بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإضراب عن الطعام في المغرب: أسلوب للمقاومة.. ولكن!

تتصاعد الإضرابات عن الطعام للمعتقلين السياسيين في المغرب لتمثل حراكا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة. في الحوار التالي يعرض الناشط المغربي حسن أمازيغ* الأوضاع السياسية الراهنة وكيف انعكست على أساليب الحراك الاجتماعي.

– صف لنا الأوضاع السياسية في المغرب وانعكاساتها الاجتماعية.
إن المتتبع لديناميكية الحركة الاحتجاجية في المغرب سواء كان سياسيا أو أكاديميا، لن يجزم بأن المغرب يعيش”استقرار” و”سلم اجتماعي”، كما يصوره الإعلام البورجوازي للدولة المغربية وحلفائها الإمبرياليين في أوروبا وأمريكا، فالمغرب ليس استثناء كما يروج له، فهو استثناء مشوه في نظري. فالمغرب دائما مند سنوات، بل منذ قرون يعيش على تمردات وانتفاضات شعبية، وتاريخ المغرب الحديث والمعاصر مليء بهذا النوع من التمردات والثورات الفلاحية وغيرها، لأن النظام السائد يكرس الاستبداد والطغيان ضد أي معارض، ومع الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956 استمر الكادحون من عمال والشباب الثوري ضد بقايا الاستعمار والنظام المستبد الذي يحمي مصالح فرنسا وإسبانيا.

اتخد المسار الاحتجاجي الأساليب الثورية المسلحة كالمحاولات الانقلابية خلال السبعينات، حيث تم مواجهتها بقوة الحديد والنار عن طريق اعتقالات واغتيالات سياسية طيلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، خاصة مع بروز اليسار الجديد الماركسي، استمرت المناوشات مع النظام القائم وشهدت البلاد عدة انتفاضات مند 23 مارس 1965 وانتفاضة 1980و1981 و1984 و1990.

رغم انكماش المعارضة أدت النزعة الإصلاحية ومساوماتها، خاصة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتقسيمه لكعكعة السلطة مع الملكية خلال “حكومة التناوب” بزعامة عبد الرحمن اليوسفي 1997، فإن ذلك لم ولن يوقف مسيرة ونضال شعب قدم دروسا في التضحية ضد الاستعمار وضد النظام.

على مستوى الطبقات المسحوقة وفي ظل غيبة أمل المغاربة، مهدت انتفاضات الألفية الثانية التي اندلعت نتيجة الاستمرار في نهج سياسة اقتصادية نيوليبرالية ورهن اقتصاد البلاد للمؤسسات المالية الدولية منذ عام 1983، وإغراق البلاد في نزيف المديونية، منذ فرض “برامج التقويم الهيكلي”، فالاستمرار في سياسة التفقير والتجويع ونهب ثروات البلاد وقمع الحريات السياسية والنقابية والإجهازعلى مكتسبات الحركة الطلابية. تردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بانضمام أوسع للطبقات الكادحة لخط الفقر المدقع، والهجوم على صندوق دعم المواد الأساسية، وتفكيك أنظمة التقاعد، وخصخصة التعليم مع استمرار الاعتقالات في صفوف الناشطين والمعارضين والنقابيين والطلبة.

كل هذه الظروف الموضوعية ساهمت في صعود حركات نضالية اجتماعية، مما فجًر تسلسل من الانتفاضات وهم: طاطا 2005 وانتفاضة سيدي إفني 2005 وصفرو2007، والانتفاضة المجيدة لسيدي إفني 2008 التي جوبهت بالقمع الشرس، بالإضافة إلى عدة معارك نضالية للعمال في قطاعات الفوسفات والمناجم والصيد البحري.

– جميع بلدان المنطقة العربية شهدت تصاعدا في الحراك الاجتماعي ، تراوح نسبيا، إثر ثورات الربيع العربي التي شملت المغرب أيضا. إلى أي مدى تأثرت الحركة الاحتجاجية هناك؟
لا يمكن فصل هذه الكرونولوجية المختصرة للدينامية الاحتجاجية بالمغرب عن السيرورات الثورية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط الصاعدة خلال سنة 2011 نتيجة الاستبداد السياسي للأنظمة بالمنطقة وتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشعوب، وهذا ما حفًز نفَسَا جديدا في شباب المغرب المتعطش للحرية والعدالة الاجتماعية لتفجير حراك اجتماعي سياسي مهم في تاريخ المغرب الراهن من طرف شباب حركة 20 فبراير.

