حصاد الرأسمالية
التقشف في اليونان: الشعب وحده يدفع الثمن

في ظل الادعاءات بانتهاء الأزمة الاقتصادية في اليونان وزيادة معدلات التنمية، أعرب رئيس الوزراء اليوناني أنطونيوس ساماراس عن توقعه بخروج اليونان من الأزمة خلال هذا العام، لكن الأوضاع على أرض الواقع اختلفت تماماً عن تلك الأصوات الزائفة، فاستكمالاً لخطط التقشف والخصصة، والتي بدأت في 25 مايو 2011، يناقش البرلمان اليوناني حالياً مشروع قانون يسمح للحكومة بخصخصة الشركة العامة للطاقة في 2015. الاحتجاجات على الجانب الآخر تواصلت حيث احتشد نحو 800 من عمال الشركة العامة للطاقة خارج مقر الشركة في وسط أثينا في سلسلة إضرابات سابقة نظمها عمال الكهرباء لمدة 48 ساعة في 13 محطة.
تصاعد الغضب الشعبي من جديد في 9 يوليو 2014، فأعلن الآلاف من موظفي القطاع الحكومي الإضراب لمدة 24 ساعة، احتجاجاً على شطب الوظائف، بالتزامن مع زيارة جهات الإقراض الدولية لليونان. اعترض الموظفون على خطط التقشف من خلال عمليات التسريح أو التنقلات، كما أشاروا بأن تلك الخطط ستؤدي إلى تضخم معدلات البطالة عن معدله الحالي البالغ 26%.
خطة الإنقاذ تعمق الأزمة
وفقا للأرقام، هناك 30 إضراباً منذ 2010 قام بهم العمال احتجاجاً على شروط الاتحاد الأوروبي وصندوق البنك الدولي بتقديم مزيد من القروض في إطار خطة إنقاذ البلاد من الإفلاس. هذه الخطة هي أكبر عملية إنقاذ مالي تعتمدها أوروبا في تاريخ الأزمات الاقتصادية بقيمة 110 مليار يورو على 3 سنوات هدفت لخفض العجز في الميزانية بنسبة 39.7%، عن طريق اقتطاع جزء كبير من الأجور والمعاشات والخدمات، وأصبحت الحكومة اليونانية مستعدة لبيع خطوط السكك الحديدية وقطاعي البريد والكهرباء والبنوك الحكومية، إلخ.
وعلى الرغم من أن الحكومة اليونانية قد خفّضت إنفاقها بنسبة 10% (أي أقل بـ 4.5% مما أوصى به الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، إلا أن ذلك أثّر بالسلب على اقتصاد اليونان؛ فالقدرة الشرائية انهارت وتراجعت إلى النسبة التي كانت عليها عام 1984، مما أدى إلى تدهور الاستهلاك بشكل كبير. كما ارتفعت نسبة البطالة إلى 12.1% في 2010، ويتوقع خبراء اقتصاديون زيادتها 14.3% هذا العام، بالإضافة إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% في الربع الثاني من 2010، وبحلول نهاية ذلك العام هبط بنسبة 4%.
أسباب الأزمة
الأزمة جاءت من رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في اليونان، مع بعض كبار الرأسمالين المحليين، والذين قاموا المضاربة بالقروض في جوانب من الاقتصاد ليجنوا من وراءه مكاسب مرتفعة، فهذه المضاربات المجنونة لم تحقق إنتاجاً كافياً للربح وتسديد تلك القروض، ومع تراكم تلك القروض وعدم وجود إصلاحات اقتصادية ملحوظة، كانت النتيجة عدم قدرة اليونان على الإيفاء بالديون ومستحقاتها، بالإضافة إلى ترقب شعبي قلق من تطورات تلك الأزمة.
بعد استقالة حكومة كوستات كرامنليس التي امتدت خمس سنوات بين 2004-2009 تحت ضغط جماهيري، جاءت حكومة بورغوس باياندريو الاشتراكي إلى السلطة، لتعلن قيمة الدين 300 مليار يورو، لتصل بعد الفوائد والمستحقات إلى 948 مليار يورو، يعني 400% من الدخل القومي. وفى عام 2012 فقط وصل الدين الخارجي إلى 500 مليار يورو وأعباؤه السنوية إلى 82 مليار يورو، محققة بذلك نسب عالية من الفوائد.
