نحو الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

في ظل انشغال الإعلام العالمي بجريمة النظام السعودي في قنصلية إسطنبول وتبعاتها السياسية والاقتصادية، أحيا الفلسطينيون الجمعة الـ30 لمسيرة العودة في تحدٍ ثوري لواقع الاحتلال والحصار وعلى الرغم من سقوط أكثر من 200 شهيد وآلاف الجرحى حتى الآن.
تظل المقاومة الفلسطينية عبر العقود وفي أشكالها المختلفة مصدرًا للرعب للأنظمة العربية وعلى رأسها النظامين السعودي والمصري لما تشكله من إلهام وتشجيع لمقاومة الجماهير العربية لأنظمتها المستبدة.
مسيرات العودة هذه قد اندلعت بعد ثمان سنوات من الحصار الاقتصادي المميت وثلاث حروب مدمرة شُنَّت على القطاع منذ 2007. وقد ظل الاحتلال الصهيوني، يُستَخدَم قطاع غزة كحقل تجارب لما يريد تنفيذه في الضفة الغربية، وهو مزيج بين أكبر درجة من التحكم مع أقل درجة ممكنة من المسئولية. وكل ذلك تحضيرًا لما يجري تخطيطه لدولة صهيونية موحدة مع جزر فلسطينية معزولة ومحاصرة.
وعلى الرغم من أن الظروف في الضفة الغربية لم تصل بعد للحالة الكارثية في قطاع غزة، فهي أيضًا أوضاع لم تعد محتملة لغالبية سكان الضفة. لم يعد سكان الضفة يحتملون فساد وفشل محمود عباس والسلطة الفلسطينية وقد أصبح مكروهًا ومرفوضًا من غالبية جماهير الضفة. ففي استطلاعات الرأي الأخيرة عبَّرَ أكثر من 60٪ من سكان الضفة أنهم يريدون استقالة أو إقالة محمود عباس و75٪ يرون أن أوسلو وعملية السلام هي السبب في المآسي الفلسطينية الحالية.
كانت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى هي دهس سيارة إسرائيلية لمواطنين فلسطينيين في مخيم لاجئين في 1987. أما الانتفاضة الثانية فقد اندلعت بعد دخول آريل شارون لباحة مسجد الأقصى في عام 2000. وربما تكون الشرارة هذه المرة في ما يشبه إعلان حالة الحرب من قبل دونالد ترامب والإدارة الأمريكية على الشعب الفلسطيني، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع المساعدات الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتعيين ديفيد فريدمان سفيرًا أمريكيًا، وهو صهيوني متطرف ومؤيد لتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وطبقًا لقناة التلفزيون الإسرائيلية فقد حذر رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي، جادي أيزنكوت، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية يتجاوز 80%.
وفي كل الأحوال علينا الاستعداد لانفجار جديد للغضب الفلسطيني في غزة وفي الضفة. وهذا الغضب سيُواجَه بعنفٍ صهيوني غير مسبوق، بدعم وتأييد كامل من الإدارة الأمريكية. مسيرات العودة هي بمثابة بروفات أولية للانتفاضة الفلسطينية القادمة. المقاومة الفلسطينية تعرف ذلك والصهاينة يعرفون ذلك جيدًا. أما الأنظمة العربية، التي تشارك إسرائيل في محاصرة الشعب الفلسطيني ومحاولة خنق المقاومة، فيُشكِّل ذلك الاحتمال بالنسبة لها مصدرًا دائمًا للرعب.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا علينا عمله هنا في مصر؟ أليس علينا إعادة إحياء كافة أشكال التضامن مع الشعب والمقاومة الفلسطينية؟ ألا يُشكِّل ذلك فرصة للخروج من حالة الركود والشلل السياسي التي نعاني منها؟