بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الاحتجاجات تضرب شوارع هونج كونج

تحتل المظاهرات الحاشدة المندلعة في هونج كونج في الأيام الأخيرة عناوين الأخبار حول العالم، حيث واجه عشرات الآلاف من المتظاهرين شرطة مكافحة الشغب المسلحة بالهراوات والغاز المسيل للدموع. أُطلق على هذه الانتفاضة “ثورة المظلة”، بعد أن قام المتظاهرون، وخصوصاً الشباب، بصد هجمات الشرطة بإستخدام المظلات. دعا قادة الحركة المتظاهرين إلى البقاء في الشوارع حتى العيد القومي لهونج كونج يوم الأربعاء 1 أكتوبر، كمظهر من مظاهر استعراض القوة ضد سياسات الحكومة المعادية للديمقراطية.

ولكن بعد أن دعا قادة الحركة إلى ضبط النفس في استخدام العصيان المدني، فما الذي يمكن أن يتم من أجل إنجاز تغيير حقيقي؟ في التقرير التالي، يكتب سو سباركس عن الاحتجاجات لموقع “الاشتراكية الثورية في القرن الواحد والعشرين”.

اندلعت الاحتجاجات الحاشدة في شوارع هونج كونج خلال الأيام القليلة الماضية لتمثل حدثاً ملهماً. بدأت الاحتجاجات عندما قاطع طلاب الجامعات المحاضرات واعتصموا وسط المدينة بهونج كونج، حيث احتلوا ميدان سيفيك، والذي يوحي اسمه على أنه، من المفترض، مساحة مفتوحة للجمهور، ولكن مؤخراً تم تحصينه بالأسوار العالية. بعد المراوغة، دعا قادة الحركة إلى احتلال وسط المدينة، وخططوا لاحتلال الطرق في المنطقة التجارية المركزية يوم 1 أكتوبر، حيث قرروا تحديد موعد حركة الاحتلال في أقرب وقت لدمج جميع الحركات معاً.

في 28 سبتمبر، انضم عشرات الآلاف من سكان هونج كونج إلى الطلاب، وكان معظمهم من الشباب. منعت الشرطة المتظاهرين من الوصول إلى موقع الاحاتجاجات الرئيسي. توقع رجال الشرطة أنه من السهل التحرك وإلقاء القبض على المجموعة الرئيسية التي تقود المتظاهرين، ولكنهم فوجئوا بأن الجميع قد تركوا منازلهم ليشاركوا في المظاهرات. لم يحدث ما توقعه رجال الشرطة، حيث أُحبطت توقعاتهم من قبل الأعداد الهائلة من الجماهير التي قامت اخترفت صفوف الشرطة واستولت على سلسلة من الطرق الرئيسية وسط المدينة، وما زال العديد من المُحتجين معتصمين حتى الآن في هذه الطرق. لم تنجح الشرطة في محاصرة المظاهرات الرئيسية، بل في الحقيقة وجدت نفسها مُحاصرة. حاولت الشرطة فض المظاهرات عن طريق رذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع والهراوات، ولكنها فشلت. انسحب شرطة مكافحة الشغب من الشوارع يوم 29 سبتمبر، ولا أحد يعرف إلى متى. في الوقت نفسه، انتشرت الاحتجاجات إلى مناطق أخرى في المدينة، بما في ذلك شارع ناثان في مونج كوك، وشارع كولون، أحد أهم الطرق الرئيسية في المدينة، ومنطقة كوزواي باي، إحدى المناطق الرئيسية لتجارة التجزئة والأعمال الحرة.

على الرغم من الصور التي تُظهر شرطة مكافحة الشغب تلقي الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين نهاية الأسبوع الماضي في مشهد أصاب الناس بالدهشة حول العالم، في الواقع، كان هذا الوضع يجري التجهيز له منذ فترة طويلة جداً.

جذور الاحتجاجات وشرارة انطلاقها
كانت الشرارة التي أشعلت هذه الأحداث هي إعلان حكومة بكين لعدة شروط تنوي فيها عقد الاقتراع العام الذي طال انتظاره لانتخاب الرئيس التنفيذي لهونج كونج إلى عام 2017. كانت الشروط أكثر تقييداً من المتوقع، مع اثنين فقط أو ثلاثة من المرشحين تختارهم لجنة الترشيح المكونة بشكل ضيق من 1200 شخص، وجميعهم موالين لحكومة بكين. فمن الواضح أن أي مرشح سيقوم بانتقاد بكين سوف يُستبعد من أوراق الاقتراع. أكثر من نصف سكان هونج كونج يعتقدون أن هذه الخطة سيرفضها برلمان هونج كونج، حيث أن هذه الانتخابات لا تليق بالديمقراطية إلا في بلد مثل كوريا الشمالية.

ما أشعل غضب الناس أكثر هي المشاورات الهزلية التي تقوم بها الحكومة الإدارية الخاصة بمدينة هونج كونج مع الجماهير. صوّت 800 ألف شخص بأغلبية ساحقة وبشكل تنظيمي جيد في استفتاء عام نظمته حكومة هونج كونج. وعلى الرغم من كونه غير رسمي، تَبيّن من النتيجة أن المصوتين يريدون نوعاً ما من اختيار الجماهير للمرشحين. ومع ذلك، أخبرت حكومة هونج كونج بكين أن الرأي العام كان داعماً بقوة لشروطها بأن تكون هناك لجنة ترشيح وفرز للمرشحين، وذكرت حكومة بكين أن هذا هو الخيار الوحيد بموجب القانون الأساسي الذي يحكم العلاقات بين هونج كونج وبكين.

