بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اذكروا محاسن موتاكم!

حداد 7 أيام.. تنكيس أعلام.. بث تليفزيوني مباشر.. تمتمات بالرحمة تتوزع يمينا ويسارا.. ملابس سوداء وحروف لا تنتهي في صناعة بطولات تضخمت أحجامها عبر الأثير.. وحديث يتواصل: “فقدنا حكيم العرب”!

“حكيم العرب”، كما ادعت وسائل الإعلام، هو الملك عبد الله بن عبد العزيز، العاهل السعودي السابق، و”سوف يسجل التاريخ ما حققه الفقيد في الدفاع عن قضايا العروبة والإسلام بشرف وصدق وإخلاص، متحليا بالحق والعدل والنخوة” وفقا لما أورده بيان رئاسة الجمهورية أمس قبيل إعلان الحداد، ليقاطع المبالغون استنكارنا، على الجانب الآخر، “اذكروا محاسن موتاكم”.

إن كانت “محاسن موتانا” هو دعم “استقرار” النظام الحاكم في مصر وضخ الملايين، من أمواله الخيرية، لاستيعاب ثورة شعبية ضد الديكتاتور مبارك ثم دعم نظام السفاح السيسي بقمعه وسجونه ودباباته، فنحن بالفعل وعلى أعتاب الذكرى الرابعة للثورة سنذكر “محاسن” موتانا!

سنذكر أن دعوات السعودية لانضمام ممالك الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي عام 2011، لم تكن لـ”ترميم البيت العربي” على يد حكيمهم كما كانت الادعاءات، لكن لضمان التدخل العسكري في تلك البلاد حال اندلاع انتفاضات أوسع على غرار ما حدث في البحرين أو اتساع مطلب “الملكية الدستورية” الذي استشرى شرق السعودية. إنه الرعب بعينه الذي أصاب العائلة المالكة حيال ثورات الربيع العربي.

سنذكر أن المليارات التي تلقاها نظام البشير السوداني من السعودية كانت كفيلة لدعم نظام دموي وقمع انتفاضتين خلال عام، واعتقال وتعذيب مئات المتظاهرين تحت مسمى الإصلاحات المدعومة من قلب الثورة المضادة بالمنطقة، واليوم يتم اعتقال، ليس فقط مَن تسول له نفسه بالتظاهر، لكن مَن يجرؤ بالدفاع عنهم أمام القضاء السوداني الفاسد.

سنذكر أن التآمر بقمع الانتفاضة البحرينية تم بعد عدة أيام من اندلاعها بتدخل مباشر من قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية وباستخدام أسلحة محرمة دوليا، ويدفع ثمنه المعتقلون والمعتقلات الآن غاليا من أرواحهم وأعمارهم، وأن أحكام الإعدام بحق قيادات المعارضة تتم في هدوء تام دون أن تزعج صخب رحيل “جلالته” وتنصيب الملك الجديد.

سنذكر أن المملكة السعودية التي تُحرِّم على المرأة كشف وجهها، هي التي تشرف برجالها على حفلات تعذيب المعتقلات في البحرين وتهدد باغتصابهن، وقوات أمنها هي التي قادت عمليات إبادة جماعية، أواخر الشهر الماضي، بالطيران والمدفعية والاعتقالات العشوائية لساكني منطقة العوامية شرق البلاد لأنهم تجرأوا وطالبوا بالحد من صلاحياته وعائلته المالكة التي تتوغل في أدق مفاصل الدولة.

سنذكر أن المليارات الطائلة التي أنفقها خادم الحرمين على ضيافة الحجاج هي قيمة لا تُذكر أمام مليارات مضاعفة لدعم نظام بن صالح اليمني، وصفقات سلاح بمبالغ طائلة على مر سنوات لقتال الحوثيين وإقصاءهم من الحياة السياسية، واليوم يجني الشعب اليمني الذي ثار ضد الفقر والجهل والبطالة حصاد التآمر السعودي – اليمني وانتهازية المملكة في فرض أمن وهدوء على حدودها الجنوبية ومعاركها الشمالية.

سيذكرون “محاسن موتانا” في أمريكا عندما يجدون خريطة تحالفات جديدة بالمنطقة تمت تحت قيادة العاهل، وجمعت فرقاء المنطقة على حماية المصالح الأمريكية الأكبر في تدمير الجبهة الداخلية السورية وتحييد الصراع بتمويل الجماعات المتطرفة حتى تشريد آخر مواطن سوري وتدمير آخر مسكن له.

سيذكرون “محاسن موتانا” في إسرائيل عندما يجدون أن سياسات محور الاعتدال (السعودية ومصر والأردن) وفرت كلاب حراسة تقصف عن قرب المقاومة الفلسطينية، ويخرج علينا الرئيس الإسرائيلي ناعيا إياه أن: “السعودية لعبت دورا حاسما في إنهاء الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط”، وتورطت في مقتل مئات الفلسطينيين مؤخرا بخطاب مهادنة يساوي بين الضحية والجلاد.

لكننا سنذكر أيضا أيها المطالبون أنه لا يحيط المجرم بقداسة سوى مجرم آخر يستبيح الدماء والأعراض في سجون مصر، وأن المعركة إن كانت بين ملوك وأمراء وقصور وبين شعوب كادحة تعاني البطالة والجوع، ففضح جرائم مَن يرحل منهم ليس فقط أولى مهامنا، بل رحيلهم جميعا من السلطة على مشانق الثورات الشعبية دون قبور وشواهد ونحيب هي غاية لن نحيد عنها.

نعم “اذكروا محاسن موتاكم”.. من الشهداء وقديسي الحرية ووجوه لن تُمحى تحت سيور الظلم والنسيان.

اذكروا صرخة معتقل بأنين الوجع تحت سياط الجلادين في السعودية، وسُمعت أصداؤها من أقبية البحرين، واختفت أنفاسها تحت الأرض في سوريا.

اذكروا أن الظالم والمظلوم كلاهما لا يتساويان حتى عند الموت، وأن الموت يفقد الرحمة حين يفاجئهم فوق أسرّة مذهبة ناعمة وجنازات عسكرية فخيمة، لكنه يداعب بسخافة ملايين الفقراء واللاجئين كل يوم مئات وآلاف المرات تحت حاجة العوز والحرمان.. كيف يشفع الموت لدى البعض عند فقدان هؤلاء المجرمين؟

اذكروا جرائمهم.. وسنطاردهم فوق الأرض وتحتها.

اذكروا.. فقط اذكروا، فإن الذكرى تنفع الثوريين.