حلب تحتضر بتواطؤ من القوى الكبرى

في الوقت الذي تُكتب فيه هذه الأسطر٬ تتوارد الأنباء عن مجازر تجتاح شرق حلب. وتشير معلومات مؤكدة من مشفى الحياة إلى قيام قوات النظام بأعمال قتل لكل من الطاقم الطبي والمرضى فيها، وعمليات هدم للمنازل فوق رؤوس قاطنيها.
في هذه الأثناء يلفظ شرق حلب أنفاسه الأخيرة، حيث تتقدم قوات نظام الطغمة وحلفائه في ما تبقى من أحيائه وبشكل سريع تحت غطاء وابل من النيران. ولم يعد أحد قادر على إحصاء عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
وكعادتها منذ 6 أعوام٬ عبرت الأمم المتحدة عن «قلقها» مما يجري. لكن لم يصدر عن مجلس الأمن، الذي لا يعدو كونه ساحة لعب للقوى الكبرى٬ أية ردة فعل أو إدانة للمأساة الكبرى التي تصيب المدنيين السوريين. فالفيتو الرابع الروسي – الصيني أتى ليجهض بكل بساطة قرار بالمساعدة الإنسانية للمدنيين من سكان حلب ووقف القصف والدمار. بينما اكتفت القوى الغربية بالتعبير٬ هي بدورها٬ عن أسفها و«قلقها» بدون أن تقدم٬ عمليا٬ أية مساعدة تُذكر في الحقل الإنساني.
هكذا إذن٬ بإمكان الشعب السوري في حلب وسواها من الأراضي السورية أن يستمر في الموت بجو من الصمت العام والشامل.
خطر داعش ما يزال حاضرا
لقد شكلت الولايات المتحدة منذ عام 2014 تحالفا عسكريا للحرب ضد داعش سمح لها بالتدخل في كل من العراق وسوريا. ومن جهتها أعلنت روسيا مباشرة تدخلها عسكريا في سوريا منذ عام 2015، وأيضا بحجة محاربة داعش.
وبالرغم من تدخل هاتين القوتين الأعظم في العالم٬ وما يثير الاستغراب٬ فإن داعش ما يزال حاضرا ولم يفنَ بعد٬ بل إنه في حالة فعالية وهجومية. حيث يقوم ٬ في الوقت نفسه٬ بهجمات مضادة حول مدينة الموصل. وفي سوريا استطاع داعش السيطرة مجددا على مدينة تدمر في 11 ديسمبر الماضي وذلك بالرغم من تواجد القوات الروسية فيها٬ بل أن الأخيرة انسحبت من المدينة بوقت قليل قبل وصول مقاتلي داعش إليها٬ وفق ما جاء في شهادات موالية للنظام. بل الأنكى من ذلك أن داعش وجدت في المدينة مستودعات أسلحة ثقيلة ونوعية ومنها مضادات للطائرات٬ وفق نفس المصادر الموالية. فيما اقتصر تصريح الحكومة الروسية حول هذا الحدث بالقول أن داعش شنت هجوما واسعا من 3 جبهات وبقوات كبيرة ضمت نحو 5 آلاف مقاتل أتوا من دير الزور شرقا ومن الرقة شمالا، واجتازوا الصحراء والمسافات دون أن يلحظهم أحد!
يدعو هذا الانسحاب السريع للقوات الروسية وقوات النظام من تدمر واستيلاء داعش عليها إلى التساؤل كونها مقصودة لإبعاد الأنظار عن بشاعة المجازر الجارية حاليا في حلب.
وحيدا في مواجهة جهنم الأسلحة الفتاكة
في هذه اللحظة٬ هنالك نحو 80 ألف مدني محاصرين في آخر 2 كم2 بقيت خارج سيطرة النظام في حلب. ولم تلق نداءات المدنيين الاستغاثة وطلبات وقف الحرب والقصف الهمجي للنظام صدى لها في العالم٬ حتى الآن. بل يواكب احتضار حلب وأهلها مظاهرات تضامن معها تجري في عدة مدن من العالم٬ في الأيام الأخيرة.
لكن الحقيقة الفاجعة التي يجب تكرارها هي أن الشعب السوري في كفاحه من أجل تحرره لم يجد تضامنا عالميا حقيقيا معه يكون على قدر تضحياته الباهظة.
إنه ما يزال يقف وحيدا في مواجهة جحيم كل أنواع الأسلحة٬ التي يوجهها ضده النظام الدموي وحلفائه٬ بشجاعة استثنائية أبدتها شبابه وجماهيره الشعبية٬ التي تواجه أبشع أشكال الهمجية.
ستشرق الشمس غدا؟
لم تتأخر الحكومة الإيرانية في التعبير عن بهجتها لقيام النظام بـ «تحرير حلب» . أما حكومة العدالة والتنمية لأردوغان في تركيا فاكتفت بما ترك لها اتفاقها مع بوتين من تواجد عسكري لقواتها في ريف شمال حلب٬ ولم تبدِ أدنى احتجاج ضد المجزرة التي يتعرض لها المدنيين في حلب.
وفي الوقت عينه٬ وبرمزية كبيرة٬ توفي يوم الأحد 12/12 المفكر الماركسي السوري صادق جلال العظم في منفاه بمدينة برلين. ليغادرنا هذا المفكر البارز الذي أثًر على عدة أجيال من المناضلين اليساريين٬ والذي وقف بحزم داعما الثورة ضد نظام استبدادي للطغمة الحاكمة٬ لأنها بالنسبة له ثورة شعبية أصيلة مهما كان وضعها في اللحظة الراهنة٬ وليست حربا أهلية معممة.
ولنصغي٬ أخيرا٬ إلى هذه الصرخة من حلب:
لا توقظوهم٬ فالجميع نيام
لا تزعجوا حكامنا٬ موتوا بصمت
لا.. لا تصدقوا كذبهم ودموعهم
فمتى تجود بدمعها الأصنام؟
ولكن مهما كان ألمنا اليوم٬ ستشرق شمس الحرية.. غدا.