بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

رغم حلوله في المركز الثالث

اليسار المناهض للرأسمالية في إسبانيا: الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية

بابلو إغليسياس القيادي والعضو المؤسس لحزب بوديموس - إسبانيا
بابلو إغليسياس القيادي والعضو المؤسس لحزب بوديموس - إسبانيا

“قلنا في الشوارع، وفي الساحات، أجل هذا ممكن، ونحن نقول اليوم، أجل نحن قادرون”. هكذا استهل بابلو إغليسياس، أستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، في يناير 2014، الإعلان عن أن “بوديموس”، الحزب اليساري الواسع المناهض للرأسمالية، في طور التحوّل إلى حزب ــ حركة، لتصبح “بوديموس” رسميًا حزبًا سياسيًا بالفعل بعد ذلك بأسابيع فقط في مارس 2014.

النشأة
شهدت الشهور الأخيرة صعودًا لليسار الإسباني المناهض للرأسمالية “بوديموس – نستطيع” الذي خرج من رحم الاحتجاجات الإسبانية 2011 – 2012 التي تزعمتها حركة الغاضبين المعروفة بحركة “الخامس عشر من مايو”، والمظاهرات العنيفة التي صاحبتها احتجاجات على السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، وهي مظاهرات استمدت قوتها الروحية من “ثورات الربيع العربي”، كما استفادت من الدروس التي أتاحتها تجربة أمريكا اللاتينية مع السياسات النيوليبرالية، معتمدة على شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني كبديل لتجاوز الحصار المفروض من قبل وسائل الإعلام التقليدية.

في يناير من عام 2014 تم الإعلان أن “بوديموس” في طور التحوّل إلى حزب سيقدّم لائحة مرشحين للانتخابات البرلمانية الأوروبية حيث جذبت الحركة شخصيات بارزة من مثقفين وصحفيين وأساتذة جامعيين بعد أن ظلت في أشهرها الأولى حركة شبابية خالصة.

الانتخابات
في أقل من عامين حقق الحزب انتصارات هامة منها حصوله على 8%، ما يعادل 5 مقاعد في الانتخابات الأوروبية التي جرت عام 2014، رغم أن عمره لم يتجاوز 5 أشهر.

وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في أواخر عام 2015 حصل حزب بوديموس على ما يقرب 20% من أصوات الناخبين، ما يعادل 69 مقعدًا، وحل في المركز الثالث ليتمكن بذلك من كسرِ الثنائية الحزبية (الشعبي اليميني والاشتراكي العمالي اليساري) المهيمنة على المشهد السياسي منذ مرحلة انتقال ما بعد حكم فرانكو البادئة منذ 1978 والقابعة تحت سطوة النيوليبرالية.

الانتخابات البرلمانية 2016
لم يحصل أحد الأحزاب على الأغلبية المطلقة في انتخابات ديسمبر الماضي، وعلى إثر هذا المأزق السياسي توجبت الدعوة إلى إعادة الانتخابات بعد 6 أشهر، في يونيو الماضي، لتتكرر الأزمة مرة أخرى، حيث فاز الحزب الشعبي المحافظ بأكثرية المقاعد، لكنه لم يتمكن من تحقيق أغلبية. والحزب الشعبي المحافظ هو الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المؤقت ماريانو راخوي.

أتى حزب العمال الاشتراكي الإسباني في المركز الثاني. أما المركز الثالث، جاء فيه بوديموس ليحافظ على نفس المركز الذي حصل عليه في انتخابات ديسمبر ليصرح بابلو إيغليسياس، أمين عام الحزب أن هذه النتائج لم تكن ضمن توقعاتهم، حيث “كنا ننتظر نتائج متقدمة، لكننا مع ذلك حافظنا على مركزنا مع الأخذ بعين الاعتبار أننا حزب صاعد وجديد على الساحة السياسية”.

الأسس الفكرية والنظرية
ينتمى بوديموس فكريًا لليسار الجديد المناهض للرأسمالية كالأحزاب اليسارية الجديدة في أمريكا اللاتينية التي وصلت إلى السلطة في دول مثل فنزويلا والبرازيل وبوليفيا والإكوادور.

وأسوة برفاقهم اليونانيين في “سيريزا”، يستمدّ قادة حزب “بوديموس” الإسبان الشبان مبادئهم الفكرية من أعمال “ما بعد الماركسية” ككتاب لاكالو وموفي “الهيمنة والاستراتيجية الاشتراكية” حيث رسم هذا العمل ملامح نسخة واسعة التأثير لما بعد الماركسية وجهت سهام نقدها للنموذج اليساري المحافظ (الأحزاب الشيوعية الستالينية) وطورت نموذجا لـ “الديمقراطية الجذرية” المرتكز على الحركات الاجتماعية الجديدة.

كذلك، يعتبر عمل وفكر المنظّر السياسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي يرى في الهيمنة أساساً للنضال السياسي، حيث حظى مفهوم “الهيمنة” مكانة مركزية في أفكار قادة بوديموس الذي يأتي الكثير منهم من خلفية أكاديمية. وهو فهم خاطئ لأفكار جرامشي حيث وضعوا مصطلح الهيمنة في مقابل مفاهيم الصراع الطبقي والثورة الاجتماعية، فكان رفضهم لتصنيف الحزب على أساس التصنيفات التقليدية (اليسار واليمين)، بأنهم القوم “الذين في الأسفل مقابل مَن هم في الأعلى” والذين يدعون إلى التغيير.

وهم يرون أنّه لا يمكن القيام بأي تجربة ديمقراطية من دون أجهزة الدولة، كما أن الحزب يَقترح في تقريره المذهبي إخضاع كل القرارات الهامة لاستفتاء شعبي حيث يعززون ويشددون دائمًا على الديمقراطية الشعبية والتشاركية التي تتجاوز الأطر التمثيلية.

تحديات المستقبل
بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، فرضت النيوليبرالية الأوروبية نفسها بقوة تاركة مساحة اعتراض هامشية للآخرين، لكن صعود اليسار الجديد المناهض للرأسمالية في أوروبا (سيريزا في اليونان – بوديموس في إسبانيا) يعطي أملًا عريضًا للشعوب الأوربية التي تعاني جراء الأزمة الرأسمالية الأوروبية التي هي جزء من أزمة النظام الرأسمالي العالمي كله والمتجه نحو ركود جديد. فالاتحاد الأوروبي يطالب بالفعل أي حكومة جديدة في إسبانيا بتخفيضات تتراوح قيمتها ما بين 10 و12 مليار يورو. فهل بإمكان حزب بوديموس عند صعودهم للسلطة، وهو التحدي الأكبر، أن يضيف الحزب الكثير من الزخم لتحقيق تحول جذري في العلاقات الاجتماعية ويقف في وجه الاتجاهات الرأسمالية للاتحاد الأوروبي؟