عمليات انتقامية ضد المعارضين السياسيين في السعودية
ارتكبت القوات السعودية صباح الثلاثاء الماضي واحدة من أكثر العمليات الانتقامية ضد المعارضين السياسيين باغتيال الناشط سلمان الفرج وتصفيته برشاشات قوات المهمات الخاصة بعد حصار عسكري واقتحام منزله والمنازل المجاورة.
ووفقًا لصفحة “العوامية على الشبكة” على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، فإن الهجوم المسلح شهد إطلاق مكثف للأعيرة النارية على واجهات المنازل، كما نشرت الصفحة صورًا لانتشار الدماء داخل المنزل حيث جرت تصفيته أمام عائلته والاعتداء بالضرب على زوجته واعتقال اثنين من أقاربه.
وعُرِف الفرج بنشاطه خلال الاحتجاجات المناوئة للسلطات السعودية التي اندلعت شرق السعودية عام 2011، وتم إدراجه ضمن قائمة المطلوبين. فيما تمارس السلطات السعودية تصفيات مستمرة واستهدافات واسعة منذ ذلك الحين.
يمثل حادث الاغتيال انتهاكًا صارخًا ودموية مفرطة في تعامل السلطات الأمنية السعودية مع احتجاجات المنطقة الشرقية، كما جاء بعد محاصرة القوات السعودية قبل عدة أيام لبعض الأحياء السكنية بمنطقة الجميمة بالمدرعات واقتحام بعض المنازل مع سماع صوت إطلاق نار. فيما اتسمت الممارسات القمعية الأخيرة للسلطات بسياسات وحشية في القتل والتنكيل بدم بارد، بالإضافة إلى أرقام متزايدة من معتقلين قضوا تحت التعذيب في السجون السعودية.
في هذا الإطار، ووفقًا للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن الجهات الرسمية بالمملكة تسعى لإنكار مسئولياتها عن تلك الفظائع بتزوير الحقائق، حيث ورد أنه “في مارس 2016، وخلال دورة مجلس حقوق الإنسان، ادعت الحكومة أن لا تعذيب في السجون وذلك بعد أيام من مقتل المواطن مكًي العريض تحت التعذيب، إلى جانب ذلك تسوق الحكومة إقرار قانون المنظمات غير الحكومية أمام مجلس حقوق الإنسان تحت مزاعم انفتاح المجال السياسي العام، إلا أن ذلك لم ينعكس على الواقع، حيث لا زال النشطاء الذين شنوا حملات ضد الفساد مستهدفين أو يتم اغتيالهم وإعدامهم في أحيان أخرى”.
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على العريض في نقطة تفتيش شرطة بمحافظة القطيف على خلفية اتهامه بتصوير المنطقة، ليفاجأ الأهالي بجثمانه بعد يومين من الاختفاء وعليه آثار تعذيب وحشية وصعق بالكهرباء، فيما تعنتت الشرطة في تسليم رفاته لمدة 13 يومًا آخرين!
ويحفل السجل الإجرامي السعودي بانتهاكات وملاحقات لمدافعين عن حقوق الإنسان حيث أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض مطلع نوفمبر الماضي حكمًا بالسجن 6 أعوام والمنع من السفر لمدة مماثلة بحق الناشطة نعيمة المطرود بتهمة المشاركة في احتجاجات المنطقة الشرقية عام 2011 وتأمين الأدوية والعلاج اللازم للجرحى بعيدًا عن المستشفيات لحمايتهم من الاعتقال هناك. فيما يواجه الناشط الحقوقي محمد العتيبي و4 آخرين المحاكمة بتهم إصدار بيانات تسيء لسمعة المملكة إثر تأسيس مركز يدافع عن حقوق الإنسان ضد الاعتقال والتعذيب في السعودية.
وفي نفس السياق، أصدرت محكمة الرياض حكمًا مطلع العام الحالي أيدته محكمة الاستئناف بالسجن 7 سنوات للصحفي نذير الماجد لنشره مقالات تؤيد الاحتجاجات وضد سياسات المملكة في القمع حيث تعرض للتعذيب والضرب المبرح والحبس الانفرادي لشهور طويلة قبل إصدار الحكم، كما أيد القضاء السعودي حبس الصحفي علاء برنجي لمدة 5 سنوات بتهمة إدانة قتل قوات الأمن لمتظاهري المنطقة الشرقية بعد إيداعه السجن لمدة عام دون تهم محددة وتعرضه لسوء المعاملة والتعذيب على أيدي رجال الأمن.
