بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

سوريا: “الحل السياسي”.. ومصالح الشعب

تقرع وسائل الإعلام أجراسها عن اجتماعات للمعارضة في القاهرة وأخرى في إسطنبول، وثالثة في موسكو، وتخرج تصريحات متناقضة ومبهمة عنها وعن مشاركتها باللقاء “الحواري” الذي تزمع الحكومة الروسية عقده في نهاية الشهر الأول من هذا العام. لقاء يضم وفدا من النظام الحاكم وشخصيات “معارضة”، ومن بين الأخيرة شخصيات معروف ولائها للنظام أو انبطاحها المديد له.

يحوز هذا المؤتمر على رضا الولايات المتحدة، وفق تصريحات وزير خارجيتها. في حين أن النظام أعلن بوضوح موافقته ومشاركته في هذا الاجتماع. إن مجرد الإعلان عن موعد عقده وتوجيه الدعوات «الشخصية» للمعارضين أدى إلى ارتباك هذه الأوساط المعارضة التي لم تقدم للثورة شيئا سوى التشويش وخيبات عديدة، والعديد منها رهين لحكومات ودول إقليمية لا يعنيها مصالح الشعب السوري الذي ثار على نظام الطغمة، ولم تملك هذه المعارضة المرتهنة والفاسدة منذ تأسيسها زمام نفسها لكي تحدد موقفا صريحا ومستقلا عن كل ما يجري ويُطرح من حلول سياسية للوضع السوري.

ما هو مؤكد أن أي «حل سياسي» في سوريا تطرحه القوى الدولية والإقليمية لم يعد، وهو بالأساس لم يكن، يسعى لإزالة النظام الحاكم أو رأسه، بل إشراك جزء من المعارضة في السلطة لكي تقوم جميعها، أي النظام والمعارضة، بمحاربة داعش والإرهاب.

هنالك إذن شبه توافق إقليمي ودولي على ذلك، وثمة «طبخة» لهكذا حل تقوم هذه القوى على إعدادها على نار هادئة. لا دور يُذكر في إظهار هذا الحل للقوى المعارضة المرتهنة التي ضجت آذاننا بخطابها الثورجي اللامسئول والطائفي في السنوات الماضية، سوى دور الكومبارس، والمأجور البائس الذي يرضخ لأوامر أسياده، والتي بعد أن تاجرت واستثمرت الحراك الثوري لمصالحها الخاصة ومصالح رعاها من الحكومات الإقليمية المعادية للثورة الشعبية، تعود اليوم مع خفوت الحراك الثوري وانحساره الكبير؛ لتنساق لمطالب نفس أسيادها وللحفاظ على مكاسبها الأنانية الخاصة، وتندرج في سياق الانخراط في حل «سياسي» يدمجها مع نفس النظام الذي كانت تدًعي عداءها له.

لكن، اللحظة الراهنة للثورة السورية وموازين القوى الراهنة هي التي تسمح بذلك، حيث أنه لم نشهد سقوط النظام بعد 4 سنوات من الثورة فحسب، بل تعززت قدراته وتقدم في العديد من المناطق، كما أن الخراب الاجتماعي الذي أدى إليه وحشية النظام من خلال تدمير بلدات ومدن وتهجير نصف سكان سوريا أصبحوا مشردين داخل البلاد وخارجه من خلال سياسة الأرض المحروقة التي مارسها، وكنا قد أشرنا إلى ذلك ومستتبعاتها في مقالات سابقة.

إذن، هذا الخراب الاجتماعي أدى من جهة أخرى إلى إضعاف الحراك الشعبي وإنهاكه، وفتح المجال لتوسع القوى الرجعية والفاشية، مثل داعش والنصرة وأحرار الشام، وهي التي حازت على دعم إقليمي رجعي هائل. هذه القوى الرجعية المعادية للثورة استطاعت فرض هيمنتها على أغلب المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، على حساب الجيش الحر والفصائل المقاتلة للمقاومة الشعبية. في حين أن النظام أخمد إلى حد كبير أي حراك شعبي مناهض له في مناطق سيطرته. يُضاف إلى ذلك سياسة الإفقار والتجويع التي أنهكت غالبية الشعب السوري أينما كان.

