لا مصلحة لنا مع أي طرف إمبريالي في سوريا

تدقّ طبول الحرب بصوت أعلى من أي وقت مضى في الشرق الأوسط. وذلك عقب تصويت مجلس العموم البريطاني بالموافقة على قصف سوريا، كما أقر البرلمان الألماني بإرسال قوات إلى المنطقة، وإن كانت هذه القوات لن تلعب دورًا قتاليًّا هناك. كما نُشرت المزيد من القوات الأمريكية الخاصة في العراق وسوريا.
إن مهمة الاشتراكيين ومناهضي الإمبريالية هي بناء أكبر وأوسع حركة مناهضة للحرب قدر الإمكان، ولكن هذه المهمة أصبحت تواجه صعوبات جديدة.
قامت كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بغزو العراق في عام 2003 قامت. ولكن هذه المرة ليست كسابقتها، فهناك حرب تدور بالفعل في سوريا، ولا يوجد أي تشابه بينها وبين الحرب الأهلية الإسبانية (في الثلاثينيات بين الجمهورين والملكيين) كما وصفها وزير الخارجية بحكومة الظل البريطانية “هيلاري بن” في مقارنة غير شريفة قام بها الأسبوع الماضي.
كان ذلك صراعًا مباشرًا واضحًا بين الفاشيين والرجعيين من جهة، والقوى التقدمية الليبرالية والاشتراكية من جهة أخرى. ورغم أن الستالينيين والاشتراكيين الديموقراطيين توحّدوا من أجل سحق الثوار. إلا أنه كان هناك صراعات أيديولوجية حقيقية بين قوى اليسار في حالة إسبانيا.
أمّا الحرب السورية فهي صراعٌ معقدٌ ومتعددُ الجوانب، تتنافر فيه جماعات مسلحة محلية تُعرف على نحو متزايد بأسس طائفية وعنصريّة. وهذه المجموعات تدعمها القوى الإقليمية والعالمية من الخارج من أجل مصالحها الخاصة.
أما الجناح العلماني الديمقراطي الذي كان شرارة اندلاع الثورة السورية في 2011 فقد فَقَدَ أي وجودٍ مؤثر.
نجد في هذا المشهد المعقّد تعاطفًا من جميع التيارات اليسارية الغربية مع أطراف مختلفة في الحرب السورية. فلم يُخفِ البرلماني البريطاني جورج جالواي، على سبيل المثال، أبدًا دعمه لبشار الأسد، و يرى أن النظام البعثي يمثل التيار التقدمي العلماني في سوريا. لم يكن هذا مهمًّا في عام 2003 أثناء حرب العراق، حيث إن النظام السوري لم يكن لاعبًا أساسيًا في الحرب آنذاك، ولكن الأمر أصبح هامًا الآن؛ لأنه سيؤدي إلى الدّفع من البعض بحُجج قد ينتج عنها انقسامات في الحركة المناهضة للحرب.
إنّ الكثير من قوى اليسار تتفق مع روسيا في إدعائها بأن لديها أدلة على أن تركيا تقوم باستيراد النفط من الحقول التي تسيطر عليها داعش في شرق سوريا. ويزعمون بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أهم الداعمين لداعش.
التضليل
إنّ هذه الإدعائات مضللة لسببين، أولًا، لا توجد أنباء مؤكدة بأن ذلك النفط يُصَدَّرُ عبر الحدود السورية التركية، إلا أن هناك العديد من الجهات الأخرى تقوم بأعمال التجارة مع داعش. لقد أجرت جريدة “فاينانشال تايمز” سلسلةً من التحقيقات تبين أن نظام الأسد يقوم بشراء النفط من داعش، مقابل بيع الأسلحة لها، كما يمدها نظام الأسد بالخبراء لتشغيل محطات توليد الكهرباء في المناطق التي تسيطر عليها داعش.
ثانيًا، إنه من المؤكد بأن حكومة أردوغان تقوم بتمويل ودعم مختلف الجماعات الجهادية السنية في سوريا، وتغض الطرف عن أنشطة داعش. ولكن ذلك التغاضي التركي عن داعش يرجع أساسًا إلى رغبة الحكومة التركية في تحجيم نفوذ حزب العمال الكردستاني، الذي يقوم بتعزيز سيطرته في المناطق الكردية داخل سوريا، والتي قد يستخدمها الحزب بعد ذلك لمؤازرة النضال الكردي داخل تركيا. فداعش هنا تلعب بالنسبة لأردوغان دورَ ثقلِ ميزان القوى في مواجهته مع حزب العمال الكردستاني.
يقيس هذا النوع من الحسابات الميكافيلية دوافع جميع الأطراف الخارجية المتدخلة في الحرب السورية. ويعزز دوافع أولئك الذين يريدون جعل أردوغان أصل كل الشرور من أجل كسب التعاطف مع التدخل الروسي في سوريا. ولكن تبقى حقيقة أن نية “فلاديمير بوتين” في قصف سوريا ليست هزيمة داعش، ولكن دعم الأسد، والذي ظل نظامه المجرم هو أقرب حليف لموسكو في المنطقة.
المغزى من كل ما أشرنا إليه هو أنه على الحركة المناهِضة للحرب عليها أن تبقى بعيدة عن جميع القوى التي لديها مشاريع جيو-سياسية في سوريا، وعن الحجج الزائفة التي تدعيها لتبرير مشاريعها.
إنّ مهمتنا هي التعبئة ضد الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالتواطئ مع حكومتنا البريطانية. هذا الموقف المناهض يمكن أن يُكسبنا دعم السوريين المعارضين لكل أنواع القصف من جانب أي قوى.
هذا لا يعني أن الذين يؤيدون روسيا، أو حتى الأسد، ليس لهم مكان داخل الحركة المناهضة للحرب. لقد استغل البعض الاخر من اليسار البريطاني تواجدهم في المسيرات المناهضة للحرب كسبب لعدم دعمهم لتحالف “أوقفوا الحرب”. وذلك خطأ فادح، ينبغي لنا أن نقبل بأن لدينا تحليلات مختلفة عن النضال السوري، ولكن يجب ألا يمنعنا ذلك من العمل سويًّا.
يقف حزب العمال الاشتراكي البريطاني بقوة مع الثورة السورية وأهدافها. ولكننا لن ننسى بأن العدو الرئيسي موجود بالداخل، هنا في بريطانيا، وسوف نتحد مع كل من يريد الحشد ضده.
* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 8 ديسمبر 2015، في جريدة “العامل الاشتراكي” البريطانية