كما يسجل مسلسل الانتهاكات اعتقال حقوقيين ونشطاء لمجرد دورهم الاجتماعي في دعم ومساندة أهالي المعتقلين، حيث أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض والمتخصصة بقضايا الإرهاب، حكمًا بالسجن 4 سنوات بحق فاضل الشعلة بتهم تتعلق مباشرة بنشاطه الاجتماعي والثقافي والحقوقي، والقائمة تطول.
ووفقًا لوقائع الضبط والإحضار في روايات أهالي المنطقة الشرقية، والتي تتناقلها صفحهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن السلطات السعودية تتخذ أساليب أكثر حدة في الانتهاكات تفوق تجاوزاتها المعتادة باحتجاز آباء النشطاء السياسيين المطاردين كرهائن للضغط على أبناءهم في ظروف اعتقال قاسية رغم كبر السن والتدهور الصحي، فيما أفادت الشهادات باعتقال زوجة عم وابن عم الشهيد الفرج رغم اغتياله أمام أعينهم والتمثيل بجثته!
على الجانب الآخر، يواجه القضاء السعودي اتهامات واسعة بتلفيق أحكام الإعدام دون السماح للمتهمين بالاجتماع بمحاميهم وعدم السماح بتقديم الوثائق اللازمة لإعداد الدفاع، وفقًا لما نشرته منظمة هيومان رايتس ووتش، حيث صادقت المحكمة العليا الأسبوع الماضي على إعدام 15 متهمًا من رجال الدين الشيعة وأساتذة جامعات وأكاديميين بتهمة التجسس لصالح إيران وبعد اعتقال دام أكثر من 3 سنوات، ويواجه 17 آخرين، أُلقِيَ القبض عليهم بنفس الحملة الأمنية، تهمًا وتخوفات حول الأحكام التي ستصدر بحقهم في سلسلة إعدامات تصدر عشوائيًا كان آخرها إعدام 4 معتقلين شهر يوليو الماضي، فيما استهدفت وزارة الداخلية السعودية أقارب ومعارف المعتقلين إثر إصدارهم بيان ينفي صلتهم بالتهم المنسوبة إليهم. كما يتورَّط القضاء السعودي في إصدار الأحكام بالإعدام على 3 قاصرين شاركوا بتظاهرات 2011 ويُحتَجزون تعسفيًا بالسجون السعودية منذ 4 أعوام انتظارًا لمصادقة الملك لتنفيذ الحكم وذلك رغم المناشدات والإدانات المنظمات الحقوقية الدولية.
يُذكر أن مدينة العوامية الواقعة بمنطقة القطيف شرق المملكة تعرَّضَت إلى الحصار العسكري والمداهمات الأمنية الواسعة، كذلك القصف بالطيران واستهداف منشآت وبيوت وتهجير أهالي عدة مرات.
وكانت الاحتجاجات السلمية التي اندلعت بالمنطقة الشرقية تطالب بحرية إقامة الشعائر الدينية للطائفة الشيعية التي تحظرها السلطات، وقُوبلت بالغاز المسيل للدموع والأعيرة الحية ضد المتظاهرين، ولازالت نفس السياسة القمعية التي ينتهجها نظام آل سعود تشكل خطرًا كبيرًا حيث استهداف كافة النشطاء المعارضين لسياسات المملكة.
وكانت العلاقات الأمريكية – السعودية قد أخذت منحى عميق إثر زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية في شهر مايو الماضي لتسفر عن صفقة أسلحة تقدر بـ 100 مليار دولار بحجة تطوير المنظومة العسكرية في مواجهة الإرهاب والتصدي لإيران، وهو ما ساهم في تورطها بحرب واسعة دمرت البنى التحتية ودفع ثمنها الشعب اليمني. فيما مارست السعودية دورًا خفيًا طيلة الشهور الماضية لإحداث اضطرابات سياسية داخل لبنان في ظل تمدد ملحوظ للعلاقات مع الجانب الإسرائيلي.