الموصل:
نهاية دولة الخرافة وعودة دولة الأزمة
في تطوِّرٍ جديد أعلن التلفزيون العراقي عن هزيمة داعش بالموصل، وهو ما سماه “نهاية دولة الخرافة” وسيطرة قوات التحالف على المدينة القديمة بعدما بث صورًا للقوات العراقية عند مسجد النوري ومآذنه الحدباء ومنطقة السرجخانة، قلب المدينة القديمة التي شهدت إعلان البغدادي دولته المزعومة منذ 3 سنوات.
استمرت المعارك عدة شهور واجهت مقاومة عنيفة من جانب مقاتلي التنظيم رغم الحصار والقصف المستمر، وهو ما أجبرهم على التراجع بعدما نشر مفخخاته في أحياء المدينة، وهو ما دفع القوات العراقية على التنقل عبر أسطح المنازل لتطهير المدينة من فلول التنظيم.
لم تنتهِ المعارك في الموصل حتى الآن، لكن الجهات الرسمية تؤكد قرب السيطرة على المدينة بالكامل وتعلن عزمها على مطاردة التنظيم فلا يوجد أمامهم غير الاستسلام والمحاكمة أمام القضاء العراقي أو الموت، حيث تضاءلت نسبة المساحات الجغرافية التي يسيطر عليها التنظيم إلى 30% فقط من إجمالي ما احتلته منذ عام 2015، وهو ما انعكس على العوائد المادية التي انخفضت بالضرورة خلال نفس المدة من 81 مليون دولار شهريًا إلى 16 مليون فقط.
وفي الجانب السوري، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية قطع المنفذ المتبقي لداعش من مدينة الرقة الواصل لبقية مناطق احتلاله، وهو ما يعني حصار التنظيم واحتمالات تواصل الخسائر خلال الشهور القادمة. ربما يقترب الصراع على نهايته، لكن مدينة الموصل التي أصبحت خرابًا بعدما هُدمت معظمها جراء قصف قوات التحالف والمعارك الشرسة على الأرض وتهجير مئات الآلاف من سكانها ليعيشوا كلاجئين في مخيمات الأمم المتحدة، تنتظرها أيضًا صراعات أخرى لتحديد التركيبة السكانية لها بين أكراد وعرب وتركمان، فقوات التحالف التي جمعتهم المعركة ضد داعش لم يخفوا أطماعهم وخلافتهم عند بدء المعارك.
وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي العبادي إلى أخذ تعهد من قوات البشمركة والحشد الشعبي قبل بدء المعارك من عدم المشاركة في المعارك داخل المدينة واحتلال أي من أجزائها.
وعلى جانب آخر، أخفت معركة الموصل الأزمة السياسية التي كادت أن تعصف بحكومة العبادي، فقبل بدء المعارك كانت التظاهرات التى اشتعلت في مارس قبل الماضي للمطالبة بالقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين وتحسين الأوضاع المعيشية والأمنية للجماهير العراقية والتي واجهتها القوات الأمنية بعنف، لكن التظاهرات لم تتوقف بل امتدت لتشمل مدنًا أخرى غير بغداد كالبصرة والعمارة وذي قار بالجنوب والسليمانية بالشمال، وامتدت الأزمة إلى داخل البرلمان الذي اختلف أعضائه على مدى مشروعية اللجنة المسئولة عن وضع قانون الانتخابات الجديدة التي ستنتهي مدة ولايتها قبل بدء العملية الانتخابية.
كل تلك الأزمات تم تأجيلها لما بعد معركة تحرير الموصل على أمل أن يخرج العبادي كقائد منتصر له شعبية ولديه القوة لإرجاع الهدوء إلى الشارع السياسي والقضاء على منافسيه، لكن التساؤل: هل فعلًا سيساهم انتصار الموصل في استقرار الوضع بالعراق أم بمجرد انتهاء التنظيم ستنفجر المشكلات وتطفو على السطح من جديد؟ وهل العبادي قادر أن يروج لنظامه بالقضاء على الفساد المستشري داخل أعضاء الحكومة وإلغاء المحاصصة الطائفية وتحقيق مطالب الشعب في العدالة الاجتماعية مثلما روج بمحاربة الإرهاب؟