سوريا: التدخل سينثر بذور المزيد من الفوضى

تشير هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على باريس والضواحي الشيعية في بيروت منذ أيام قليلة، إلى بدء فصلٍ جديدٍ من الحرب على الإرهاب.
انضمت الآن الطائرات الحربية الفرنسية إلى القوات الجوية لكل من الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران وعدد من الأسلحة الجوّية للعديد من الدول العربية في هجومها على سوريا. فبعد هجمات باريس، بدأت فرنسا هجماتها على مدينة الرقة شرق سوريا، والتي تحتلتها داعش منذ عام 2012. إلا إنّ العديد من الأهداف التي تضرب الآن في الرقة قد سبق قصفها بعنفٍ بالفعل من جانب القوات الجوية الأمريكية، وتقبع الآن مهجورة إلى حد بعيد.
ومع ذلك أفاد نشطاء من موقع الأحداث أن القصف الفرنسي أدى إلى قطع المياه والكهرباء عن السكان المحاصرين بالفعل. سيصنع هذا الهجوم الحربي الفرنسي فارقًا عسكريًّا طفيفًا على أرض الواقع، إذ قد سبق وتمكنت داعش من الصمود لشهور أمام الهجمات الأمريكية، بل واستمرت في الاستيلاء على مناطق أخرى في سوريا.
يهدف التدخل الفرنسي في المقام الأول إلى إدخال المزاج الشعبي الفرنسي في جو حربٍ، وإعداد الفرنسيين لتقبل المزيد من التدخلات العسكرية مستقبلا. ويحلو لدايفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا عن حزب المحافظين، وعدد من نواب حزب العمال المؤيدين للحرب، أن تحذو بريطانيا حذو فرنسا.
تكتظ السماء فوق سوريا الآن بطائرات حربية، معظمها يستهدف مجموعات متمردة شديدة العداء لداعش ولنظام الأسد على السواء.
ويوجد الآن بعض التنسيق بين قوى إمبريالية وحلفائها المتنوعين داخل سوريا، في محاولة لموازنة دعم القوى الخارجية للمجموعات المتنافسة التي تتعارض مصالحها على أرض سوريا.
في ظل هذه الظروف، لم يستطع إلا عدٌد قليلٌ جدا من المجموعات المتمردة الأساسية، التي شاركت في الانتفاضة ضد نظام الأسد منذ 2011، أن تحافظ على استقلاليتها.
بدلا من إنهاء الحرب، يأتي كل تدخل أجنبي بسيل جديد من الأسلحة الفتاكة. وبرغم مسارعة إيران وحزب الله إلى مساندة نظام الأسد إلى أن هذه المساندة لم تتعد تأمين المنطقة العازلة على طول الحدود مع لبنان. إلا أن هذا التدخل حفّز ممالك الخليج لأن تلقي بثقلها دعًما للمتمردين، وبالمقابل جرّت انتصارت المتمردين روسيا للصراع، والآن تتلقى المجموعات المتمردة أطنان من الصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات.
وأدّت هجمات باريس إلى نتيجةٍ ثانيةٍ، إذ فتحت بابًا لفلاديمير بوتين لكسر عزلة روسيا الدولية، بعد تدخله في الحرب الأهلية بأوكرانيا. يراهن بوتين أن الغرب (في نهاية المطاف) سيصطف خلف نظام بشار الأسد – الذي يحتقره بشدة – كالبديل الوحيد والمعقول لداعش.
يستخدم بوتين الآن كامل القوة الضاربة الروسية، شاملة الصواريخ الموجهة (كروز)، لدعم نظام الأسد. تسقط أغلب قنابل بوتين، رغم خطابه المعادي لداعش، على مناطق يسيطر عليها المتمردون مثل حلب ومدن أخرى نحو الشمال. وجاءت الموجة الأخيرة من القصف الروسي الشامل لتسحق ضواحي يسيطر عليها المتمردون بدمشق. هذه المدن والأحياء بعيدة تماما عن حدود داعش.
وتعكس هذه التدخلات الأجنبية الخطيرة توترات وتقلبات تزداد عمقًا بين الدول الرأسمالية الكبرى.
إن الشرق الأوسط اليوم يذكرنا بالمنافسات الإمبريالية الكبرى في القرن العشرين، حيث نثرت الفوضى الناتجة عن هذه المنافسات بذور الحرب والاستعمار والديكتاتورية لمدة قرن من الزمان.
ولقد ظهرت داعش من تحت أنقاض العراق، والآن تلقى سوريا نفس العقوبة من القوى الامبريالية.
إن التدخل الأجنبي لن يهزم داعش، فقط سيُسرع من تدمير سوريا، ويخلق دورة جديدة من المعاناة والفوضى.
إن صعود الثورات العربية من جديد، وهي الثورات المدفونة رأسها تحت بيادة الثورات المضادة، هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا المأزق.
*نُشر المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية في مجلة “الاشتراكي” الشهرية البريطانية – عدد نوفمبر 2015