إذا كان المصريون استطاعوا أن يتخلصوا من مبارك، فمن الممكن أن نقف ضد الحكومة وأصحاب الأعمال
30 نوفمبر.. يوم الغضب البريطاني ضد الفقر والاستغلال
مثل إضراب 30 نوفمبر التعبير الأقوى للغضب الطبقي الذي انتشر في كل أنحاء بريطانيا من جزر شاتلاد في شمال اسكتلندا إلى ترورو في جنوب انجلترا. أعلام النقابات غطت ميادين المدن الكبيرة والصغيرة. وتشكلت أغلبية المضربين من النساء وهن العاملات والموظفات في المستشفيات والخدمات العامة.
وقد اشتركت أعداد ضخمة في المسيرات: 50,000 في لندن؛ 25,000 في مانشستر وجلاسجو؛ و20,000 في فكل من بريستول وليفيربول وبرمنجهام. وشارك الآلاف في مظاهرات حاشدة في مدن صغيرة أيضاً، فشارك حوالي 3000 في مظاهرة بمدينة ترورو الريفية في جنوب غرب انجلترا، وهي مدينة عدد سكانها 18,000 تقريباً! وحسب تقديرات اتحاد النقابات البريطانية انضم العمال المضربون في هذا اليوم إلى ألف مظاهرة تقريباً.
إن غضب العمال والموظفين الذي شاركوا بإضراب 30 نوفمبر كان يتصاعد منذ فترة طويلة. خلال السنوات الأخيرة واجه العمال البريطانيون هجمات متزيدة من جانب الحكومة وأصحاب الأعمال، من أهمها سياسة تجميد الأجور التي تمثل في الواقع تخفيضاً للأجور الحقيقية نظراً لارتفاع الأسعار، ومنها أيضاً تدمير الخدمات العامة من خلال تقليل الإنفاق عليها وخصخصتها. والتغييرات المطروحة حالياً في نظام المعاشات جزء لا يتجزأ من معركة محورية، فهذه المعركة في بريطانيا هي تعبير محلي عن النضال الرئيسي في وقتنا هذا: من سيدفع ثمن الأزمة الاقتصادية؟ أغلبية سكان العالم وهم التسعة والتسعون في المائة حسب تعبير نشطاء “احتلوا وول ستريت” أم الأقلية الصغيرة التي تسيطر على النظام السياسي والاقتصادي؟
لهذا السبب كان إضراب 30 نوفمبر هو آخر خطوة في سلسلة من الاحتجاجات التي عبرت عن صعود المقاومة ضد حكومة حزب المحافظين وحلفائهم في الحزب الليبرالي. بدأت هذه الموجة الاحتجاجية بالطلبة بمظاهرة حاشدة في نوفمبر 2010 وسلسلة من الاعتصامات في جامعات في كل أنحاء بريطانيا. بعد ذلك دخلت نقابة مدرسي الجاعات المعركة بإضراب شارك فيه حاولي 120,000 مدرس وموظف في الجامعة دفاعاً عن نظام المعاشات الحالي. ومن ناحية ثانية زاد الضغط على قيادات اتحاد النقابات البريطانية من بعض النقابات العامة. وبسبب هذا الضغط دعا الاتحاد إلى مظاهرة ضخمة في 26 مارس شارك فيها 500,000 عامل. وبالرغم من محاولات قيادات النقابات الكبيرة المرتبطة بحزب العمال المعارض تحويل غضب العمال بعيداً عن فكرة الإضراب ونحو صناديق الاقتراع مع اقتراب الانتخابات المحلية، فقد قررت ثلاث نقابات عامة تنسيق إضراباتها مع إضراب نقابة مدرسي الجامعات في يوم 30 يونيو.
وبالطبع فإن هذه التطورات مرتبطة بتطورات هامة على المستوى الدولي، مرتبطة بانفجار الثورة في تونس ومصر، وانتشار الاعتصامات في إسبانيا وصعود المقاومة العمالية في اليونان. إن وجود نموذج حي للثورة مهم جداً للنشطاء الذين يلعبون دوراً محورياً في الصفوف القاعدية للنقابات البريطانية، فهو يغير توقعات الناس عما يمكن للجماهير أن تحققه من خلال النضال. “إذا كان المصريون استطاعوا أن يتخلصوا من مبارك، فمن الممكن أن نقف ضد الحكومة وأصحاب الأعمال”. هذه الجملة تكررت الآف المرات في اجتماعات العمال في نقاباتهم في كل أنحاء بريطانيا منذ 25 يناير، وخاصة على ألسنة الاشتراكيين الثوريين الذين لعبو دوراً مهماً في الدعوة إلى إضراب مدرسي الجامعات وفي التنسيق بين المعلمين وموظفي الدولة في إضراب 30 يونيو. وهناك نقطة أخرى جديرة بالتشديد عليها وهي أن انتقال موجة الاعتصامات من ميدان التحرير إلى مدريد إلى نيويورك إلى لندن يشجع العمال على أن يروا نضالهم كجزء من موجة عالمية من مقاومة سياسات التقشف.
من الواضح أن بعض القيادات النقابية تريد أن تعقد صفقة مع الحكومة، ولكن تحت ضغط جماهير العمال الذين يدفعون باتجاه المقاومة وضغط الحكومة نفسها التي تفرض التنازلات على هذه القيادات ينفتح الباب لمزيد من الإضرابات. لقد خطت الحركة العمالية البريطانية خطوة كبرى إلى الأمام بإضراب 30 نوفمبر، فالآن هناك الملايين من العمال وأسرهم يرون أن لديهم القدرة على تنظيم أنفسهم للنضال. هذا هو المكسب الحقيقي من الإضراب، وهو لذلك انتصار تاريخي.