في عام 2010 قدمت الحكومة طلباً رسمياً إلى دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي بتفعيل خطة الإنقاذ المالي، وتتضمن الخطة قروضاً من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بقيمة 45 مليار يورو، إضافة إلى حاجة اليونان لتسديد 16 مليار يورو لسندات، وبسبب ارتفاع معدلات الفائدة إلى 8.3% فإن اليونان لم تكن قادرة على إعادة تمويل هذه السندات.
في شهر مايو من العام نفسه، وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، على منح اليونان سلسلة من القروض المالية على مدى 3 سنوات خلال الفترة من مايو 2010 حتى يونيو 2013، وبفائدة تبلغ نحو 5.2% وفترة سداد 3 سنوات، تم تخفيضها لتصبح 4.2 %، فيما زيدت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصف، بشرط القيام بإجراءات تقشف تهدف إلى خفض الإنفاق.
تداعيات الأزمة.. الشعوب وحدها تدفع ثمن فساد حكوماتها
كما جرت العادة سيسدد الشعب اليوناني وحده تلك القروض. قامت الحكومة اليونانية بتنفيذ خطط تقشفية، فبدأت في تسريح الموظفين والعمال، كما قامت بإلغاء الحوافز وتخفيض المبالغ المخصصة للتأمينات وخدمات التعليم والصحة والسكن والمواصلات، ووصلت البطالة لمعدلات غير مسبوقة وصلت إلى 28% في يناير 2013 ازدادت بين الشباب لتصل إلى 64 % ممن أعمارهم بين15 و24 عاماً، وحاولت بعض المدن علاج الأزمة بنتفيذ خطط شبه تقشفية، فخفضت أثينا الحد الأدنى للأجر الشهري لأولئك الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً، بنسبة 32 %، لكن معدل البطالة بين الشبان واصل الصعود، حتى على الرغم من وجود بعض المؤشرات المشيرة بقرب انتهاء أزمة الحكومة.
وقد أعلنت وزارة التطوير الإداري اليوناني، أنه تم تسريح 267 ألف و95 موظفاً منذ بدء الأزمة الاقتصادية في اليونان عام 2009، وذلك في إطار المذكرة التي وقعتها اليونان مقابل الدعم المالي من المجموعة الثلاثية (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي )، وخلال 4 أعوام فقط تم تخفيض عدد الموظفين 29% بتخفيض مصاريف الموظفين 36% خلال الفترة نفسها.
وهكذا كانت خطة الإنقاذ تعمق الأزمة، فانخفض نسبة النمو إلى الصفر، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من مليون شخص، مشكلاً بذلك مشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة، فخفض المرتبات أدى إلى خفض الاستهلاك ورفع مستوى الكساد إلى أقصى حدوده وارتفاع نسبة الهجرة من اليونان إلى ألمانيا بنسبة 40% مقارنة بالأعوام السابقة، وبناءاً على ما سبق احتلت اليونان المرتبة الأولى من بين دول منطقة اليورو كأعلى نسبة فقر، وصلت إلى 21.4% خلال عام 2013، وهي أعلى نسبة فقر في الاتحاد الأوروبي لعام 2011.
ومع تفاقم الأزمة، واستخدام الشعب ككبش فداء، اُرغم الاتحاد الأوروبي اليونان عام 2012 على خفض الحد الأدني للأجور بنسبة 28%، و أقر عام 2012 ان الدولة من الآن وصاعداً تحدد الحد الأدنى للأجور وتجميده لمستوي 540 يورو حتى 2016 و511 يورو لمن هم دون 25 عاماً.
ورداً على ما انتشر من تصريحات خيالية تشير إلى قُرب انتهاء الأزمة، أشار رئيس اتحاد الغرف التجارية اليونانية أنه طالما استمر تطبيق سياسة التقشف فلا مجال للحديث عن خروج اليونان من الأزمة، موضحاً أن مؤشر الركود الاقتصادي بلغ 4.2% عام 2013، والوصول إلى حد أدنى من التنمية يتطلب نقله إلى 5%، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الظروف الراهنة. كما شكك المحللون الاقتصاديون في خروج اليونان من الأزمة في الفترة الحالية، نتيجة لكثرة الملفات المتعلقة بالدين العام اليوناني، وفوائد صندوق النقد الدولي المترتبة عليه. فالحديث عن انتهاء الأزمة في اليونان في ظل تسريح هذا العدد من العمال، وخطط الخصصة والتقشف المستمرين إلى الآن، يُعد هراءأ.