بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

التحالف السعودي-الإماراتي يواصل حملته العسكرية

اليمن: كارثة إنسانية آن لها أن تنتهي

في آخر مجازر التحالف الذي تقوده المملكة السعودية على الشعب اليمني، أفادت تقارير أن غارةً جوية شنَّها التحالف أمس الخميس استهدفت مستشفى الثورة بمدينة الحديدة المينائية المطلة على البحر الأحمر، علاوة على قصف ميناء صيد وسوقًا للسمك في المدينة، ما أودى بحياة أكثر من أربعين شخصًا وإصابة عشرات آخرين.

مضت ثلاث سنوات منذ اندلعت الحرب على اليمن. لقى الآلاف حتفهم في عمليات عسكرية مباشرة، وملايين آخرون يرزحون تحت وطأة الجوع والمرض بينما يقصف التحالف السعودي-الإماراتي المدعوم من الولايات المتحدة البنية التحتية، ويفرض حصارًا جويًا وبحريًا خانقًا. يحاول التحالف سحق المُتمرِّدين الحوثيين الذين يسيطرون على شمالي البلاد. والنتيجة هي طريقٌ مسدود غارق في الدماء، ولا أفق للخروج منه.

أشارت الأمم المتحدة مرارًا إلى أن اليمن تمثِّل الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم. خلال العام الماضي، عانت البلاد أوسع تفشٍ لوباء الكوليرا في التاريخ، إذ سُجِّلَت أكثر من مليون حالة إصابة. وفي الوقت الراهن، يقع حوالي 8.5 مليون يمني تحت تهديد الموت جوعًا. ووفقًا للأمم المتحدة، إذا استمرت حرب التحالف في اليمن فسيكون هناك حوالي 10 مليون شخص آخرين على حافة المجاعة بحلول نهاية العام الجاري. تواجه اليمن، التي يبلغ تعدادها السكاني 28 مليون نسمة، كارثةً غير مسبوقة في أيِّ بلدٍ آخر في العالم في القرن الحادي والعشرين.

خلال الشهر الماضي، دُشِّنَت مرحلةٌ جديدة من الحرب حين أطلقت المملكة السعودية والإمارات هجومًا على مدينة الحديدة المينائية على الساحل الغربي لليمن. فمنذ بداية الحرب، صارت الحديدة بمثابة شريان الحياة الرئيسي الذي تنفذ عبره كمياتٌ ضئيلةٌ من المواد الغذائية والوقود والأدوية إلى البلاد. هذا العدوان الأخير يُهدِّد الوسيلة الأخيرة التي يعتمد عليها الشعب اليمني لتفادي شبح الموت الجماعي بأعدادٍ هائلة أكبر. ولهذا السبب، كانت منظمة أوكسفام، وغيرها العديد من منظمات المعونات الدولية، تتوسَّل إلى الولايات المتحدة ألا تسمح لحلفائها بالهجوم على الميناء.

لكن في 11 يونيو الماضي، تجاهَلَ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كل تلك التوسُّلات، وأصدر بيانًا غامضًا بصورةٍ مُتعمَّدة ليُطلِق شارة البدء التي كان التحالف السعودي-الإماراتي بحاجةٍ إليها. وفي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، عرقلت الولايات المتحدة وبريطانيا قرارًا في مجلس الأمن يدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار.

احتدمت معركة الحديدة خلال الشهر الماضي، وكما هو الحال في هذه الحرب بأسرها، لم تفض المعركة إلى أي نتائج حاسمة، إذ فشلت مساعي الأمم المتحدة للتفاوض من أجل فرض الهدنة، بينما لا يرضى التحالف الذي تقوده السعودية بأقل من استسلام الحوثيين استسلامًا تامًا. وفي المقابل، يُصعِّد الحوثيون خطواتهم ضد التحالف. وكالعادة، يذوق المدنيون الأمرَّين من الحرب، وتُجبَر عشرات الآلاف من العائلات على الفرار من الحديدة في ظلِّ تدهور الأحوال من سيء لأسوأ.

