أردوغان: الديكتاتور المنتخب!

مرة أخرى يفوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى بـ52.6% ويفوز حزبه العدالة والتنمية بـ42.6٪. وعلى الرغم من أن الحزب قد خسر ٧٪ من الأصوات التي حصل عليها في 2015، فسيظل مسيطرًا على البرلمان بسبب تحالفه مع حزب العمل القومي (حزب يميني معادي للأكراد).
أردوغان هو بدون منازع ملك الانتهازية السياسية. فقد وصل حزبه إلى السلطة في 2002 بوجه ديمقراطي يريد تقليص نفوذ الجيش في السياسة التركية (شهدت تركيا قبل ذلك انقلابات عسكرية أو تهديدات بانقلابات عسكرية في 1960 و1970 و1980 و1997). أما وجهه الثاني فكان الوجه الليبرالي الجديد الذي يريد إصلاح الاقتصاد التركي وإدماجه في الاقتصاد الأوروبي والعالمي وتحويل تركيا إلى مركز صناعي ومالي قوي. أما الوجه الثالث فكان الوجه الإسلامي المعتدل والمحافظ والذي يريد فتح المجالات العامة للمسلمين المتدينين بعد أن كانت الإصلاحات الكمالية قد أغلقتها منذ عقود. وأما وجهه الرابع فكان كرجل سلام يريد حلَّ المسألة الكردية بشكل سلمي ومتحضر.
هذا السياسي متعدد الأوجه تمكَّن من بناء قاعدة اجتماعية واسعة ومتنوعة ولكن جذورها في القطاعات المحافظة والمتدينة من الطبقة الوسطى المدينية وبرجوازية الأقاليم وبعض القطاعات الريفية. تحسين الظروف الاقتصادية من جانب وإلغاء التقييد على الشعائر الدينية وارتداء الحجاب من الجانب الآخر شكل البرنامج المثالي لتلك القطاعات.
ولكن وعوده الديمقراطية سرعان ما تبخَّرَت وبدأ مشواره الطويل لتحويل البلاد إلى ديكتاتورية شخصية. فبالفعل تمكَّن عبر سلسلة من المحاكمات من تقليص نفوذ الجيش التركي ولكن ليس لمصلحة الديمقراطية وإنما لمصلحة سيطرة حزبه على كافة مؤسسات الدولة.
هذا الهدف أصبح في متناول اليد بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016. فبعد أن نجى أردوغان من محاولة الانقلاب، لم يكتف بمعاقبة الضباط المُتورِّطين بل استغل الحدث (والذي اعتبره هدية من السماء) في بدء حملة قمعية تجاوزت ما قامت به أنظمة عسكرية سابقة في تركيا. اعتُقِلَ أكثر من مئة ألف شخص وصودِرَت أملاك بقيمة مليارات من الدولارات وطُرِدَ أكثر من 150 ألفًا من وظائفهم. بدأت الحملة ضد حلفائه السابقين (حركة جولن الإسلامية) وسرعان ما طالت كافة الحركات والأحزاب والنقابات والجامعات والإعلام. كان التركيز بالطبع على “تطهير” مؤسسات الدولة، خاصة القضاء. وقد أصبح كل قاض تمكَّن من البقاء في منصبه يعرف جيدًا أن أيَّ أحكامٍ تُغضِب الحكومة ستكون نهايتها الحتمية الطرد وربما السجن.
ومن خلال استفتاء شعبي (لم يحصل فيه إلا على 51٪ من الأصوات) تمكَّن من تغيير الدستور بحيث يصبح النظام رئاسيًا وتتركَّز كافة السلطات في يد رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة للقضية الكردية، فقد تحوَّلَت سياسة أردوغان من محاولات الإحتواء والمفاوضات إلى حربٍ شاملة، خاصةً في المناطق الكردية في سوريا. بل تحوَّلَت شعارات ودعاية حزبه الحاكم من التركيز على المحافظة الإسلامية إلى شوفينية تركية خالصة.
يُهلِّل الإخوان المسلمين لفوز أروغان وحزبه ولروعة ما يسمونه “التجربة الإسلامية الديمقراطية التركية”، رغم أنه من حيث السياسات والمصالح ومن حيث الأساليب والأفكار، لا يختلف كثيرًا عن عبد الفتاح السيسي والتجربة الديكتاتورية المصرية! وسيحزن السيساوية لفوز عدوهم اللدود، رغم أن ما يفعله أردوغان اليوم لتثبيت ديكتاتوريته (تغيير الدستور لصالحه، السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة، سحق المعارضة) هو نموذج لما يُخطِّط له السيسي في فترة رئاسته الثانية.
لعلَّ الجانب الوحيد المضيء في نتائج الانتخابات التركية هو فوز الحزب اليساري حزب الشعب الديمقراطي والمتبني للقضية الكردية بأكثر من 10٪ من الأصوات وهو الحد الأدني للتمثيل البرلماني، رغم وجود كثير من قياداته في السجن. وهو ما يعني أنه سيكون داخل وخارج البرلمان معارضة يسارية ترفض سياسات أردوغان وحزبه، ليس من خلال تذيُّل العسكر كحماةٍ للعلمانية كما حدث كثيرًا في التاريخ التركي الحديث، ولكن من خلال سياسة مستقلة وديمقراطية ومعادية للرأسمالية تعبر عن مصالح الغالبية العظمى من الأتراك.