إن هذه الذروة الثورية زعزعت فعلا أركان النظام السياسي القائم لبضعة شهور، خاصة مع أن هذه الدينامية سابقة من نوعها ولم يعرفها المغرب منذ أيام الاستعمار، فالغليان الشعبي وبمساهمة قوى ثورية يسارية جذرية تم إرغام الملكية على تقديم تنازلات وترقيع الدستور والاستجابة إلى بعض المطالب الاجتماعية والسياسية، لكن تم الالتفاف على مطالب الشباب الثوري المندفع والمفتقد إلى تجربة سياسية منظمة ومكافحة، كما تم قمع الحركة الشبابية بعدما رفضت الترقيعات وما تسميه بالدستور الممنوح، وامتلأت السجون بالشباب الثائر. مع العلم أن اليسار الجذري لا قوة له داخل المنظمات النقابية ووسط الطبقة العاملة نتيجة طغيان البيروقراطية وانحيازها إلى القصر ومصالح الرأسمال الأجنبي، مما جعله ينعزل عن مارد الطبقة العاملة.

– الإضراب عن الطعام نضال جديد للمعتقلين السياسيين في المغرب ومصر على السواء، وتكمن أهميته في فضح النظام القمعي من ناحية واستمرار الحراك ضده من ناحية أخرى. نريد أن ننقل مدى افتعال هذا النوع من النضال في ظل التراجع الثوري الحالي. كيف تصرفت الدولة المغربية حياله؟ وما تأثير ذلك على الحركة الاحتجاجية؟
لا اعتقد أن الإضراب عن اطعم شيئ جديد خاصة في المغرب ،فمعارك الأمعاء الفارغة في سجون المغرب كتبت عنها روايات ومؤلفات مند الاستقلال الشكلي ،مرورا بالتضحيات للمناضلين بحياتهم في السجون كشكل من أشكال الرفض والاستمرار في معاركهم السياسية ،فا في سنة 1979 استشهدت المناضلة اليسارية سعيدة ألمنبهي بعد أزيد من 40 يوما من الإضراب عن الطعام في سجن الدار البيضاء .

بعد تراجع الحراك السياسي والاجتماعي بالمغرب وتقاسم حزب العدالة والتنمية المناصب مع الملكية والأحزاب التقليدية، انصبت كل جهود الدولة وأجهزتها على ضرورة إفراغ الشارع من التظاهرات، فكثيرا ما تتعرض المسيرات الاحتجاجية للتدخلات القمعية وغالبا ما تسفر عن جرحى ومعطوبين، سواء في مجموعات الأطر العليا أو المسيرات الاحتجاجية للكادحين في عدة مدن أو في اقتحام الجامعات والأحياء الجامعية، ولا يمكن أن يمر شكل احتجاجي دون أن تتم فيه اعتقالات والزج بالمتظاهرين في مخافر الشرطة وتعريضهم لأشكال مختلفة من التعذيب. هذا ما يحدث في المغرب، وفي المقابل تحاول الدولة تكذيب ذلك في المحافل الدولية، فآخر تقرير لمنظمة العفو الدولية بالمغرب كشف عن أساليب تعذيب خطيرة في حق المعتقلين خاصة النشطاء الصحراويين الذين يتعرضون لأشكال مختلفة من التعذيب، وبمجرد إصدار هذا التقرير تم معاقبة جمعية أمنيستي ومنع جمعية أطاك المغرب من أنشطتها والجمعية الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات والتضييق على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مع استمرار الدولة في قمع حريات الصحافة وتلفيق تهم مصطنعة لإسكاتهم، فالدولة لا تسعى إلى ترك هامش للحريات السياسية والنقابية ولا حتى للحديث عن حقوق الإنسان.

لكل نضال له ضريبة، فطريق النضال بالمغرب ليس مفروشا بالورود. الدولة القمعية تستعمل أساليب قمعية لمجابهة النشطاء السياسيين والنقابين والطلبة وتلفيق تهم مفبركة لهم ومحاكمتهم في محاكمات صورية، والآن ما يزيد عن 60 معتقلا سياسيا أغلبهم من مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ونشطاء حركة 20 فبراير يقبعون في سجون النظام، والآخرون في متابعة قضائية، إضافة إلى متابعة النشطاء النقابيين ومناضلي حركات المعطلين من الأطر العليا، فوضعية المعتقلين خلال الأشهر الأخيرة في تدهور خطير نتيجة دخولهم في معركة الأمعاء الفارغة المفتوحة.

لكنه، في المقابل، يخوض المعتقلون السياسيون إضرابات طعامية بطولية لإطلاق سراحهم والاستجابة لمطالبهم المشروعة، فأغلبية المناضلين يدخلون في إضرابات طويلة الأمد تصل إلى أكثر من 100 يوم في بعض الأحيان، وهذا ما أدى إلى استشهاد بعضهم داخل سجون الرجعية، لنفقد 3 مناضلين نتيجة هذه الإضرابات الغير المدروسة والغير المدعومة سياسيا لتحقيق مكتسبات وانتصارات في البحث عن بدائل عنها لاستمرار معاركهم. أظن أن ضعف التضامن هو الذي يجعل المناضلين يصرون على الاستمرار في معاركهم داخل السجون، وحتى إن توقف بعضهم عن الإضراب عن الطعام، فإن النتيجة تكون سلبية.

