الحكومة الفرنسية تستدعي الجيش في محاولة لوقف مد السترات الصفراء

رحَّبَ وزير الداخلية الفرنسي، السبت الماضي، بتصعيد قمع الدولة لإبعاد المتظاهرين عن جادة الشانزليزيه الفاخرة بباريس، وهو ما يؤكد أزمة الحكومة الفرنسية التي عصفت بها احتجاجات السترات الصفراء. لم يبرح المتظاهرون أماكنهم، فيما كانت القوات لا تزال في الشوارع، وألحقت الشرطة إصاباتٍ جسيمة بالمتظاهرين، في حين لم يُنظَر في أيٍّ من شكاوى المحتجين، لكن وزير الداخلية كريستوف كاستانير قال: “حافَظنا على النظام”.
في خلال الأسبوع الماضي تعرَّضت العشرات من المحال الفاخرة للهجوم. وهذا الأسبوع حشدت الدولة عشرات الآلاف من قوات الشرطة ووحدة “سونتونيل” التابعة للجيش، لاعتراض السبت التاسع عشر الناجح لتظاهرات السترات الصفراء.
أُنشِئت وحدة “سونتونيل” العسكرية بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في باريس عام 2015. ويرتدي أفرادها الزي العسكري والسترات الواقية من الرصاص ويتسلَّحون بالبنادق الحية. وقال الجنرال برونو لو راي، الحاكم العسكري لباريس: “سيُسمَح لهؤلاء الجنود بـ”فتح النيران” ضد “السترات الصفراء” إذا رأوا أن هناك تهديدًا على الأرواح”.
وأخبر مصدرٌ بوزارة الداخلية صحيفة لو باريزيان، في تصريحٍ مُروِّع: “سيكون من الضروري علينا تحمُّل المسئولية، حتى إذا تلقَّى أحد أفراد البلاك بلوك الذين يشعلون النيران في مطعم “فوكيه” طلقةً تصيبه بشللٍ رباعي”.
إلى جانب وضع هذه التهديدات في الاعتبار، لا يزال نزول أعداد كبيرة من الناس إلى الشوارع يمثِّل إنجازًا غير مسبوق، ودليلًا على عمق الغضب ضد حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون. حتى الإحصاء الرسمي للدولة أظهر زيادةً في أعداد السترات الصفراء لتصل إلى 40 ألف متظاهر في جميع أنحاء فرنسا، مقارنة بـ32 ألفًا في الأسبوع السابق. بينما رصدت السترات الصفراء 127 ألف متظاهر.
لم يتمكن المحتجون من التظاهر في جادة الشانزليزيه، ولكنهم غمروا المناطق المحيطة بكنيسة ساكريه كور في حي مونمارتر. وهذا له دلالةٌ رمزية كبيرة، إذ شُيِّدَت كنيسة ساكريه كور من الأصل بغرض “التكفير عن جرائم الكوميونة” -وهي انتفاضة العمال الباريسيين في العام 1871 التي استولت على السلطة لفترةٍ وجيزة وقدَّمَت رؤيةً ثورية لشكل مختلف للمجتمع.
قال عاملٌ بالسكة الحديدية يُدعى آلين، لصحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية: “الذهاب إلى مونمارتر، على الأقل بالنسبة للكثيرين منا، وسيلة لقول أننا لن نستسلم ونحن لسنا آسفين وسوف نستعيد باريس من اليمين والمحافظين”.
لم يقتصر اعتداء الدولة على السترات الصفراء على باريس. فقد تولى كريستيان إستروسي، عمدة مدينة نيس اليميني، مسئولية الترتيبات الأمنية في مدينته شخصيًا، إذ ترأس أكثر من 80 عملية اعتقال ومهمة لشرطة مكافحة الشغب، التي تسبَّبت في إصابة متظاهر سلمي بجراحٍ خطيرة. إذ أُصيبَت جينيفيف ليجاي (73 عامًا) بكسور متعددة في الجمجمة. وأعلن محامي أسرتها أنهم سوف يرفعون دعوى قضائية على الشرطة وأولئك الذين أعطوهم الأوامر.
إذا سُمح لماكرون بالإفلات بمثل هذه التدابير الأمنية، فسوف يُشكِّل هذا تهديدًا لكلِّ متظاهر ولكلِّ نقابي. لابد أن تنضم قوى أخرى إلى السترات الصفراء لدعم مطالبهم وحماية الحق في المعارضة.
أفاد بيانٌ أصدرته العديد من المنظمات اليسارية الأسبوع الماضي بأن “عتبةً جديدة تجاوزتها الحكومة بانجرافها السلطوي؛ لا يمكن للديمقراطية أن تقبل أن يواجه الجيش الشعب كما لو كان هو العدو، كما لو أن حربًا أهلية قد أُعلَنَت. أصبح الحق الأساسي في الاحتجاج بكلِّ وضوحٍ تحت التهديد”. لابد لمثل هذه الكلمات أن تتحوَّل إلى أفعال لا هوادة فيها -إضرابات ودعم جماهيري للسترات الصفراء.
أضاف آلين: “خلال الأسبوع الماضي، نُظِّمَت إضراباتٌ عمالية لمدة يومٍ واحد، وكان ناجحًا للغاية، لكن يجب أن يكون أكبر بكثير؛ فهذه أزمة. لقد أعطت السترات الصفراء صوتًا لأولئك الذين تم إسكاتهم، ولكننا نستطيع الفوز أكثر إذا تنامت الإضرابات واستمرت لأكثر من يوم واحد”.
وجاء في بيانٍ لحزب مناهضة الرأسمالية الجديد الاشتراكي الثوري: “تُظهِر حركة السترات الصفراء التمرُّد الشعبي ضد عالمٍ منقلب رأسًا على عقب؛ إذ جنت أكبر 40 شركة في فرنسا 80 مليار يورو من الأرباح في سنة 2018 بينما يعيش 8.8 مليون شخص في البلاد تحت خط الفقر”.
شهدت فرنسا في الأسابيع الأخيرة احتجاجاتٍ ضخمة ضد فوضى المناخ، ودعمًا للانتفاضة الجزائرية ولحقوق المرأة، وكذلك مسيرات السترات الصفراء أيضًا. وتوحيد هذه الاحتجاجات معًا قادر على الإطاحة بماكرون بالرغم من كل القمع الذي يمارسه.
– هذا التقرير مترجم عن صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية.