بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

رغم كثرتها وتنوعها

لماذا لم تؤثر الاحتجاجات العمالية في المشهد العراقي؟

احتجاجات ضد الفساد في العراق
احتجاجات ضد الفساد في العراق

تشهد الساحة العراقية اليوم حراك جماهيري يعتبر امتداد لتظاهرات ساحة التحرير التي بدأت في 25 فبراير 2011 كجزء من موجة احتجاجات الربيع العربي.

خرجت الدعوات إلى الاحتجاج في 2011 نتيجه لتردي الأوضاع المعيشية والأمنية واستشراء الفساد في جميع الوزرات والهيئات الحكومية، بالإضافة إلى سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة. قمع نور المالكي المظاهرات ووجه للمحتجين عدة اتهامات من بينها وقوف داعش وبقايا البعثيين وراء احتجاجتهم، وظلت الحكومة صامدة أمام تلك الاحتجاجات لعلاقتها الوطيدة بالنظام الإيرانى والحليف الأمريكى وبتسويق نفسها على أن المالكي هو الوحيد القادرعلى التعامل مع الأزمة السياسية العراقية حتى سقوط الموصل على أيدِ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فلم تصمد خصوصا مع استمرار الاحتجاج ثم جاءت حكومة حيدر العبادي التي وعدت بالإصلاحات والقضاء على الفساد.

لكن شيء لم يتغير، لتنشط الاحتجاجات من جديد في المصانع والدوائر الحكومية والجامعات ضد نفس السياسات، لكن تعقد المشهد السياسي العراقي وتصاعد الخلاف السياسي داخل التحالف الشيعي – الشيعي، وهو التحالف المسيطر على الأغلبية العربية، يربك المشهد خصوصا مع انتهازية الإسلام السياسي وضعف الأحزاب المدنية، مما ساهم في إجهاض أي حراك جماهيري يطالب بالتغيير؛ فالمالكي الذي طالبت التظاهرات برحيله عن الجكومة، طل علينا من جديد داخل احتجاجات ساحات التحرير في 31 يوليو 2015 محاولا استغلالها لصالحه.

واليوم نرى نفس الانتهازية السياسية، لكن من التيار الصدري الذي يحاول استغلال موجة الاحتجاجات المستمرة، فأطلق مقتدى الصدر، زعيم التيار، دعوة للاعتصام في الساحة الخضراء تبدأ من يوم 17 مارس 2016 تحت 3 شعارات (القضاء على الفساد ومحاكمة المفسدين والمطالبة بحكومة تكنوقراط).

استمرت الاعتصامات 14 يوم طالب بعدها زعيم التيار الصدري من مؤيديه إخلاء الاعتصام أمام بوابات المنظقه الخضراء والإبقاء على تظاهرات أسبوعية بعد صلاة الجمعة لضمان استمرار الضغط على الحكومة لتنفيذ وعودها. وأخيرا، طالب بالانسحاب بعدما رضخ رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى مطالب الاعتصام وقام بتغيير الحكومة مع الإبقاء على وزيري الدفاع والداخلية بحجة حساسية الظرف الراهن.

في ظل تلك الأحداث يظل السؤال: لماذا لم تؤثر الاحتجاجات العمالية المستمرة والمتصاعدة في المشهد العراقي؟

عفوية الحركة الجماهيرية
تعبر الاحتجاجات العراقية عن عفوية الحركة الجماهيرية في الاحتجاج بسبب الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها العراقيون من غياب الخدمات الأساسية والأمن بالإضافة إلى سياسات التقشف التي اتبعتها حكومة المالكي.

فالطبقة العاملة التي تعرضت إلى سنوات من التجريف والإخضاع الأمني على يد النظام البعثي خصوصًا فترة حكم صدام حسين، تحول فيها العمال إلى موظفين طبقا لقانون 1 لسنة 1987 وتحكمت سيطرة الأمن على النقابات واختيار قياداتها واستمرالتضييق على الحركة العمالية إبان الاحتلال الأمريكى للعراق حيث أبقى النظام العراقي الجديد على كافة القوانين المكبلة للحركة العمالية بل تعدى الأمر إلى السيطرة على الاتحاد العام للنقابات بإصدار قرارات من شأنها إشراف الحكومة على انتخاباته وتأميم أمواله. أضف إلى ذلك الانحراف الستاليني للحزب الشيوعي العراقي الذي هلل للغزو الأمريكي وافتقاد الساحة العراقية لتنظيم جماهيري يقود حركتها. تلك العفوية تفتقد إلى قيادات سياسية مخلصة أو كوادر عمالية منظمة تحاول ربط الاحتجاجات المنتشرة جغرافيًا بعضها البعض ووضع برنامج سياسي موحد لها. لعل ذلك يرجع ذلك لضعف التنظيمات العمالية وغياب حزب ثوري يقود حركة الجماهير.

المشهد السياسي في العراق
بعد الغزو الأمريكي قام بول بريمر الحاكم العسكري للعراق آنذاك بحل الجيش العراقي وحظر حزب البعث لإسقاط نظام صدام حسين من جذوره وتدشين نظام سياسي جديد. حرص المحتل الأمريكي على بناء نظام طائفي يضمن له أحكام سيطرته والاستيلاء على ثروات العراق، فسمح بكتابة الدستور المؤقت ثم دستور 2005 الذي بُني على أساس نظام المحاصصة والذي يوزع المناصب الوزارية والوظائف العليا داخل الهيئات الحكومية بالإضافة إلى التمثيل البرلماني طبقا للانتماء الطائفي والقومي.

أتاح النظام الجديد الفرصة للأغلبية الشيعية بالنفاذ إلى الحكم وتمكينها من القبض على المناصب القوية داخل النظام الجديد، ومن ثم بدأ تيار الإسلام السياسي (الشيعي) من النفاذ إلى السلطة بدعم من المرجعيات الشيعية التي ساهمت في تمرير الدستور الطائفي.

الطائفيه ونفاذ شخصيات بعينها مدعومة من المحتل الأمريكي والفاعل الإقليمى الأقوى في العراق (إيران) ساعد على خلق مجموعات فساد في جسد الدولة العراقية في ظل غياب التنظيمات الجماهيرية وانشغال الجماهير بالصراع الطائفي وغياب الأمن خلال سنوات المقاومة.

مع إعلان أوباما خروج الجيش الأمريكي في 2011 (مع الإبقاء على بعض القوات)، وأيضًا مع تصاعد احتجاجات الربيع العربي بدأ الشارع العراقي يتحرك نحو تغيير واقعه؛ خصوصا في ظل فشل دولة ما بعد الاحتلال، لكن توسع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأراضىي العراقية ساهم في تقويض ذلك الحراك بحجة أن الحرب على الإرهاب، كما يروج لها أنصار النظام، هي الأولوية الأولى ويجب الكف عن تلك الاحتجاجات التي تضعف من النظام في حربه لكن المصاعب المعيشية اليومية التي تواجه المحتجين تدفعهم إلى الاستمرار حتى ولو بالحد الأدنى من المطالب.

نظرة على الاحتجاجات
تنشط الاحتجاجات نتيجه لخفض وتأخير الأجور، ويقود حركة الاحتجاج عمال الصناعة التابعين للقطاع العام في بغداد ومدن وسط وجنوب العراق، وتشمل قطاعات الصناعات الجلدية والنسيج التي تشمل الصناعات القطنية والصوفية والسجاد، كذلك صناعة الزيوت النباتية والبطاريات والصناعات الميكانيكية والصناعات الكهربائية والألومنيوم بالإضافة إلى إضرب العمال العرب في إقليم كردستان العراق بسبب تأخير رواتبهم، كذلك المدرسين والأطباء في أربيل، كبرى مدن الإقليم.

فيما أكدت حكومة الإقليم الكردية أن 75% من العاملين بالقطاع العام أضربوا عن العمل، بالإضافة إلى قيام مجموعة من قوات البشمركة والجمارك بقطع الطريق الرئيسي بين السليمانية وكركوك. ويعاني الإقليم من أزمه اقتصاديه خصوصا بعد تراجع أسعار النفط، وتستمر الإضرابات في القطاعات الحكومية التي تقود حركة الإضرابات في باقي العراق بسبب نفس الأزمة التي تتسبب في خفض وتأخر صرف الأجور.

إن عفوية الجماهير الغير منظمة تحتاج إلى نضال طويل لتخلق بداخلها تنظيماتها الجماهيرية القادرة على قيادتها من أجل بناء مجتمع عادل وحر. ربما لا ينبؤ الوضع الحالي بأي تغييرات جذرية على المدى القصير، لكن تراكم خبرات الحركة العمالية يعتبر الأساس النضالي الذي يمكن للجماهير البناء عليه.