حصاد الرأسمالية
خصخصة القطاع العام في الأردن: إصلاح اقتصادي أم عقاب جماعي للشعب؟

وقّع رئيس النقابة العامة للعاملين في قطاع الكهرباء، علي الحديد، في 23 أغسطس الماضي، اتفاقية عقد عمل جماعي، تم بموجبها إنهاء إضراب العاملين بشركة توليد الكهرباء الأردنية، والتوصل إلى تسوية لمطالب النقابة بحيث تلتزم الشركة بزيادة أجور العاملين 25 دينار على الراتب الأساسي، وزيادة علاوة غلاء المعيشة لتصبح 95 دينار، وتقديم 10 منح دراسية لأبناء العاملين سنوياً. اشترطت الاتفاقية التزام جميع العاملين والنقابة بعدم التقدم بأي مطالب ذات أثر مالي للشركة، وتستمر تلك الاتفاقية لمدة عامين.
بداية الاحتجاجات
فى إطار خطة الخصصة، والتى بدأتها الحكومة الأردنية منذ أواخر 1996 كمحور لتحقيق الإصلاح الاقتصادي على حد زعم الحكومة، ندد عمال الكهرباء في اعتصامهم أمام مجلس النواب، في 3 مارس الماضي، بقرار الحكومة ببيع الشركة وإدخال شريك استراتيجي معها، بعد انتهاء امتيازها الذي امتد 50 عاماً، وما يترتب عليه من رفع أسعار بيع الكهرباء للمواطنين، وسط شعارات ترفض بيع المؤسسات الوطنية، لما لها من أثر مدمر على النواحي الاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية والخدمية.
رفض العمال المساس بحقوقهم العمالية المكتسبة، وطالبوا بمنح مكافأة نهاية الخدمة بواقع شهرين عن كل سنة لجميع العاملين منذ بدء تعينهم، وتوزيع 10% من أرباح الشركة عليهم بالتساوي.
في اليوم الذي يليه، دعت النقابة العامة للإضراب عن العمل، بعدما بذلت جهوداً كبيرة للتوصل إلي إتفاق مع الإدراة لتحقيق مطالب العمال في إطار خطة لتسيير الإضراب في كافة مواقع، على أن يتوجه العمال إلى مقر الشركة بمنطقة رأس العين، ويستثنى من الإضراب أفراد قسم الحرس للقيام بمهامهم في حماية ممتلكات الشركة، ولا يعلق الإضراب إلا بقرار من رئيس النقابة.
قوبل الإضراب فى بداياته برفض صريح لمطالبهم، فصرح العمال أن إضرابهم، الذي بدأ منذ شهر مايو الماضي، مستمر لحين تحقيق المطالب وعزز إضرابهم الاحتجاجات الشعبية على خطط الخصصة، والتى جعلت الحكومة في موقف حرج، وبعد حوالي 3 شهور من الإضراب، توصلت شركة توليد الكهرباء إلى الإتفاق الأخير مع نقابة العاملين بالشركة في تحقيق مطالبهم، ونجحت الاتفاقية في إقناع العاملين بالتوقف عن الإضراب.
الأردن.. من القطاع العام إلى القطاع الخاص
اتجهت الدولة خلال فترة ما قبل الثمانينات إلى بناء القطاع العام، وبتلقي الدعم المالي والسياسي من العراق ودول الخليج العربي، تم استيعاب الأردنيين بدوا وفلاحين في القطاعات الخدمية والمكاتب، ليشكلوا بذلك طبقة بيروقراطية غير منتجة، وخصوصاً بعد توقف الدعم المالي والسياسي الخليجي والعراقي للأردن. وفي عامي 1988 – 1989 انهارت القيمة الشرائية للدينار الأردني، حيث شهد سعر الصرف سلسلة من الانهيارات إزاء العملات الدولية الرئيسية جعلته يفقد أكثر من نصف قيمته في فترة قصيرة جداً.
انفجرت أزمة المديونية، ومع التخبط الاقتصادي والفساد المالي والإداري المتفشي في القطاع العام في أواخر الثمانينيات، أصبحت الأردن تعيش أزمات اقتصادية متعاقبة عالجتها بالحلول الترقيعية، والإصرار على استجداء المعونات الدولية المرتبطة بشروط قاسية، كما أن الصناعة الأردنية هي صناعة اللمسات الأخيرة، كما يسمونها، وهي تقوم باستيراد المواد شبه المصنعة وتركبها، فليس هناك صناعة وطنية متطورة ولكنها صناعات خفيفة تعتمد على رخص الأيدي العاملة الأردنية والأجنبية المتواجدة في الأردن.
