حلب تحت النار

تدور المعارك الآن على الأرض بين الفصائل الإسلامية، ممثلة بجيش الفتح وبعض الميلشيات الموالية لها من ناحية والنظام السوري مدعوم من الطيران الروسي من الناحية الأخرى. كان جيش الفتح الذي يضم جبهة النصرة وميلشيا أحرار الشام قد أعلن عن خوض معركة تحرير حلب بعد أن قام النظام السوري بتطويقها ومحاصرتها لعدة أشهر مترامنا مع إعلان جبهة النصرة عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وهو مايسمح لها بتلقي الدعم الغربي دون قيود.
في شرق مدينة حلب، وتحديدا مدينة منج، تخوض قوات سوريا الديمقراطية (المكونة من عرب وأكراد) معارك ضارية ضد قوات النظام وتنظيم الدولة على حد سواء، وهو ما يزيد من عدد النازحين جراء تلك المعارك، ويعتبر هدفها هو السيطرة على طريق الباب الراعي الاستراتيجي وبلدة قياسين بريف حلب الشمالي الشرقي.
تعتبر حلب المعركة المصيرية لكافة أطراف الحرب في سوريا، فهي المنفذ الوحيد لإمدادات الفصائل المسلحة، لذلك شهدت المعارك تطورا كبيرا خلال الشهور الماضية، وهو مايعكس رغبة بشار الأسد في حسم معركة حلب بكافة الوسائل.
منذ بداية شهر يونيو كثف النظام السوري القصف الجوي والصاروخي وإلقاء البراميل على حلب بشكل يومي واستهدف الفصائل المعارضة والمدنيين على حد سواء، وهو جزء من مخطط نظام الأسد في تهجير سكانها ليمكنه من اقتحامها والسيطرة عليها دون مقاومة.
في منتصف أبريل الماضي، خرجت تظاهرات في عدة مدن سورية فيما عُرف بجمعة “توحيد الصفوف يسقط الأسد”، وهي سقيا ودوما وعربين وحمورية في غوطة دمشق الشرقية المحاصرة بريف دمشق وحي المشهد وصلاح الدين في حلب وطفس وبصرى الشام في محافظة درعا.
طالبت التظاهرات بإسقاط الأسد وإطلاق سراح المعتقلين ودعوة الفصائل المسلحة لنبذ خلافتها والتنسيق فيما بينها لمواجهة الحصار الذي يفرضه نظام الأسد وحلفاءه وتحرير المدن المحاصرة من قبضة قواته
تحت الحصار.
تشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن مالايقل عن 300 ألف مدني في الأحياء الشرقية لمدينة حلب يعيشون تحت حصار تفرضه قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطيه منذ 10 يوليو. فيما يعاني مئات الآلاف غيرهم في باقي مدن وأحياء حلب وريفها الغربي حيث تقف قوات النظام وطيران حليفه الروسي عائقا لوصول المساعدات الإنسانيه لهم.
جرائم النظام فى حلب
الحرب التي يخوضها الأسد وحلفاءه ضد الجماهير السورية تشمل كل المناطق المحررة من سيطرته، لكن السطور التالية توضح حجم الجرائم التي ارتكبها لاستعادة حلب.
يرصد لنا المرصد السوري في الفترة بين 22 أبريل و3 يونيو نحو 3 آلاف شهيد وجريح بسبب القصف الهستيري على أحياء المدينة والذي استهدف أهداف مدنية منها ممتلكات مواطنين ومرافق عامة ومستشفيات، فيما رصد المرصد السوري عدد المدنيين جراء القصف الذين لقوا مصرعهم نحو 436 مواطناً بينهم 97 طفلاً دون سن الـ 18، و74 مواطنة فوق سن الثامنة عشر.
وارتكب النظام مزيدا من الجرائم خلال شهري يونيو ويوليو حيث وصلت الغارات، وتحديدا في فجر اليوم الأول، 120 غارة بل وصل عدد الغارات التي شنها النظام خلال 20 يوم وتحديدا حتى يوم 8 يونيو 2000 غارة جوية على مناطق في أحياء وبلدات وقرى مدينة حلب وأطرافها وريفها، وقد وصل عدد الشهداء من المدنيين جراء القصف وحتى 12 يونيو، أى خلال 52 يوما، 577 شهيدا بينهم 208 طفل ومواطنة.
