بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الجزائر: انشقاقات الطبقة الحاكمة وفرص الحراك

ينظر الكثيرون بعين الريبة للحراك الحالي ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة متوجسين كونه صراع بين أجنحة مختلفة في الطبقة الحاكمة الجزائرية.

ليس سرًا بأن هناك قطاع من النخبة الجزائرية يريد التخلص من بوتفليقة لأسباب عديدة، فهم يرون حالته الصحية المتردية وينتظرون موته في أي لحظة ويرون وجوب التحرك سريعًا لضمان انتقال سلس للسلطة يحفظ مصالحهم، وهناك أيضًا من هو غاضب من احتكار السلطة والثروة في دائرة ضيقة من بوتفليقة وعائلته وعدد من الجنرالات ويريد نصيبًا من الكعكة.

وإلا كيف نفسر مشاركة أغنى رجل في الجزائر، يسعد ربراب، في المظاهرات؟ أو تمرد القضاة الجزائريين وتهديدهم برفض الإشراف على الانتخابات حال ترشح بوتفليقة؟ أو تردد الشرطة الجزائرية المشهورة بوحشيتها في استخدام القبضة الحديدية لوأد المظاهرات؟ (نعم كانت هناك بعض اشتباكات وقنابل غاز في حالات ولكن هذا يعتبر لا شيء بمعايير الأمن الجزائري الذي لم يتورع في الماضي عن استخدام الرصاص الحي وتجريم أي تظاهر بالعاصمة). وكيف نفسر تغطية التلفزيون الحكومي الجزائري للمظاهرات؟

نعم هناك انشقاقات وارتباك في صفوف الطبقة الحاكمة الجزائرية. هل هذه أخبار سيئة أم جيدة لمن يريدون تغييرًا جذريًا في الجزائر؟

البعض غارق حتى أذنيه في نظرية المؤامرة، ويرى أن أي حركة بالشارع وكل نفس يتنفسه الإنسان وراءه جهازٌ أمني يحركه ويستفيد منه جناح في الدولة.
على سبيل المثال أدت الهزيمة والإحباط بين قطاع من الثوار في مصر إلى انتشار سردية أن ثورة يناير وكل ما كان يحدث قبلها كان بموافقة وتشجيع الجيش الذي لم يكن متحمسا لجمال مبارك ولمشروع التوريث.

ولكن في الحقيقة المشهد في الثورات وحراك الشارع أعقد من ذلك، والبشر أعقد من كونهم عرائس مربوطة بخيوط تنزل الشارع وقتما تقول الآلهة لهم إنزلوا ويعودون لمنازلهم فورما تقول الآلهة إرجعوا.

منذ قرن من الزمان أشار الثوري الروسي ڤلاديمير لينين إلى أن أحد أهم الشروط الموضوعية لقيام ثورة حدوث انشقاقات أو خلافات حادة بين أفراد ومؤسسات الطبقة الحاكمة، أي إن تلك ظاهرة قديمة فهمها وشهدها الثوار في أرجاء الكوكب.

تخلق الخلافات في الطبقة الحاكمة فرصةً للحراك يجب على أي ثوري اغتنامها. ويذخر التاريخ بأمثلة لحراكات بدأتها أجهزة أو أجنحة في النخبة وببساطة الأمور تطورت وخرجت عن أيديهم في النهاية. من أشهر تلك الأمثلة التاريخية ثورة 1905 في روسيا التي بدأت بمسيرة عمالية إلى قصر القيصر يقودها قس يعمل مخبرًا للشرطة السرية!

حراك الجزائر الحالي قد يكون مَرضيًّا عنه من قطاعٍ من النخبة، ولكن الجماهير التي احتشدت في الشوارع في أقوى موجة مظاهرات منذ 2011 أغلبها من الشباب التي لم تعاصر “العشرية السوداء” ولا تكبح تطلعاتها بسبب بارانويا الحرب الأهلية والمجازر، ونجاحهم في إيقاف ترشح بوتفليقة فتح شهيتهم لتعلية سقف مطالبهم وها نحن نرى استمرار المظاهرات والإضرابات وسط دعوات لـ”ذهاب النظام بأكمله”. وهذا دائمًا رهان أي ثوري. نعم يجب أن نبقى حذرين طوال الوقت ونحاول فهم ديناميات الحراك ومن يقف في صف من، ولكن دور أي ثوري هو محاولة تجذير الحراك واستغلال الفرصة المتاحة.

كل التضامن مع شعب الجزائر في حراكه.