بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا يحدث في هونج كونج؟

“بلد واحد ونظامان مختلفان”، هذا هو المبدأ الدستوري الذي أقره زعيم الحزب الشيوعي الصيني في ثمانينات القرن الماضي لإعادة توحيد الصين، وينص هذا المبدأ على احتفاظ 3 مناطق صينية، منها هونج كونج، بأنظمتها الاقتصادية الرأسمالية ومساحة واسعة من الحكم الذاتي مع احتفاظ باقي الصين بنظامها السياسي والاقتصادي المتمثل في أفكار الحزب الأوحد بالصين (الحزب الشيوعي الصيني).

تعود الجذور التاريخية لهذا المبدأ الدستوري الذي يضع هونج كونج تحت الوصاية الصينية إلى عام 1898 حيث عقد الإيجار بين مملكة تشينغ (آخر ممالك الصين) والمملكة المتحدة، بموجب هذا العقد تتنازل المملكة الصينية لبريطانيا عن هونج كونج وبعض المناطق الأخرى لمدة 99 عاما، وباقتراب انتهاء عقد الإيجار في 1997 تمت المفاوضات بين الجمهورية الصينية والمملكة المتحدة لتنتهي بمبدأ “صين واحدة ونظامان مختلفان”.

وفي أغسطس الماضي، قررت الحكومة الصينية المركزية إجراء انتخابات ينتخب فيها أبناء هونج كونج الرئيس التنفيذي لبلدهم في 2017 على أن تُشكل لجنة صينية لتدقيق هويات المرشحين قبل السماح لهم بالترشح، بحيث يكون من غير المسموح لأي مواطن في هونج كونج الترشح إلا بموافقة أغلبية لجنة التدقيق الصينية، وقد أثار ذلك القرار استياء العديد من المواطنين حيث اعتبروا أن عمل هذه اللجنة يتلخص في ضمان ولاء رئيس هونج كونج القادم للحزب الحاكم في الصيني مما يعد خللا بالعملية الديمقراطية.

على خلفية هذا القرار تولدت الاحتجاجات ودعت حركة “احتلوا وسط المدينة بالحب والسلام” إلى مظاهرات رافضة لقرار الحكومة الصينية، انضم لها اتحاد طلاب هونج كونج، وعلى مدار الأسبوع الماضي استطاع آلاف من الجماهير شل الحركة التجارية في معظم أجزاء هونج كونج وأصدرت حركة “احتلوا وسط المدينة” بيانا طالبت فيه الرئيس التنفيذي لهونج كونج بتقديم تقرير للحكومة الصينية المركزية يوضح فيه بدقة مطالب مواطني هونج كونج بشأن العملية الديمقراطية وختمت الحركة بيانها “إذا لم يتجاوب ليونج – الرئيس التنفيذي – سنصعد أنشطتنا”.

وأمام هذه الحشود التي أغلقت عدد من الأحياء التجارية قامت بعض البنوك بوقف أعمالها المصرفية ووقف ماكينات الصرف الآلي، وطلبت بعض الشركات من موظفيها مزاولة العمل من خلال المنازل أو من خلال فروع أخرى غير فروع وسط البلد. أمام هذا التوتر في النشاط التجاري لهونج كونج، أكثر الاقتصادات تحررا وفقا لمؤسسة هيرتيج الأمريكية، استخدمت الشرطة العنف لتفريق المتظاهرين باستخدام القنابل المسيلة للدموع ورذاذ الفلفل الذي احتمى منه المتظاهرون باستخدام المظلات فيما عرف إعلاميا باسم ثورة المظلات. أسفرت الاشتباكات مع الشرطة عن سقوط العشرات من المصابين واعتقال أكثر من 60 ناشطا سياسيا، هذا بخلاف العنف المستخدم ضد المتظاهرين والمتظاهرات أثناء عملية إخلاء خيام المعتصمين أمام المقرات الحكومية.

أمام عنف الشرطة طالب المتظاهرون بتنحي الرئيس التنفيذي لهونج كونج لأنه لم يِفِ بوعوده ورفض اتحاد الطلاب دعوة الحكومة المحلية للحوار، وأدانت حركة “احتلوا وسط المدينة” استخدام الشرطة للعنف وحملت الحكومة مسئولية الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين.

على جانب آخر يراقب المواطنون بتايوان ما يجري فى هونج كونج باهتمام حيث يشمل اتفاق “بلد واحد ونظامان مختلفان”، جزيرة تايوان إلى جانب هونج كونج وماكاو، وتضامن عدد من المواطنين بتايوان مع المحتجين في هونج كونج في تظاهرة أمام مكتب الاتصال الرئيسي لهونج كونج رافعين لافتات حمل بعضها شعار “اليوم هونج كونج، وغدا تايوان” في تعبير عن مخاوف الشعب التايواني من بسط الصين لنفوذها على تايوان في محاولة مماثلة لما يتم الآن في هونج كونج.

وفي اليومين الأخيرين تطالعنا الصحف بتراجع في أعداد المتظاهرين والسماح للموظفين الحكوميين بمتابعة أعمالهم في ظل تصريحات بعض أعضاء حركة “احتلوا وسط المدينة” بأن الانسحاب مؤقت وتكتيكي، فهل سيتبع هذا التكتيك تكتيكات أخرى أكثر فعالية وخطط للتصعيد؟ هذا ما لم تتضح الرؤية بخصوصه، أما ما اتضح تمام الوضوح فهو هذا السعي من القوى الرأسمالية الكبرى، ولو رفعت شعارات أخرى، لبسط نفوذها وإحكام قبضتها على كل ما يمكن من الدول والأقاليم الأصغر تدعيما لقوتها الاقتصادية.

كما أن ما نشهده في مطالب المتظاهرين بهونج كونج والناخبين المصوتين لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا وغيرها من نداءات التغيير في أماكن أخرى بالعالم، إنما تعكس عدم ثقة المواطن في الأنظمة الحاكمة وتعكس وعيا متناميا بأن هذه الأنظمة لا تقدم للجماهير سوى ما يحافظ على بقائها كقوة عمل توجهها كيفما شاءت. الأهم من ذلك كله، هو أنه لا سبيل لتحقيق أي مكاسب إلا من خلال نضالات نظرية وعملية منظمة تتحدى فيها الجماهير إرادة أنظمتها الحاكمة.