اليمن: أزمات سياسية.. وكوارث إنسانية

شهدت الساحة اليمنية تحولًا كبيرًا بعدما أعلن محافظ عدن المُقال، عيدروس الزبيدي، عن تشكيل مجلس انتقالي للجنوب يضم 26 اسمًا بموجب إعلان عدن الصادر بعد احتجاجات جنوبية إثر إقالة هادي للزبيدي، حيث تم تعيين هاني بن بريك نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد إقالته أيضًا قبيل الإعلان بأيام.
أحدث الإعلان، على الجانب الآخر، تظاهرات مؤيدة للرئيس هادي في قرار الإقالة. فيما احتشد أنصار الحراك الجنوبي مؤيدين قيادة سياسية لإدارة الجنوب مع إعطاءهم كامل الصلاحيات لاتخاذ ما يلزم، وسط إدانة تحدي حكومة بن هادي لإرادة شعب الجنوب، وفقًا لبيان لجنة الحراك.
ورغم تأكيد المجلس على استمراره في التعاون مع التحالف العربي لتحقيق أهدافه إلا أن مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية والإمارات، أعلن رفضه لتلك الخطوة وتأكيده على دعم الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور وتأكيدهم على حل الأزمة بالحوار بين الأطراف المتنازعة. فيما أبدى الجانب الإيراني وحليفه الحوثي تأييدهم لتلك الخطوة.
ماذا حقق “الحزم” حتى الآن؟
استطاعت القوات الحكومية والمقاومة الشعبية، بمساعدة قوات التحالف العربي، الاستيلاء على مطار عدن وإعادة السيطرة على المدينة في 22 يوليو 2015، كما استعادت مدن لحج والضالع وأبين بالجنوب واستمرت الاشتباكات في محافظة أب وسط اليمن واستولت القوات الحكومية على محافظة شبوة في 15 أغسطس، وفي 1 أكتوبر تقدمت القوات الحكومية إلى الساحل الغربي للسيطرة على مضيق باب المندب، وقد تمت لها السيطرة على جزيرة ميون ومنطقة المضيق وذباب المطلة على المضيق لتفرض سيطرتها بذلك على المناطق الجنوبية واستعادة محافظة مأرب على الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية بالكامل.
فيما استمرت المعارك على المحافظات الشمالية والعاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون ليشنوا بدورهم هجمات على المدن التي تم الاستيلاء عليها من قبل قوات التحالف.
في حين تمدد تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية مستغلًا الانفلات الأمني الذي بدأ مع استيلاء قوات التحالف عليها، وهو ما استدعى توجيه ضربات جوية لأماكن سيطرة التنظيم.
معاناة الجماهير اليمنية
تضاعفت الخسائر إثر هجوم قوات التحالف العربي على الشعب اليمني، فقد أعلنت منظمة الفاو أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون نقص التغذية الحاد حيث تعاني 20 محافظة من أصل 22 مرحلة الطوارئ من مرحلة انعدام الغذاء ويواجه ثلثي السكان خطر الجوع، وحذرت المنظمة أن محافظتي تعز والحديدة، حيث يقطن هناك ربع سكان اليمن، قد تنزلق إلى خطر المجاعة إذا لم يتم تقديم دعم إنساني إضافي ودعم لسبل العيش.
وأضاف البيان أن اليمن يواجه إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم، في حين يرى البيان أن 80% من الأسر تواجه وضعًا اقتصاديًا أسوأ بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي قبيل اندلاع النزاع.
كما ورد فى البيان أن من بين 2.2 مليون طفل يعانون نقص الغذاء الشديد، ويوجد 462 ألف طفلًا يعانون نقص الغذاء الشديد والحاد. في حين أعلنت مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن نحو 3 ملايين من السكان تم تهجيرهم بشكل قسري داخليًا، وتمتد معاناتهم حيث يحاول 24% منهم العودة إلى منازلهم بسبب المخاطر التي يتعرضون لها.
الساحة السياسية.. مصالح متشابكة
فشلت القوى المتصارعة في حسم المعارك على الأرض مما دفع بعض الأطراف إلى طرح مبادرات لحل الأزمة وسط تعقد وتشابك سياسي فتح مجالًا لإعادة صياغة تشكيلات سياسية مختلفة لاحتمالات الواقع. العامل المشترك بين كل ما أفرزه الواقع السياسي هو الفشل لإصرار كلا الأطراف فرض سيطرتهم على الأرض وتحصيل أكبر مكاسب ممكنة قبيل أي تفاوض.
تفاقم الأزمة وتأثيرها على حياة الملايين وانعدام الحل في الأفق القريب دفع الجماهير إلى الإحباط من حكومة عبد ربه لاستمرارها في الحرب دون النظر إلى ما يعانيه الشعب على الأرض. وهو ما سًهل الأمر لمحافظ عدن المُقال بالخروج على الحكومة الرسمية وإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي وهي قرارات لاقت قبولًا لدى الجماهير الغاضبة التي تعاني ويلات الحرب كخطوة لحل الأزمة.
الدور الأمريكي في اليمن
الحرب الدائرة باليمن هي جزء من الصراع الإقليمي بين النظام السعودي والإيراني والتدخل المباشر للنظام السعودي ممثلًا في قيادة التحالف العربي مدعومًا من الولايات المتحدة يعبر عن تخوف أمريكي أيضًا من التمدد الإيراني في المحيط الهندي، وهو ما يشكل تهديدًا للنفوذ الأمريكي بالمنطقة، وخاصة الخليج العربي، لذلك يعتبر الصمت الأمريكي والدولي عن كل الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين من أبناء الشعب اليمني أمرًا طبيعيًا طالما أن تلك الحرب تعتبر دفاعًا غير مباشر عن المصالح الأمريكية بالمنطقة.