بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ما بعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية: ما هي الخطوات التالية للاشتراكيين؟

يناقش الاشتراكيون حاليًا الإستراتيجية والفرص المتاحة في أعقاب الانتخابات النصفية. يعلق تود كريتيان على ما يستدعيه الأمر منا “من تفكير  بشكل أوسع والتنظيم بشكل أوسع.

بعد عامين من رئاسة ترامب، يجب أن تكون بعض الأمور قد أصبحت واضحة.

ترامب لن يتراجع. إنه يعلم أنه لا يتمتع بدعم الأغلبية، وقد تنبه إلى أنه لا يحتاج إليه. في اليوم التالي للانتخابات، أقال المدعي العام جيف سيشنز واختار أن يشن هجومًا على التلفزيون الوطني على مراسل سي إن إن، جيم أكوستا، بينما صعَّد من مزاعمه بأن المهاجرين من أمريكا الوسطى الذين يفرون من الفقر والعنف يشكلون “غزوًا” وأن الصحافة هي “عدو الشعب”.

رسالة ترامب؟ أنا قوي. أمريكا أولًا. سأفوز في عام 2020.

لقد سيطر ترامب على آليات السلطة للحزب الجمهوري، وعبَّأ قاعدةً أكثر ثقة وعدوانية. بالطبع، ليس كل ناخبي ترامب عنصريين ومتعصبين ضد المهاجرين وكارهين للنساء. لكن الملايين منهم كذلك، ويزدادون قوة.

منذ انتخابه، تحدث ترامب في 65 مسيرة حاشدة أمام مئات الآلاف من المعجبين المتيَّمين به. ومنذ أحداث “وحِّدوا اليمين” القاتلة في في شارلوتسفيل في صيف عام 2017، ارتفعت معدلات جرائم الكراهية بشكل كبير وتنامت الجماعات اليمينية المتطرفة. وإذا كانت قاعدة ترامب الجماهيرية تتمركز بين الطبقات الوسطى، فقد توغلت بعمق في أقسام من الطبقة العاملة البيضاء كذلك.

تبددت الأوهام الليبرالية عن الدولة العميقة أو تدخُّل رأسماليي وادي السليكون “لتأديب” ترامب وسط إجراءات جارفة من زيادة إنفاق البنتاغون وخفض الضرائب على الأغنياء. قد لا يكون بعض بيروقراطي الدولة الأمنية والمليارديرات “معجبين” به، لكن معظمهم تعلم أن “يُقدِّر” ترامب.

ويجب أن ندرك الآن أيضًا أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الحالية والمستقبلية، سوف تمضي العامين المقبلين ساجدة أمام محراب الثنائية الحزبية.

من الجدير بالاهتمام أن تعهُّد يبلوسي “بالتواصل عبر الممر” سوف يكون المبدأ التنظيمي الحاكم بين قيادات الحزب الديمقراطي. هناك تمرد اشتراكي يتخمر على يسار الحزب، إلا أن قيادات الحزب لا زالت تسيطر بشدة على حصنها الأساسي. الانتخابات تكشف ذلك بوضوح.

لنضع في الاعتبار أن كلًّا من بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، لهما أهداف محددة للغاية. إنهما يريدان قلب بعض أصوات الهيئة الانتخابية من أجل تولي الرئاسة، وربما مجلس الشيوخ، في عام 2020.

ماذا سيفعلون بكل هذه السلطة؟ سوف يرسمون مسارًا نحو مجتمع أكثر تكافؤًا وعدلًا، مجتمع يستند إلى الاحتياجات الانسانية بدلا من جشع الشركات.. إنني أمزح. بل هدفهما هو العودة إلى النيوليبرالية التقليدية، أي نفس الوضع الذي خلق حالة عميقة من الاستياء والإحباط التي غذَّت بذور الترامبوية في المقام الأول.