ووصل عدد الشهداء في شهر يوليو جراء القصف الجوى لطيران النظام إلى 799 بينهم 199 طفلا و118 مواطنة، وجراء القصف الصاروخي والمدفعي وصل العدد إلى 106 بينهم 21 طفل و13 مواطنة بالإضافة إلى 32 مواطنا تم قتلهم جراء التعذيب في المعتقلات الأمنية.
تستمر المروحيات تستهدف بالبراميل المتفجرة بلدات كفر حمرة وحريتان وعندان والملاح وتل مصيبين وخان العسل وكفرناها وعندان وحيان والباب ومسكنة بريف حلب وأطرافها وأطراف حي طريق الباب ودوار الجزماتي وكرم البيك، بينما استهدفت الطائرات الحربية مناطق في أحياء الصاخور والشيخ سعد وبني زيد والعامرية والسكري ومساكن هنانو والمشهد والراشدين والشيخ علي ومناطق الكاستيلو وشقيف وحندرات ومعارة الأرتيق والملاح، واستهدفت بالرشاشات الثقيلة أماكن في حي الكلاسة ومنطقة دوار جسر الحج، ويستمر القصف للمدينة وأطرافها وريفها بشكل يومي مستهدفا أهداف مدنية من المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء.
خلال تلك الساعات تشير البيانات الأولية أن الفصائل الإسلامية تحقق تقدم في ساحة المعارك أسفر عن إسقاط مروحية لسلاح الجو الروسي لم يعلن أحد مسئوليته حتى الآن، ويرجح البعض أنه بسبب عطل فني في حين تتهم الحكومة الروسية فصائل المعارضة باستخدام أسلحه دفاعية أرضية.
فى نفس السياق يتحدث الكثيرين على المسار السياسي الذي تسعى إليه الأطراف الدولية وخطة تقسيم سوريا وهو ما سيصبح تحديا جديدا للجماهير السورية.
لماذا حلب؟
حلب هى آخر أهم المحافظات المحررة من نظام الأسد، وهى أكبر ثاني المدن السورية، وترجع أهمية المدينة إلى موقعها الجغرافي الذي يسهل لنظام الأسد في حالة استعادتها كاملة أن يستخدمها كقاعدة للهجمات البرية للسيطرة على باقي البلاد.
وفي حالة إحكام نظام الأسد سيطرته على المدينة سيقوم بعزل المعارضة عن بعضها في جيوب صغيرة يسهل القضاء عليها لاحقا، بالإضافة إلى قطع خطوط الإمدادات من تركيا عبر معبر باب السلامة من خلال إحكام السيطرة على ممر عزاز، وهذا يعنى أن إدلب هى أيضا ساحة العمليات الجوية والقصف العنيف بعد حلب حيث إنها تعتبر آخر نقطة اتصال بين المعارضة وتركيا.
وبالفعل ارتكبت قوات الأسد جريمة جديدة تُضاف إلى سلسلة الجرائم التي اقترفتها في حق الجماهير السورية حيث استخدمت غاز الكلور قبل يومين في مدينة إدلب بعد سحب قواته العسكرية منها إلى حلب، وهو ما يشير إلى رغبته في السيطرة على طريق الفصائل الوحيد في الإمدادات.
ويُرجح أن احتدام المعارك بحلب يرجع إلى رغبة الأسد وحلفاءه في خلق واقع على الأرض يخدم موقفه في تحديد المسار السياسي التي تسعى إليه القوى الإقليمية والذى يطرح تقسيم سوريا كبديل لانهاء النزاع، وهو ما دفعه إلى حشد قواته ناحية حلب وتكثيف الضربات الجوية ضدها، ومن ناحية أخرى تحاول الفصائل الإسلاميه كسب معركة حلب بأسرع وقت لتضمن بقائها ضمن التسوية السياسية كأمر واقع، وهو ما يعكس رغبة القوى الإقليمية التي تقف وراءها في رسم المسار السياسي بما يتفق مع مصالحها.