تصاعدت مديونية الأردن بوتائر متسارعة خلال النصف الثاني من الثمانينيات. بعد عام 1996 اتجهت الأردن إلى نظام الخصخصة، امتثالا لسياسات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات المالية الإمبريالية، وعزمت على تنفيذ هذه النقلة النوعية من القطاع العام إلى القطاع الخاص في إطار ما يسمى بـ “الليبرالية الجديدة في الأردن”، فشرعوا بتفكيك القطاع العام، وبيعه للرأسماليين الأجانب بأثمان بخسة، انتقل ذلك التحول إلى جميع مؤسسات الدولة التي بناها وأسسها الشعب بعرقه، باستثناء قطاعي الصحة والتعليم، اللذين هما الآن بصدد التحول نحو الخصخصة، ليصبح الاقتصاد الأردني كلية تحت علاقات الإنتاج الرأسمالية، وتحت سيطرة القطاع الخاص الأجنبي والمحلي.
أعاق تدخل الدولة الدائم واحتكارها للاقتصاد تطور وانتفاخ تلك السياسة البرجوازية، والمتمثلة بدرجة كبيرة في الفلسطينيين المهاجرين إلى الأردن والبالغ نسبتهم 50% من السكان، الذي بوشرت فيه تشريعات الخصخصة وساعدتها مرة أخرى على الانطلاق والسيطرة بدرجات كبيرة. جاءت تلك الفترة كمرحلة انتقالية ما بين رأسمالية الدولة إلى مرحلة الخصخصة، حيث يكون القطاع الخاص هو الآمر الناهي، وفيها تم خصخصة العديد من الشركاتال كبرى حتى الآن، ومنهم:
شركة مناجم الفوسفات
تم بيع حصة الحكومة في هذه الشركة في إطار برنامج الخصخصة، بمبلغ مليون دينار فقط، لما يعادل أرباح الحكومة من الشركة لسنة واحدة، أو 3 أضعاف المبلغ الذي بيعت به، أي إنها كانت قادرة على تأمين دخل سنوي مستمر بلا انقطاع لخزينة الدولة بأضعاف ثمن بيعها المقطوع والمتاح لمرة واحدة فقط.
شركة البوتاس العربية
وقد بيعت حصة الحكومة في تلك الشركة بمقدار 126 مليون دينار، أي بأقل من 200 مليون دولار أميركي. رغم أن أرباحها عام 2008 كانت 311,4 مليون دينار، وهكذا يتضح أن أرباح الشركة لعام واحد فقط قد قاربت 3 أضعاف المبلغ الذي بيعت به.
شركة الإسمنت
باعت الحكومة حصتها في الشركة عام 1998 إلى مجموعة لافارج الفرنسية بمبلغ قدره 70 مليون دينار، علما بأن لهذه الشركة مصنعين، وقد حققت الحصة الحكومية في الشركة عام 2008 ربحا مقداره 118 مليون دينار، وهو ربح يكافئ قرابة الضعفين إلا قليلا من المبلغ الذي بيعت به تلك الحصة.
شركة الكهرباء الأردنية
أُسِّسَت شركة الكهرباء الأردنية وبُنِيت وتطورت بفعل الضرائب التي كان يدفعها الأردنيون، والتي أوصلت التيار الكهربائي إلى ما نسبته 99% من مناطق المملكة، وهي أعلى نسبة في العالم العربي، بيعت بمبلغ 70 مليون دولار، لشركة دبي كابيتال، مع أن ممتلكات هذه الشركة من مباني ومعدات ومحطات وتجهيزات، تقدر بأكثر من 1,4 مليار دولار أمريكي.
وبعد 15 عام علي بداية تنفيذ خطط الخصخصة، خرجت لجنة من الخبراء الاقتصادين المكلفين بمراجعة هذا الملف، وصرحوا بأن الخصخصة لم تساهم في خفض المديونية في الأردن، بل ارتفع عجز الميزانية ليبلغ العام الحالي 1.5 مليار دولار، كذلك حجم المديونية العامة والذي تجاوز 17 مليار دولار مع نهاية 2013 ، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 14%، كما ارتفع الدين العالم بنسبة 5.2% فى نهاية النصف الأول من العام الحالي.
كل تلك الأزمات، هي ببساطة نتاج فساد حكومات على مر عقود طويلة، ولكن بالطبع لن تحاسب الحكومة رجالها المخلصين، وخصوصا عندما يكون إخلاصهم فى سبيل إكمال هذا الفساد، ليبقى الحل دائماً اللجوء إلى الشعب، ليدفع وحده ثمن فساد حكوماته.