✳✳✳✳

ولكن ماذا عن التمرد الاشتراكي؟

على مدى عقود ناضل الاشتراكيون للإجابة على أسئلة وجودية من شاكلة “أن نكون أو لا نكون”. اليوم، وبفضل الركود العظيم، وحركة احتلال الميادين، والدفاع عن حيوات السود (Black Lives Matter)، والانهيار البيئي، وحملة بيرني ساندرز وغيرها، أعلن عشرات الآلاف أننا سوف “نكون”. الآن سؤالاً نواجه جديدًا: ماذا سوف “نفعل”؟

من جانبه، يشير ساندرز إلى تاريخ الطبقة العاملة والحركات الاجتماعية، ويُحسَب له إلى حدٍّ كبير أنه أحد السياسيين القلائل المستعدين لاتخاذ مسار الاحتجاج. ومع ذلك، فإن تركيزه الأساسي باعتباره اشتراكي ديمقراطي تقليدي هو تحويل ميزان القوى داخل الحزب الديمقراطي نحو اليسار من خلال الخروج من التصويت وكسب مرشحين تقدميين.

يرى ساندرز أن العمل التشريعي والانتخابات هما مجال العمل “الرئيسي”، الذي يحدده قياس بسيط يخص المجال الذي يضع فيها أمواله وطاقته ودعمه.

ومع ذلك، وكما أظهرت انتخابات التجديد النصفي، حافظ الديمقراطيون الليبراليون الوسطيون والتقليديون على ميزة كبيرة على المرشحين التقدميين، وميزة أكبر على المرشحين الاشتراكيين العلنيين داخل الحزب. كيف يؤثر ذلك في عام 2020 على حملة ساندرز الرئاسية، فهذا سؤالٌ ينتظر إجابة، غير أن ساحة اللعب ليست مستوية.

بالإضافة إلى يسار ساندرز، يرى الاشتراكيون الديمقراطيون أعداءهم السياسيين في قيادة الحزب الديمقراطي.

في مقال نُشِرَ يوم الانتخابات، كتب الناشر على موقع جاكوبن (Jacobin)، باسكر سونكارا، أنه “متشكِّكٌ” بشأن إصلاح الحزب، لكنه يجادل بأن على الاشتراكيين أن يعملوا من خلال أصوات اقتراع الحزب الديمقراطي من أجل انتخاب “عشرات المرشحين الوطنيين” (وحتى المزيد من المرشحين على مستوى الولاية ومحليًا) مستلهمين فوز أعضاء الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين ألكسندرا أوكاسيو-كورتيز، ورشيدة طليب، بمقاعد الكونجرس في نيويورك وميتشيجان.

وقد يقوم هؤلاء المسئولون المُنتخبون، ربما في وقت مبكر من عام 2023، بتأسيس “تجمع اشتراكي” من أجل “تشجيع صراع طبقي أوسع، واعتباره مصدرًا لقوتهم وهم يضعون سياسات لصالح المواطنين العاديين”، كما كتب سونكارا.

يشعر سونكارا بالقلق من السياسيين، حتى الاشتراكيين منهم، الذين يصبح التواصل معهم صعبًا بمجرد حصولهم على المنصب، ومن ثم يقترح تنظيم “هيكل كامل” لإبقائهم محل محاسبة و”حزب مستقل -متجذر في أماكن العمل وفي الشوارع- قادر على تهديد رأس المال بصورةٍ أكثر جذرية”. ويقترح أن هذا الطريق هو السبيل الوحيد لتحويل الاشتراكية إلى “قوةٍ قادرة على إنهاء المعاناة واليأس التي يواجهها الكثيرون اليوم. ”

✳✳✳✳

هل يعني هذا أن الحملات الاشتراكية لا قيمة لها إلا في حالة فوزها؟ لا على الإطلاق، تقول ميجان داي، الكاتبة وعضوة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأمريكي، حيث كتبت في “جاكوبن”: “حتى عندما لا يفوز المرشحون اليساريون بشكل صريح في الانتخابات، فإن خسائرهم لن تكون تامة إذا كرَّسوا حملاتهم لتوضيح ونشر الأفكار التقدمية والاشتراكية الديمقراطية على نطاق جماهيري”.

هذه فكرةٌ مهمة، لأنها تحذر من الضغوط المستمرة في المنافسات الانتخابية -خاصة الانتخابات الأمريكية التي تركز على المرشحين الأفراد- للفوز بأي ثمن.

ينبغي على الاشتراكيين المشاركين في الانتخابات، مثل ساندرز، أن يدافعوا عن “أفكار من شأنها أن تغير حياة العاملين، إلا أن القليلين من الديمقراطيين كانت لديهم الجرأة على طرحها بشكل علني، من الرعاية الطبية للجميع إلى مجانية الدراسة الجامعية إلى العفو عن ديون الطلاب”، كما كتبت داي. وبذلك، يمكنهم المساعدة في تغيير الوعي.