أغلب المناضلين يصابون بعدة أمرض وعاهات مستديمة، وبالتالي فقدان مناضلين شرفاء في وقت مبكر وأغلبهم شباب، ويسعى النظام والجلادون داخل السجون إلى فرض القضاء على المعتقلين السياسيين بشكل نهائي من خلال إهمالهم ليستسلموا للموت البطيء داخل السجون ويبرر ذلك بانتحارهم.

في 15 سبتمبر الماضي أعلنت مجموعة عزيز البور خوض معركة مفتوحة ضد النظام القائم، وهذه مجموعة أخرى تدخل في إضرابات عن الطعام في معركة الأمعاء الفارغة مستمرة لتعلن: “دفاعا عن هوينا السياسية والفكرية ومن أجل حقنا المقدس في التعليم من خلال تسجيلنا بسلك الماستر وتحسين وضعيتنا كمعتقلين سياسيين داخل السجون، وإذ نعلن للرأي العام أننا نخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام ابتداءا من يوم الإثنين، وإذ نحيي من داخل السجون كافة المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام وعلى رأسهم معتقلي عين قادوس بفاس ومجموعة سفيان الصغيري بمكناس، وندعوا كافة المعتقلين السياسيين للدخول في هذه المعركة النضالية. وفي الأخير نحمل المسئولية للنظام القائم وأذياله في التعاطي الغير مسئول مع مطالبنا العادلة المشروعة وفيما ستؤول إليه أوضاعنا الصحية من داخل زنازين الجلاد. حقنا في التعليم حق ثابت ومقدس”.

برأيك، هل الإضراب عن الطعام سيشق طريقه لإجبار الدولة القمعية وتقديم تنازلات من جانبها؟
في نظري فإن الإضرابات، في المغرب، لم تعد تعطي مفعولها خاصة عندما تكون طويلة، فتاريخ الإضرابات الطعامية للمعتقلين السياسيين كلها تضحيات، لكنها أفقدت لنا خيارات المناضلين والمناضلات، لذلك يجب إعادة النظر فيها في ظل تراجع التضامن وعدم فضح الاعتقال السياسي وطنيا ودوليا. المرحلة توجب علينا إطلاق حملات تضامنية واسعة مع ربط قضية الاعتقال السياسي بالنضالات الاجتماعية الأخرى قصد فضح الطبيعة القمعية للدولة الطبقية. لذلك على المجوعات اليسارية الطلابية أن تدرس جيدا فعالية للإضرابات الطعامية وربطها بالعمل السياسي.

كيف ترى عمل المجموعات الثورية في الظروف السياسية الحالية بالمغرب؟ إننا في فترات التراجع الثوري نحتاج النقاش الدائم حول التكتيكات المتبعة ونود تفهم الأمر منك جيدا.
اليسار الليبرالي انتكس إلى الوراء وبقيت الحركات الاحتجاجية وبعض المجموعات الثورية في اليسار الجذري كتيار المناضل-ة وحزب النهج الديموقراطي وتيار الماويين المغاربة، هؤلاء يعيشون ضعفا تنظيميا وإعلاميا وحتى برنامجيا وتشتت، فاختلافاتهم الاستراتيجية تنعكس سلبا على بناء قوة مكافحة لتجميع ضحايا الاستغلال والاستبداد، إضافة إلى عدم انغراس هذا اليسار بما يكفي في صفوف الطبقة العاملة ومعارضة البرامج الاقتصادية اللاشعبية من قبيل المديونية والاتفاقيات الاستعمارية وقضايا النساء والهجرة.

إن على اليسار أن يكون في مستوى النضج السياسي والإيديولوجي والبرنامجي والكفاحي مع حق الجميع في الديمقراطية والرأي والمبادرة، والاتجاه نحو حد أدنى من العمل الميداني والسياسي لمجابهة القوى الرجعية الصاعدة، وكسب الطبقة العاملة إلى صفوفها والتركيز على مناهضة السياسيات النيوليبرالية الرأسمالية وطرح بدائل ممكنة، وإلا سيحكم هذا اليسار على نفسه بالموت البطئ، ما لم يقدم بدائل حقيقية وإجابات علمية، دون نكران تضحياته المستمرة.
في اعتقادي، فاليسار الجذري الثوري بالمغرب على علم بالأوضاع على المستوى العالمي وتحديات الأزمة الاقتصادية وصعود القوى المتطرفة، وهذا سيرغمه على بناء جبهات للنضال الكفاحي والسير نحو وضع ثوري أكثر تقدما بعد.

*حسن أمازيغ: يساري معارض مغربي