من أطفال تايلاند إلى أطفال المهاجرين
حكومات العالم والإنسانية الانتقائية

أخيرًا تمكَّنَت فرق الإنقاذ في تايلاند من إخراج فريق الكرة الأطفال ومُدرِّبهم من داخل الكهوف حيث كانوا قد فُقِدوا منذ أسبوعين. على المستوى الإنساني شاهدنا ما يشبه المعجزة: مجموعة ضخمة من الغواصين المحترفين وخبراء الكهوف من مختلف أنحاء العالم يتعاونون أولًا لاكتشاف مكان الأطفال وسط عشرات الأميال من الكهوف والتي امتلأ أغلبها بمياه الأمطار الغزيرة، وثانيًا لإخراج الأطفال سالمين رغم الصعوبات التقنية والعملية لذلك.
إعلام العالم، خاصة الغربي، غطى هذه القصة الإنسانية تغطيةً مستمرة كالخبر الرئيسي في الأخبار. وبالطبع يبدو ذلك الاهتمام بديهيًا، فمَن مِنَّا لم يهتم بهؤلاء الأطفال وتمنَّى أن تنتهي معاناتهم تحت الأرض نهايةً سعيدة؟ ومَن مِنَّا لم يتنفس الصعداء حين تم إنقاذهم؟
ولكن ما يثير الحزن حقًا هو ذلك التناقض الصارخ بين التغطية الاستثنائية لإنقاذ أطفال الكهف في تايلاند وذلك الاهتمام الكبير بحياة وصحة كل طفل منهم من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم الاكتراث وتجاهل وفاة المئات من الأطفال الأفارقة والعرب في البحر المتوسط.
لم نر حكومات وأجهزة إعلام العالم تتكاتف لإنقاذ هؤلاء الأطفال. لم نر مئات الغواصين والسباحين المحترفين من مختلف أنحاء العالم يتسابقون لإنقاذ المهاجرين الذين يغرقون كل يومٍ برجالهم ونسائهم وأطفالهم في البحر وهم يحاولون الهروب من جحيم الحروب والفقر في بلدانهم. لم نر تلك المناقشات بين الخبراء في الإعلام حول كيفية استخدام التكنولوجيا والأدوات الحديثة لإنقاذ هؤلاء من الغرق، أو لإنقاذ سفنهم قبل أن تبدأ في الامتلاء بالماء.
رأينا في تايلاند عالمًا يتكاتف بحكوماته وإعلامه ويتعاون لإنقاذ أطفال من الخطر، ورأينا ونرى كلَّ يوم حكومات وإعلام أغنى دول العالم يتجاهلون موت موجات متتالية من البشر، بل يساهمون في قتل هؤلاء بسياساتهم ومواقفهم العنصرية المعادية للمهاجرين.