إذن، يأتي ما يسمى بـ “الحل السياسي” الذي يعيد إنتاج النظام على أرضية خفوت وتراجع الثورة الشعبية الكبيرة، رغم بقاء بؤر ثورية عديدة ما تزال حية للحراك الشعبي هنا وهناك، هذا التراجع والخفوت للحراك الثوري في اللحظة الراهنة من الثورة يقارب الهزيمة.

انطلاقا من ذلك، يبدو لنا أن مَن يتوهم بإمكانية خروج حل يتوافق مع مطالب الشعب السوري في ثورته ومع مصالحه عبر هذه الاجتماعات واللقاءات بين «المعارضة» والنظام، بدءا من جنيف ومرورا بالقاهرة وموسكو، إنما يعمل على إعادة إنتاج نفس النظام بنفس السياسات. لذلك ليس مفيدا، بل سيكون خطأ سياسيا قاتلا للقوى الثورية، التورط في هذه الآلاعيب السياسية التي استنقعت المعارضة البرجوازية فيها وتديرها القوى الدولية والإقليمية، تلك التي تدعم النظام أو تلك التي ادعت صداقتها للشعب السوري، التي ثبُت بالتجربة المريرة إنها، جميعها، معادية لانتصار ثورة شعبنا بوصفها ثورة شعبية وطنية كان سيشكل انتصارها نموذجا ومثالا ملهما لشعوب هذه الحكومات نفسها، وسعت كلها، رغم تنافسها وتناقض مصالحها أحيانا، على حرفها أو إجهاضها بكافة الوسائل.

إن ما يجب التركيز عليه في هذه الظروف هو رفع المعاناة عن غالبية جماهير شعبنا لكي تستطيع أن تلتقط أنفاسها وتستعيد قدراتها على متابعة كفاحها من أجل تحررها، وفي المقدمة من ذلك عودة اللاجئين والمهجرين السريعة إلى ديارهم، ورفع الحصار والتجويع عن المناطق الثائرة، ووقف القصف والدمار عن البلدات والمدن وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات. وفي الوقت عينه، فإن العمل والدعوة إلى أقصى ما يمكن من المكتسبات الديمقراطية، بمعنى الضغط من أجل بناء سوريا ديمقراطية تعددية وعلمانية، يكون مدخلها، كما دعا إليه تيار اليسار الثوري في برنامجه الانتقالي الصادر في أكتوبر 2011، الدعوة إلى جمعية تأسيسية تقوم على الاقتراع السري الحر والمباشر وعلى أساس النسبية، وسوريا كدائرة واحدة.

ومن أجل ذلك، ولأن كائنا ما سيكون عليه «الحل السياسي» إن كان بالتحاق المعارضة البورجوازية بالنظام أم بتغيير فوقي فيه أو غير ذلك من الاحتمالات الممكنة، فإن الأسباب العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما الأخيرتين، التي كانت وتبقى الدوافع الأساسية للثورات الجارية في السنوات الأربع في منطقتنا. ستبقى على جدول أعمال كفاح الجماهير الشعبية، لإن ما يجري في منطقتنا سيرورة ثورية لن نرى نهاية مآلاتها إلا من خلال الاستجابة وتحقيق هذه الدوافع الاقتصادية والاجتماعية، بما يعني أن ثمة موجات ثورية أخرى قادمة قريبا.

علينا أن نعمل للاستعداد لها، مستفيدين من تجاربنا، وبإخفاقاتنا وهزائمنا، كذلك بانتصاراتنا مهما صغرت، وبالعمل على تنظيم قدراتنا من الآن من أجل انتصارها لصالح الغالبية العظمى من المواطنين والمواطنات، أي لصالح الطبقات الشعبية.