هذا ليس كل شيء، فقد ازدادت الاعتداءات على الصحفيين، بما فيها الاعتداءات الجسدية، ازداد التضييق الإعلامي من قبل الرقابة على وسائل الإعلام، ازداد تهديد الاستقلال القضائي، وهناك محاولات لفرض قوانين مكافحة التخريب وفرض تعليم ذات طابع قومي. انتشر الفساد الذي جعل معظم سكان هونج كونج قلقين على أن بكين لا تنتظر لخمسين عاماً بعد قيامها بتسليم هونج كونج لحكومة مستقلة كي تبدأ بتضييق الخناق على حرية التعبير وسيادة القانون. الحقيقة وراء كل هذا هي أن هونج كونج تُعتبر المجتمع الأكبر في عدم المساواة في العالم المتقدم، مدينة يعمل بها الملايين من الناس الذين يعيشون في ضيق لساعات طويلة مقابل أجور متدنية للغاية، وتكاليف السكن باهظة للغاية، ويوجد نظام للرعاية الاجتماعية غير كاف على الإطلاق، خاصةً بالنسبة لكبار السن، بينما توفر الحكومة فوائض ضخمة في الميزانية عاماً بعد عام.

يعتقد معظم الناس، وهم على حق، بأن هونج كونج تُدار عن طريق مصالح الأقلية الغنية التي نقلت ممتلكاتها الخاصة من بكين إلى هونج كونج، الذين يهتمون فقط بالمحافظة على ثرواتهم وتضخيمها، ويستمدون أرباحهم من السوق الصينية ومن المصانع التي تستغِل العمال في جميع أنحاء آسيا. نفس هذه الأقلية هي التي تخاطب الناس عن الوطنية وتقدم المشورة لهم بالصمت وتقبل ما تقوم به بكين. فليس من الغريب أن نرى الناس غاضبين.

كانت هناك الكثير من الاحتجاجات الجماهيرية خلال السنوات القليلة الماضية أيضاً، لذلك فإن خروج الجماهير في شوارع هونج كونج ليس بالشيء الجديد. نجح ضغط الجماهير في إجبار الحكومة المحلية على التراجع عن المادة 23 من قانون مكافحة التخريب في عام 2003، وعن نظام التعليم القومي في عام 2012، ونتيجة لذلك وُلدت حركة طلابية قوية كان لها دوراً بارزاً جداً خلال الاحتجاجات الأخيرة. هذه معركة أشد من ذلك بكثير. على الرغم من أن بكين كانت وراء جميع الإجرائات السابقة، كانت حكومة هونج كونج لا زالت ظاهرياً تتخذ القرارات. هذه المرة، وقد ذكرت حكومة بكين، سوف يُبذل جهداً هائلاً لحمل الجماهير على التراجع. يمكن للإضرابات الجماهيرية أن تُنجح هذا الحراك، ولكن النقابات ضعيفة ومنقسمة، مع وجود أكبر اتحاد نقابي (اتحاد هونج كونج لنقابات العمال) موالي لبكين. ومع ذلك، دعت نقابة المعلمين المهنية، والتي تنتمي إلى اتحاد نقابات عمال هونج كونج الديمقراطي، إلى إضراب عام احتجاجاً على ممارسات الشرطة. وصوت عمال مصنع كوكا كولا في مدينة شا تين، واحدة من المدن الرئيسية في الأقاليم الجديدة، لتنظيم إضراب بعد عقد اجتماع طارئ صباح يوم الاثنين الماضي.

التكتيك
قيادة حركة الاحتلال في الشوارع، للأسف، لديها حسن نية ولكن ليس لديها الكفاءة من الناحية التكتيكية، فهي تتكون من مجموعة من أساتذة القانون ورجال الدين وما شابه، نجح هؤلاء في خلق انقسامات داخل الحركة الطلابية، ففي حين أنهم يبدون أكثر تعنتاً، إلا أنهم عديمي الخبرة تماماً. هناك احتمال قوي بأن قيادة حركة الاحتلال في الشوارع، وبعد تصورات لطيفة بأنها تعمل على تنظيم عصيان مدني، ستجد نفسها تخوض معارك في الشوارع بدلاً من ذلك، وسوف ترغب في التراجع، في خطوة سيتم تبريرها باعتبارها عملية إعادة تجميع.

عودة للحديث عن المشاركين في الاحتجاجات وحول التقدم إلى الأمام؛ يبدو أن هناك غضب جماهيري، ولكن هناك أيضاً درجة من القدرية – “لا يمكننا تغيير عقل بكين، ولكننا سنحافظ على الحركة الاحتجاجية على أي حال، لأن علينا أن نحافظ على الحريات التي لدينا بالفعل”. إنها حركة جماهيرية لا يمكن إنكارها. عندما حضرت طبيبة بيطرية تبلغ من العمر 23 عاماً، وتُدعى كريستال، ليلة ميلاد الحركة، ورأت الطلاب وهم يُضربون بالغاز المسيل للدموع، وكانت هناك أيضاً امرأة تبلغ من العمر 91 عاماً تشارك في هذه الليلة، لابد أن تعلم أننا بصدد حركة جماهيرية.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 29 سبتمبر 2014، بموقع الاشتراكية الثورية في القرن الحادي والعشرين