ومع ذلك، إذا كان سونكارا يجادل بأن “المجال الانتخابي يبدو أنه المجال الأفضل لنشر السياسات اليسارية، على المدى القصير على الأقل”، يحذر نيل ماير في “النداء” (The Call)، من أن الساحة مكدسة ضد المرشحين الاشتراكيين. إذ كتب: “ارتفع تمثيل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأمريكي في المجالس التشريعية للولايات من 3 إلى 10 على الأقل، بما يمثل انخفاضًا في إجمالي الـ 7383 مقعد تشريعي حكومي في البلاد”.

والأسوأ من ذلك، خسرت عضوة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأمريكي جوفانكا بيكليس، في الدائرة التشريعية الأكثر تقدمية في الدولة، (في منطقة إيست باي، بما في ذلك أوكلاند وبركلي)، أمام بافي ويكس، وهي موظفة سابقة في حملة هيلاري كلنتون، تفتخر بالإشارة إليها بأنها “بافي قاتلة بيرني”، بنسبة 56 إلى 44 في المائة، أو ما يقرب من 50 إلى 40 ألف صوت.

وغني عن القول أن ويكس كانت مغمورةً بأموال لحملتها من كبار الشخصيات في الحزب الديمقراطي، ولكن هذا السباق يبرهن على أن الديمقراطيين العاديين والليبراليين ليسوا جميعهم كسالى عندما يواجهون منافسين اشتراكيين ديمقراطيين.

حتى لو كنا، مثل ماير، نريد المزيد من “مقاتلين طبقيين يحاربون خلف خطوط العدو” في الكونغرس ومجالس المدن والمجالس التشريعية في الولايات، يجدر بنا أن نسأل ما هو نوع الطاقة والوقت والمال الذي ينبغي أن يخصصه اليسار لهذا الاحتمال.

✳✳✳✳

يطرح هذا النقاش سؤالين:

أولاً، ما هي العلاقة بين إدارة الحملات الاشتراكية المستقلة وإدارة حملات اشتراكية على الأرضية الانتخابية للحزب الديمقراطي؟

يرى كلٌّ من سونكارا وداي وماير أن المشاركة على الأرضية الانتخابية للحزب الديمقراطي هي وسيلة ملائمة للتحضير لحزب مستقل، ولا أحد منهم ضد الحملات الاشتراكية المستقلة من حيث المبدأ. ولكن الآن بعد أن أصبح لدينا مرشحان مدعومان ببرنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الكونجرس، فإن الإجابة على هذا السؤال سوف تتطلَّب منحىً جديدًا.

في مقال سابق في “العامل الاشتراكي” كتبت أن تبنِّي “المشاركة التكتيكية في الحزب الديمقراطي والتركيز غير المناسب على الحملات الانتخابية” سوف يؤدي عاجلاً أم آجلاً -وأنا أميل إلى التفكير بأنه عاجلاً، قبل وقت طويل من عام 2023– إلى خلق عقبات شائكة أمام تأسيس حزب مستقل، حيث أن السياسيين (مرة أخرى، حتى الاشتراكيين منهم) يميلون إلى التكيُّف مع محيطهم.

ومع ذلك، ستكون هناك الكثير من الفرص لاختبار نجاحات ومآزق هذه الإستراتيجية من الناحية العملية.

كذلك هناك سؤالٌ مماثل في الأهمية، عادة ما يُهمَّش في النقاشات الاشتراكية حول الانتخابات، وهو ما هو دور الانتخابات في ما يتعلَّق بالنضال الاجتماعي والطبقي؟

يركز ساندرز تقريبًا على الحملات الانتخابية فقط، في حين أن الكُتَّاب الاشتراكيين الديمقراطيين الذين نقلت عنهم هنا يولون ثقلًا أكبر على الفعل النضالي. يختتم ماير تقييمه لعام 2018 من خلال القول: “يجب أن تكون خطواتنا المباشرة التالية هي أن نركز على تعزيز حملات الحركات الاجتماعية لإعادة توزيع [الثروة] والحرية”.

