أوروبا: عودة الفاشية؟

إحدى النتائج الرئيسية لأزمة الركود الكبير التي شهدها النظام الرأسمالي العالمي في 2008 وعواقبه الاجتماعية هي صعود لحركات وأحزاب يمينية عنصرية مُتطرِّفة في الرأسماليات الغربية. هذه الأحزاب والحركات تعادي المهاجرين من العالم الثالث وعلى رأسهم بالطبع المهاجرين المسلمين. ففي إيطاليا يشارك في الحكم اليوم حزب العصبة الشمالية الذي ينادي بطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين وتسجيل ومراقبة السكان الغجر وتطهير إيطاليا من الثقافة الإسلامية الدخيلة. بل زار وزير الداخلية الإيطالي ليبيا لمحاولة ترتيب إنشاء معسكرات اعتقال لللاجئين الأفريقيين لمنعهم من السفر عبر البحر للشواطئ الإيطالية. وفي النمسا يشارك في الحكم اليوم حزب الحرية اليميني المُتطرِّف والذي لا يكتفي بالمطالبة بطرد اللاجئين ومنع دخولهم البلاد، بل يطالب أيضًا بإغلاق المساجد والمراكز الإسلامية، للحفاظ على “أسلوب الحياة” النمساوية. وفي المجر هناك حالة من الهستيريا المعادية للإسلام والمسلمين والمهاجرين يقودها رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم. وفي ألمانيا هناك صعودٌ سريع لحزب “البديل من أجل ألمانيا” والذي دخل الانتخابات الماضية بشعاراتٍ عنصرية لا تختلف كثيرًا عن شعارات الحزب النازي في الثلاثينيات. حتى بريطانيا شهدت مظاهراتٍ للفاشيين شارك فيها أكثر من 10 آلاف في لندن مناهضةً للمهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي يصعد دونالد ترامب من حملته العنصرية ضد المهاجرين من المكسيك وأمريكا الجنوبية من جانب (معسكرات اعتقال وفصل الأطفال عن أهلهم) وضد المسلمين من الجانب الآخر (حكم تاريخي للمحكمة الدستورية يؤيد قانون ترامب لمنع مواطني 5 دول ذات غالبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة).
هذه الموجة اليمينية العنصرية ستزداد خطورة إذا ما دخل الاقتصاد العالمي حالة جديدة من الركود والانكماش وهو أمرٌ مُتوقَّع خلال الفترة القادمة ومع زيادة تدفق اللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا ومن أمريكا اللاتينية إلى أمريكا الشمالية. هذه الزيادة ليست فقط نتيجة للحروب الأهلية والإقليمية وعدم الاستقرار السياسي في بلدان العالم الثالث ولكنها أيضًا نتيجة للفجوة الضخمة في الثروة وفي الدخول بين الدول الصناعية الكبرى وبقية دول العالم: إجمالي الناتج المحلي للفرد في أوروبا الغربية يقترب من 40 ألف دولار في حين لا يتجاوز 3500 دولار في أفريقيا جنوب الصحراء (أي أكثر من عشرة أضعاف). هذه الفجوة تزداد اتساعًا منذ السبعينيات حيث كان إجمالي الناتج المحلي للفرد في أوروبا الغربية 18 ألف دولار في مقابل 2600 دولار في أفريقيا جنوب الصحراء (أي حوالي سبعة أضعاف). هذه الفجوة إلى جانب التغيرات الديومغرافية (تراجع النمو السكاني في أوروبا في مقابل الانفجار السكاني في أفريقيا) تعني أن أزمة المهاجرين والهجرة ورد الفعل اليميني العنصري لهذه الأزمة ستظل وستتفاقم طالما ظلَّ النظام الرأسمالي وعدم المساواة التي يخلقها سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
ربما كان التضامن مع المهاجرين ومحاربة الإسلاموفوبيا والعنصرية والدفاع ليس فقط عن قيم الإنسانية والمساواة ولكن أيضًا عن وحدة مصالح الطبقة العاملة (المسلمين وغير المسلمين، البيض والسود، المهاجرين وغير المهاجرين) أهم تحدي يواجه اليسار في أوروبا وأمريكا في السنوات المقبلة.