بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

متاريس جديدة تتشكل في اليونان

أعادت الاضطرابات ما بعد الاستفتاء تشكيل الموقف السياسي في اليونان.

من جهة خيانة الـ 61% الذين صوتوا ضد مشروع اتفاق 26 يونيو والتي لم تسمح باستكمال زخم ما قبل الاستفتاء فقد تم إنهاء حالة التعبئة في صفوف الطبقة العاملة مرة أخرى.

ومن جهة أخرى فإن تسيبراس المحاصر يواجه تمرداً داخل سيريزا وتحديداً الموقف الذى أسماه تجنب الاستفتاء. بدأ التمرد الأسبوع الماضي عندما قامت اثنتين من النائبات لوانا جايتانى وإلينا بسايرا من الشبكة الحمراء – Red Network في الجناح اليساري من سيريزا بالتصويت ضد منح رئيس الوزراء السلطة لوساطة الاستسلام للدائنين.

وأكثر من نصف دستة امتنعوا عن التصويت، من ضمنهم رئيسة البرلمان زوي كونستنابولو. وبالامتناع عن التصويت فإنهم وضعوا التحدي ومن هناك اشتدت المعارضة بين أعضاء البرلمان في الجناح اليساري.

عند ذكر تصويت ليلة الأربعاء الحاسم فإن السؤال لم يكن ما إذا كان أكثر من 25 عضو من الجناح اليساري في البرلمان سيصوتون ضد المذكرة ولكن كم سيفقد تسيبراس من أغلبية البرلمان. يانس فاروفاكيس هو من ضم أعضاء الجناح اليساري وهو من اسنتكر الاتفاقية واعتبرها مثيلة لمعاهدة فيرساي، وكونستانتبولو بخطابها الحاد الذي اهتز له قلب الحزب وسُمع في البيوت بطول البلاد. فاروفاكيس وكونستانتبولو هم أكثر أعضاء البرلمان شهرة إلى جانب تسيبراس، ومشهورون بمجهوداتهم الشخصية.

جايتاني، عضو المجموعة الثورية “اليسار العمالى الأممي” تحدث إلى جريدة الراية الحمراء في التجمع في ميدان سينتاجما قبل التصويت يوم الأربعاء وصرح “أن “لا” من اليسار تعنى أن هناك يسار بالفعل وتعني أنه سيكون هناك يسار غداً يرفض مذكرة التقشف”، “وأن هناك العديد من الأشخاص في الجبهة اليسارية لم يتوانوا عن التماسك على موقفهم، هؤلاء يعطون الأمل أنه ما زال هناك دور مؤثر وقوي لليسار ضد دعم التقشف. إننا نحتاج لحشد كل القوى الممكنة حول موقف سياسي بديل حتى نستطيع خوض المعركة ضد التقشف في اليونان”.

نُشر بيان المعارضة، الذي وقع عليه 109 عضو من إجمالي 201 من أعضاء اللجنة المركزية لسيريزا، قبل ساعات من تصويت البرلمان وهو يوضح مدى عمق المعارضة في كل مستويات الحزب.

“إن الاتفاقية مع المؤسسات الدائنة هي نتاج ابتزاز الدولة بخنقها اقتصادياً هي إذاً مذكرة جديدة بشروط رقابية مرهقة ومذلة وكارثية للبلاد ولشعبنا.

نحن ندرك الضغط الخانق على الجانب اليوناني ولكن بالرغم من ذلك نؤمن أن التصويت الشعبي بلا بفخر في الاستفتاء يجب أن يمنع الحكومة من الاستسلام لإنذارات الدائنين الابتزازية.

إن هذه الاتفاقية لا تتماشى مع أفكار ومبادئ اليسار، والأهم أنها لا تتوافق مع احتياجات الطبقة العاملة والجموع الشعبية، إن أعضاء وكوادر حزب سيريزا لا يمكنهم القبول بهذا الاقتراح”.

تصريحات مشابهة مررت بإجماع أو بأغلبية لجان تنسيق الأحياء والتي عقدت لتسجيل اعتراضات الأعضاء على المذكرة. بلغ التمرد قوته في هذه المستويات من الحزب.

في البرلمان قام تسيبراس بإعلان أخير للاتفاقية حيث اعترف بأن مزيد من التقشف سيكون مسبباً للركود، وأعلنت كونستانتوبولو أن ذلك سيسبب إبادة اجتماعية جماعية.

ناشد تسيبراس أعضاء سيريزا ألا يسمحوا للدائنين واليمين السياسي بإسقاط الحكومة، هذا الطرح هو ضغط حقيقي على أعضاء البرلمان الذين لا يريدون رؤية اليمين يصعد مجدداً ومع ذلك يبدو هذا المنطق الآن معيباً. كما ذكر في تصريح الشبكة الحمراء: “إن هذه المذكرة الجديدة بطريقة خاصة وعملية أطاحت بحكومة سيريزا بطريقة مبرمجة ولكن سياسية، حيث أنها تحول سيريزا إلى حكومة تقشف ذات تكوين مؤيدة للتقشف متزايد الحجم.

في الجدال البرلماني القائم لم يسلم تسيبراس حتى من القوى المؤيدة لسياسات التقشف. فإن قائد حزب الديموقراطية الجديدة إيفانجيلوس ميماركس تسائل ببلاغة وحنكة: لماذا قام سيريزا بمهاجمة حزبه لمدة طويلة لتفيذه مذكرات سابقة بينما يطلب تسيبراس الآن من البرلمان دعم الصفقة الأسوء على الإطلاق. لم يشك أحد في أن الإتفاقية ستمر. على الصعيد السياسي، ولكن الاعتماد على النيوليبرالية ممثلة في حزب الديموقراطية الجديدة وباسوك للتصويت لهو مدمر لتسيبراس.