جذور الكارثة

تُعد اليمن، الصغيرة كثيفة السُكَّان في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية، بلدًا مختلفًا في المنطقة من جوانب عدة. فبينما تُعتَبَر دول الخليج المجاورة (البحرين والكويت وعمان والسعودية وقطر والإمارات) ممالك غنية بالنفط، تخلَّصَت اليمن من الملكية منذ ستينيات القرن الماضي. وهي أيضًا البلد الأفقر ضمن دول الخليج أجمع. قبل بداية الحرب، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يُقدَّر بـ1572 دولار فقط. ولعقودٍ من الزمن، ظلَّت اليمن مصدرًا رئيسيًا للعمال المهاجرين، إذ يُمثِّل اليمنيون أيدي عاملة رخيصة بالنسبة للسعودية وغيرها من دول المنطقة. ويعتمد الاقتصاد اليمني على تحويلات العاملين بالخارج.

في العام 2013، دشَّنَت السعودية سياسة “سعوَدة” قواها العاملة، وتُرجِمَ ذلك في طرد أكثر من نصف مليون عامل يمني، وتشييد سياج أمني يمتد لحوالي 2000 كيلومتر على طول الحدود مع اليمن لمنع عبور اليمنيين غير المُرخَّص لهم بذلك.

يتسم تاريخ اليمن بالتقلُّب والتعقيد، فحتى العام 1990 كان منقسمًا إلى دولتين (دولة في الشمال وأخرى في الجنوب)، وكان هذا التقسيم إرثًا تركه الاستعمار الغربي وتدخُّلات الأنظمة العربية. تحقَّقَت الوحدة عبر حربٍ أهلية، ولم يقبل الكثير من أهل الجنوب قط بشرعية علي عبد الله صالح. هذا لا يعني أنه كان محبوبًا في الشمال، لكنه تمكَّن من السيطرة على مقاليد السلطة على مدار أكثر من عقدين.

أما الحوثيون، الذين يُعرَفون بـ”أنصار الله”، فقد ظهروا في التسعينيات كحركةٍ يمنية بزعامة حسين بدر الدين الحوثي. أخذت الحركة تتحوَّل من حركةٍ اجتماعية ودينية بالأساس إلى أن صارت بصورةٍ أكبر حركةً سياسية تعارض فساد حكومة عبد الله صالح والفجوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء التي دفعت ملايين اليمنيين إلى هوة الفقر.

صارت الحركة أكثر راديكالية في مطلع الألفية مع شنِّ الحرب على العراق، إذ كان عبد الله صالح حليفًا آنذاك لسياسة “الحرب على الإرهاب” التي دشَّنها جورج دابليو بوش، في حين رآه الحوثيون منبطحًا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية. وفي العام 2004، اغتيل حسين الحوثي على يد قوات عبد الله صالح، لتنتقل قيادة الحركة إلى أبنائه الأصغر وأتباعهم الذين شنوا حربَ عصاباتٍ مُتقطِّعة ضد الحكومة المركزية.

ثم وصلت نيران الربيع العربي إلى اليمن في 2011. وكما كان الحال في غيرها من البلدان، كانت الانتفاضة اليمنية حقًا تعكس الكثير من الحركات التي تنخرط بعضها في صراعاتٍ ضد أخرى. كان هناك نسويون، ونشطاء ديمقراطيون، واشتراكيون، وانفصاليون جنوبيون، ومُتمرِّدون شيعة، ومقاتلين سُنَّة، وقد تنوَّعَت مطالبهم لكنهم كانوا مُتحدين في رفض فساد نظام عبد الله صالح واللامساواة المتزايدة في المجتمع اليمني. كانت الاحتجاجات خاليةً من العنف في معظمها، ونجحت في إجبار قوات عبد الله صالح على التراجع.

تنازل عبد الله صالح عن السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، فيما لم يحظ الأخير بشعبيةٍ هو الآخر نتيجة عجزه عن تحسين حياة اليمنيين العاديين ماديًا. كان منصور هادي يُمثِّل في أعين الكثيرين مصالح دول الخليج الغنية أكثر من مصالح بلده. وكان يُنظَر لسماحه بأن يُنفِّذ باراك أوباما ضرباتٍ بطائرات دون طيَّار ضد أهدافٍ إرهابية مزعومة في اليمن باعتبار أن ذلك انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية.

في العام 2014، انفجرت انتفاضةٌ شعبية أخرى تبعت ما شهدته أسعار الوقود من تضاعف، وفي خضم ذلك سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء. أُجبِرَ منصور هادي على الاستقالة وهرب إلى مدينة عدن في الجنوب حيث أعلن تراجعه عن استقالته. ثم شنَّت السعودية والإمارات، واتئلافٌ من قوات المرتزقة، تدخُّلًا عسكريًا بغية إعادة تنصيب منصور هادي رئيسًا للبلاد.

