اغتيال ناهض حتَّر بين مطرقة الاستبداد وسندان الإرهاب

في أغسطس الماضي، قرر القضاء الأردني حبس الصحفي ناهض حتَّر بتهمة الإساءة للذات الإلهية بسبب نشره رسوم مسيئة على صفحته. ورغم اعتذاره وسحب تلك الرسومات إلا أننا فوجئنا بمقتله بطلق ناري على يد أحد المتطرفين في يوم 26 سبتمبر الماضي، أثناء خروجه من قصر العدل بعد استدعاءه من قبل مدع عام عمًان الأول القاضي عبد الله أبو الغنم الذي كان قد وجه له التهم من قبل.
مقتل حتر هو جريمة نشجبها ونقف ضدها لأن القتل بسبب الرأي جريمة تجسد الاستبداد الذي نناضل لإسقاطه ووقفه بكل أشكاله، وهو ما يدفعنا لنحارب من أجل مجتمع يضمن حرية الرأي والتعبير.
ناهض حتَّر هو أحد المثقفين المؤيدىن لبشار الأسد والمدافعين عنه بحجة وقوفه ضد الإرهاب والرجعية الدينية، ورغم اختلافنا الجذري معه إلا أننا نرى أن قتله يعد جريمة بشعة؛ فموقفنا من مقتله مبدئي لا يتعلق بآراءه واتجاهاته لأن تلك الجريمة تطال الجميع وهدفها إسكات أي صوت مخالف. في هذا السياق هناك تساؤل ملح وهو مَن قتل حتَر أو بمعنى أدق مَن تسبب في قتله؟
الموقف السياسى لناهض حتَّر جاء معارض لموقف السلطات الأردنية، فالرجل يعلن تأييده لنظام بشار ويرى فيه المدافع عن المدنية، في حين يمارس النظام الأردني سياسة مخالفة موالية للنظام السعودي الذي يمول الجماعات المسلحة المشاركة في الصراع الدائر على الأراضي السورية ضد نظام بشار الأسد، وقتل الرجل هو إزاحة لصوت معارض تم التخلص منه بفتح الباب أمام المتشددين، وهو ما سيخلق حالة من الخوف لدى أي معارضة لسياسات النظام فيما بعد.
الحكم على حتر والموقف السلبي للأمن الأردني من التهديدات التي وُجهت للرجل يثبت ضلوع أو مباركة النظام الأردني لقتله. تلك هي الخسة التي تمارسها الأنظمة القمعية. السلطات الأردنية قتلت حتًر أو على الأقل شاركت بالجريمة عندما حكم عليه القضاء بالسجن لنشره الرسوم على صفحته وهذا يفسر الدور الحقيقي للمؤسسة القضائية، وهو القمع الذي يبدأ بقمع حرية الرأي والتعبير وينتهي بانتزاع الحق في الحياة، فالحكم بالسجن لنشر رسوم كان بمثابة مغازلة للمتشددين من ناحية، وتحريض على الرجل الذي يبدو للرأي العام كمتهم في قضية تثير غضب الغالبية (ازدراء الذات الإلهية) مما يجعل استباحة دماءه أمرا مقبولا!
ناهض حتَّر دافع عن القمع الذي يمارسه النظام السوري ويجد فيه دفاعا عن المدنية، وهو موقف نرفضه لأن بشار الأسد لا يدافع عن المدنية بل يقتل الجماهير بوحشية للحفاظ على مصالحه. ومع خلافنا الجوهري والعميق لحتًر نقف ضد قتله وإسكات صوته للأبد، لإن تلك هي أساس قضيتنا وهي الدفاع عن الحرية وأولها حرية الرأي وخاصة لمن يخالفوننا الرأي لأن قمع أي صوت معارض، وإن اختلفنا معه، هو قمع لكل الجماهير وإسكات لكل الأصوات بل يعد مكسب للطبقة الحاكمة التي تتنعم في ظل الاستبداد.
إن التصدي للأفكار التي يمثلها حتَّر وفضحها أمام الجماهير هي المعركة التي يخوضها الثوري الحق، لأنها تضيف إلى الوعي لدى الجماهير ويجعلها تخطو خطوة نحو النصر، لكن قتله لا يفيد أحد سوى الأنظمة المستبدة التي تؤسس لفكرة إسكات الصوت المعارض للأبد بالقتل، وهو ماينعكس بالسلب على نضال الجماهير، بل يفقدها مساحات من الحرية التي تناضل من خلالها، في حين تبقى أفكار حتًر ذاتها دون مساس بل ربما تجد مؤيدين في الأوساط التي ترفض العنف.
إن الحرية التي تبدأ بحرية الرأى قضية مبدئية ندافع عنها ونقاتل للحفاظ على كل شبر منها، فهي جزء من ساحة المعركة التي تضمن وجود الجماهير في المواجهة والنضال لنيل حريتها الكاملة بانتزاع الثروة والسلطة.