اهتزت المنظومة السياسية لحقيقة أن سيريزا ليس من النوع الإصلاحي الذي اعتدنا عليه. تناصر الاشتراكية الديمقراطية اليوم السياسات النيوليبرالية وبالكاد تتذمر بمعارضة أياً من أجزائها. على النقيض، فحزب سيريزا متجذر في الصراعات ضد التقشف ولهم سِجلّ مع الجماهير من التمسك بمبادئهم.
مثال على ذلك نائبة وزير المالية ناديا فالافاني، والتي سجنت من قبل النظام العسكري الذي حكم اليونان من 1967 إلى 1974 وقضت 5 أشهر في الحبس الإنفرادي لنشطاتها في منظمة الشباب الشيوعي. صوتت ناديا بـ”لا” ضد خيانة تسيبراس واستقالت من منصبها.

من غير المرجح أن تثق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل بأن الحزب سينفذ الاتفاق حتى يتم تطهيره من الجناح اليساري، ولكن سيريزا لا يمتلك جهازا لها تاريخ موثق من تأديب اليسار وتضييق الخناق على المعارضة، القطاع اليميني المتشدد موجود ونادى بطرد اليسار ويكاد يكون متاكداً من حدوث تعديل وزاري قريباً للإطاحة بالجناح اليساري المنشق ومع ذلك فإن من غير الواضح في هذه المرحلة إلى أي مدى سيذهب تسيبراس بدون إشعال المعارضة أكثر.
استراتيجيات: نهايات مسدودة وطرق جديدة.

ينبع فشل سيريزا من استراتيجية التفاوض المعيوبة التي يتبعها، من التصديق بأن قادة منطقة اليورو يمكن إقناعهم بالمنطق، وعدم الرغبة في حشد قوة الطبقة، وتوهمات اليسار في المشروع الأوروبي.

هذا هو فشل السياسات الإصلاحية والذي سيطر على الحزب من بداياته ولكن يجب التمييز بينه وبين الاشتراكية الديمقراطية القديمة من أجل فهم مقياس المعارضة التي تختمر في الفترة الحالية.

الأفراد الثوريون في سيريزا لم يفاجئوا بما حدث. فلقد تابعوا لسنوات الجدال القائم حول وضع الحزب المناسب لمحاربة التقشف. وكمثال عارضت الشبكة الحمراء التحالف مع قوميي اليمين، اليونانيون المستقلون الذين صوتوا لصالح لاتفاقية الأخيرة.

لقد كان حفاظ الثوار على خط ثابت وتمسكهم بسياساتهم ومبادئهم وعدم الإنصياع لتخفيف ومواقفهم لتناسب الوضع أمراً هاماً جداً، أو أن ينشغلوا بتشجيع تسيبراس والاحتفاء به عندما اكتسب الحزب السلطة وتولى منصبه.

آلاف من نشطاء الحزب الذين دعموا سابقاً استراتيجية تسيبراس يشتبكون الآن مع أسباب الفشل، إنهم يريدون مقاومة قيادة الحزب. الكثير من الناس الآن منفتحون للجدالات حول “وماذا بعد؟”.

تعهدت الشبكة الحمراء بالعراك لإنقاذ روح الحزب. بينما يلتحم قطاع من المنبر اليساري مع المعارضة ويستخلصون الدروس خلال هذه العملية. يمكن لذلك أن يكون أساسيا لتجميع وتوحيد كل من سيحارب ويعارض تطبيق الإجراءات الجديدة سواء من داخل أو خارج سيريزا.
الاتحاد العام لنقابات القطاع العام دعا لإضراب يوم الأربعاء ليتزامن مع التصويت. من غير الواضح إلى أي مدى نجح الإضراب أو تمت الاستجابة له ولكن النشطاء الذين تحدثت معهم في اتحاد المعلمين واتحاد عمال البلدية وتبعاً لتقديرهم كانت المشاركة في الإضراب ضعيفة نسبياً. وهذا لم يكن بالأمر المفاجئ.

يمكن أن يكون هناك شعور بالإستسلام بين حشود العمال. تسيبراس قوض الثقة التي اكتسبتها الحشود من الانتصار في معركة الاستفتاء. وعلى الرغم من ذلك كان هناك مؤخراً إضرابات حول مشاكل معينة من ضمنها عمال ميناء بيراوس والذين أغلقوا الميناء في تظاهرة ضد خطط خصخصتها.

بينما تناظر أعضاء البرلمان حول المذكرة داخل المجلس، كانت قوات مكافحة الشغب – والموجودة بأعداد كبيرة – تطلق الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين خارج المجلس. طارد الضباط الناس لكيلومترات. كانوا ككلاب شرسة أُطلق سراحها لمدة قصيرة بعد أن كانت محبوسة لمدة طويلة جداً. اليسار الراديكالي المتواجد بأعداد كبيرة والذي يشكل قلب المظاهرة أخرج أقنعة الغاز والمناديل للعديد من المتظاهرين، لقد كان هذا مجرد روتين اعتادوا عليه في ظل الحكومات السابقة.

كانت هذه أول مرة تطلق حكومة اليسار الدولة عليهم. في كلٍ من داخل وخارج البرلمان، رُسمت خطوط جديدة.

غير أن مسار التاريخ لا يسير كعقارب الساعة. تحدي الطبقة العاملة في الاستفتاء والدروس المستفادة من هذه الهزيمة ستكون الأساس لإعادة تشكيل يسار قوي قادر على المواجهة والدخول في المعارك.

* المقال باللغة الإنجليزية منشور في 17 يوليو 2105 على موقع “الراية الحمراء” الأسترالي