عاني الملايين من الناس أشدَّ المعاناة، في حين لم تطرأ على الساحة السياسية إلا القليل من التغييرات. واصَلَ الحوثيون سيطرتهم على صنعاء والجانب الشمالي الغربي من البلاد، وهي المنطقة التي يقطنها ثلاثة أرباع سُكَّان اليمن. وحتى في الجنوب، لا يحظى منصور هادي إلا بقليلٍ من التأييد، وقد قضى معظم فترة الصراع في المملكة السعودية.

الولايات المتحدة والتحالف السعودي-الإماراتي

تمتَّع تحالف السعودية والإمارات منذ البداية بدعمٍ من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، بما في ذلك فرنسا وكندا وبريطانيا.

في العام 2015، أعطى أوباما الضوء الأخضر للتدخُّل السعودي-الإماراتي العسكري. وعلاوة على الغطاء الديبلوماسي الذي وفَّرَته الولايات المتحدة، فقد باعت للتحالف كذلك أسلحةً بمليارات الدولارات، وشاركتهم المعلومات الاستخباراتية، ومنحتهم طائرات الإمداد بالوقود جوًا. وشاركت قوات خاصة أمريكية -لم يُفصَح عن عددها- في القتال في صفِّ التحالف. ولتبرير هذا الدور في المذبحة، عَمَدَ المسئولون الأمريكيون مرارًا إلى تشويه حقيقة الصراع. ففي ديسمبر 2017، ألقت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، خطابًا يدَّعي أن الحوثيين كانوا يستخدمون أسلحةً من إيران لضرب المملكة السعودية، فيما اعترضت على ذلك لجنةٌ مستقلة من الخبراء قالت إن ما مِن سببٍ لاستنتاج أن شظايا الصواريخ التي عرضتها هالي إيرانية الصنع.

وبالتوازي مع ذلك، كانت إدارة ترامب تبحث عن حججٍ للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي عُقِدَ في العام 2015. وكجزءٍ من سياسة الصقور الأمريكية، سَعَت الولايات المتحدة لتصوير الحوثيين باعتبارهم وكلاءً لإيران. وبالطبع تكمن أغراضٌ أخرى وراء ذلك أكثر مِمَّا هو يبدو ظاهرًا.

باعتبارهم حركةً شيعية مُسلَّحة، فإن لدى الحوثيين بعض الصلات الأيديولوجية مع النظام الإيراني، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله في لبنان. وتُستَلهَم بعضٌ من دعايتهما من إيران نفسها. في حين أن الحوثيين، على عكس كلٍّ من إيران وحزب الله، يتبعون المذهب الزيدي، وهو رافدٌ من الإسلام الشيعي الذي يتواجد تقريبًا بصورةٍ حصرية شمالي اليمن.

لكن الانخراط في تحالف يختلف عن الإذعان التام مثل الدمية في يدِ إيران. فقد أبرز الحوثيون استقلالًا عن إيران في السابق، على سبيل المثال حين نصحتهم طهران في العام 2014 بعدم الاستيلاء على العاصمة صنعاء بينما تجاهَل المُتمرِّدون النصيحة الإيرانية.

وبالنظر إلى الحصار السعودي المُحكَم على اليمن، من الصعب تصديق أن إيران ستتمكَّن من تهريب أسلحة بكمياتٍ كبيرة إلى هناك، فضلًا عن أن الحوثيين ليسوا بالضرورة في حاجةٍ لهذه الأسلحة، إذ أن اليمن مغمورةٌ بالسلاح منذ زمنٍ طويل -ويرجع ذلك إلى حدٍّ ليس هيِّنًا إلى تجارة الأسلحة أمريكية الصنع هناك.

ما يجري في اليمن اليوم سيُكتَب في التاريخ كأسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. هذه الكارثة لم تكن قدرًا، بل هي بالكامل من صنع طواغيت الخليج. إن ضعف الانتباه إلى ما يحدث في اليمن يُصعِّب بناء حركة مناهضة للحرب هناك، لكن العقبة الرئيسية في بناء مثل هذه الحركة تكمن في قمع أنظمة المنطقة العربية لشعوبها. لذا فإن المهمة الأولى على اليسار هي فضح هذه الجرائم المأساوية في هذا البلد الفقير.