلفاء المحليين، وعلى رأسهم حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما انقطعت خيوط الوصل القديمة مع الحلفاء الإقليميين (إيران، سوريا وحزب الله).

العام الماضي انقلب حلم حماس الرومانسي رأسا على عقب. أنجز الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني اتفاقا نوويا ناجحا مع المعسكر الغربي، اتفق الجميع أنه انتصارا دبلوماسيا إيرانيا، وأعاد الجيش السوري النظامي سطوته على أغلب المناطق التي كانت المعارضة قد سيطرت عليها، في نفس الوقت الذي عزل فيه محمد مرسي عن الحكم، وحكم قضاء الثورة المضادة في مصر بتصنيف حركة حماس كجماعة إرهابية، وفجع العالم فجأة من جرائم بعض المعارضة السورية والأطراف العراقية، وفي مقدمتهم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

الصدمة التي تلقتها حماس أعادتها لمعسكرها الأصلي وسياساتها القديمة، وأعلنت عن تمسكها بمبدأها الأصيل في المقاومة على كامل الأراضي المحتلة، وبرز تنسيق كامل مع باقي فصائل المقاومة ذكرنا بما كان وقت أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط.

مشهد آخر لا يستطيع مبصر غض النظر عنه. في العام 2006، اندلعت حربا شرسة بين الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة الإسلامية في لبنان.. ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي تنكسر المعادلة الصهيونية التقليدية، “نخارب على أرض الآخرين.. وشعبنا يمارس حياته في الداخل”. أمطر حزب الله شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وعلى مدار 33 يوم كان المستوطنين هاربين في الملاجئ وفي جنوب فلسطين. حينها طرحت أسئلة وجودية بين صفوف الاحتلال، أسفرت عن تغيير كامل البنية التحتية لتتناسب مع الطبيعة الجديدة للحروب مع المقاومة في لبنان وفلسطين، ونفذت عشرات المناورات مل مستوى الكيان كاملا شاركت فيها كل الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية لبحث جهوزية الاحتلال، كما بدأوا في تشكيل منظومة دفاع جوي، سميت بالقبة الحديدية، لتأمين كل أجواء فلسطين المحتلة.

في الحرب الأخيرة، أصبح وصول صواريخ المقاومة لتل أبيب ومطارها الرئيسي خبرا عاديا، طالت الصواريخ كل الأراضي المحتلة، مؤكدة على فشل القبة الحديدة الاسرائيلية، وذلك على الرغم من الحصار المفروض على القطاع من قبل الاحتلال والحكومة المصرية.

على الرغم من التطورات التي شهدتها ساحة الصراع، سواء على مستوى دموية العدوان أو وقاحة الحكومات العميلة، أو على مستوى التطور النوعي الذي شهدته المقاومة، يبقى الموقف الاشتراكي الثوري ثابتا لا رجعة فيه ولا حتى نية لذلك. فعلى الرغم من تردد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال الأعوام الماضية، وعلى الرغم من الفجوة الواسعة مع أفكارهم، إلا أن الواقع لا يدع أي مجال إلا لكامل التأييد التام وغير المشروط لأي حركة مقاومة طالما ترفع سلاحا في وجه الاحتلال. لا نملك إلا الانحناء أمام صمود مقاتلي كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وباقي الفصائل. ولا نملك في صراعنا إلى جانب هؤلاء ضد الاحتلال إلا مناهضة الاحتلال، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، والهجوم الضاري ضد المتعاونين معهم أو محرضيهم، سواء هؤلاء الكائنين في مركز العالم، أو الدائرين في دوائره.