هذا صحيح تمامًا من وجهة نظر اشتراكية ثورية، ويجب أيضًا أن نضيف التركيز على بناء حركة تضامن مع قافلة المهاجرين من أمريكا الوسطى، متحدين لمحاربة اليمين المتطرف والنزول إلى الشوارع للدفاع عن المتحولين جنسياً من هجمات ترامب، والتضامن مع الكفاح العمالي الذي يُخاض الآن ومستقبلًا من قبل المعلمين والممرضات وعاملي الفنادق وموظفي جوجل واتحاد عمال الطرود وغيرهم.

في مقال نُشِرَ على كلٍّ من جاكوبين والعامل الاشتراكي، يؤكد كيانجا ياماهتا تيلور على هذه النقطة:

“بتعبير أدق، التصويت ليس كافياً … بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أننا كمجتمع يمكن أن نهيم في البرية السياسية دون مُستَقَر، نفقد أحيانًا ونكسب أحيانًا، أود أن أدعوكم إلى النظر إلى ما وراء حدود هذا البلد. فلننظر إلى البرازيل. فلننظر عبر أوروبا. الصعود المطرد لليمين أمرٌ حقيقي. تهديد الفاشية حقيقي. انهيار المناخ حقيقي. كلُّ هذا يتطلَّب تحولًا نوعيًا في توقعاتنا ومطالبنا السياسية. علينا أن نفكر بشكل أوسع، علينا أن ننظم بشكل أوسع. إن ذلك يتطلَّب ما هو أكثر من الخروج للتصويت. الآن يجب أن يستمر العمل الشاق”.

✳✳✳✳

لا شك أن الاشتراكيين الديمقراطيين والاشتراكيين الثوريين يتفقون على الحاجة الملحة لمواجهة الأزمات التي نواجهها بشكل جماعي.

ولكن هنا، يشير تايلور إلى رؤية ثورية اشتراكية تتحدى مفهوم توجه الاشتراكيين الذي يتحول، بحسب اللحظة، بين الصراع الاجتماعي والطبقي من جهة والحملات الانتخابية من جهة أخرى.

لا يجوز أن ينظر الاشتراكيون إلى الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية والاعتصامات والتمردات الشعبية والتضامن الحدودي كوقود خام تستمد منه الحملات الانتخابية الاشتراكية طاقتها فحسب، كما يقترح سونكارا عندما كتب أن “الصراع الطبقي الأوسع” هو “مصدر [قوة الاشتراكيين المنتخبين] وهم يتابعون السياسات لصالح الناس العاديين “.

في النهاية، كما كتبت روزا لكسمبورج: “أينما وُجِدَت قيود رأس المال، لابد من تحطيمها”.

أعتقد أن سونكارا يعرف هذا الاقتباس جيدًا، ويؤمن، بقدر ما أؤمن أنا أيضًا، بأنه صحيح. وبالنظر إلى أن مقالته ركزت على الانتخابات، فأنا لا أريد أن أبدأ نزاعًا بلاغيًا حول الصياغة.

ومع ذلك، من الملاحظ أن أيًّا من المقالات المذكورة أعلاه من قبل الاشتراكيين الديموقراطيين البارزين -مرة أخرى، وهو ما يؤكد حقيقة تركيزهم على الانتخابات- لم يأتِ على ذكر الموجة الأخيرة من الإضرابات بين عمال الفنادق والمعلمين وغيرهم، ولا قوافل المهاجرين من أمريكا الوسطى، أو مذبحة شجرة الحياة (Tree of Life massacre) في بيتسبرغ وما تلاها من هبة التنظيم المناهض للفاشية أو الاحتجاجات ضد تعيين بريت كافانوه.

إذا أردنا “تهديد رأس المال بشكل أكثر جوهرية” علينا أن نتعلم كيف نقاتل على جبهات متعددة في نفس الوقت، وأي حزب اشتراكي مستقل نبنيه معاً يجب أن يكون قادراً على القيام بذلك.

نعم، الانتخابات مهمة، ويجب أن يجد الاشتراكيون طريقة لدخول هذا المجال. لكن الاشتراكيين الديمقراطيين والاشتراكيين الثوريين -وكل من يفهم المخاطر التي نواجهها- لا يمكنه الانتظار حتى عام 2020 ” للتفكير بشكل أوسع والتنظيم بشكل أوسع”، كما يطالب تايلور.