عام على انطلاق مسيرات العودة
القضية الفلسطينية في الصدارة مجددًا

يأتى 30 مارس هذا العام وسط أجواء مشحونة في قطاع غزة بسبب سياسات التجويع والإرهاب التي يمارسها جيش الاحتلال ضد سكان قطاع بتواطؤ السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، ويوافق مرور عام كامل منذ بدأت ملحمة مسيرات العودة المتواصلة.
في يوم الجمعة 30 مارس من العام الماضي كانت البداية، حين انتشرت دعوات بين جماهير قطاع غزة للحراك السلمي في الذكرى السنوية الثانية والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني، وتزامنت الدعوات مع قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها الى القدس.
قوبل الحراك السلمى بهمجية جيش الاحتلال المعهودة والتي أسفرت عن استشهاد 133 من الفلسطينيين حسب أحدث إحصائية أعلنتها وزارة الصحة في قطاع غزة. وحتى كتابة هذا المقال، وثقت الوزارة إصابة 14811 بين جروح مختلفة واختناقات بالغاز، مشيرةً إلى أن 6836 مصابًا عولجوا ميدانيًا في النقاط الطبية، و7975 استدعت إصاباتهم النقل للعلاج بالمستشفيات.
أشارت الإحصائيات إلى أن 15 طفلًا دون سن الثامنة عشر استشهدوا، فيما استشهدت امرأة واحدة. وأصيب 2525 طفلًا و 1158 من النساء. وقالت إن 366 من الجرحى وُصِفَت إصاباتهم بالخطيرة، و3746 إصابة متوسطة، و10699 إصابة طفيفة.
منذ اندلاع المسيرات سطر الثوار الفلسطينيون أروع الملاحم النضالية وأربكوا خطوط دفاع العدو الصهيوني وكبَّدوه خسائر تقدر بملايين الشيكلات. وابتكر الفلسطينيون خلال مسيرات العودة أشكالًا نضالية جديدة نذكر منها تكتيك “الكوتشوك”، وبدأ استخدامه في اليوم الثامن من مسيرات العودة ويعتمد على إحراق إطارات سيارات قرب السياج الحدودي بقصد التعمية على القناصة، وهو ما أجبر جيش الاحتلال على إعلان المنطقة المحيطة بغزة والمسماة “غلاف غزة ” منطقة عسكرية مغلقة أكثر من مرة. واستخدم الثوار الطائرات الورقية والبالونات الحارقة لأول مرة خلال مسيرات العودة، وكشفت إذاعة “كان” العبرية أن خسائر الاقتصاد الصهيوني، نتيجة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة المنطلقة من قطاع غزة، قد بلغت نحو 8.5 مليون شيكل (2.5 مليون دولار) خلال الثلاثة أشهر الأولى فقط منذ اندلاع المسيرات.
وذكرت الإذاعة الصهيونية أن أكثر من 100 طلب قُدِّموا إلى مصلحة الضرائب من مزارعين ومستوطنين يطالبون فيها بتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم نتيجة الطائرات. وأضافت أن هذه الطائرات أدت إلى إحراق 5000 دونم (1235 فدان) من الحقول الزراعية، وإتلاف معدات زراعية خلال الأشهر الثلاثة المذكورة، وذكرت أن هذه البيانات لا تشمل الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية الأخرى.
نجح الثوار الفلسطينيون في الوصول الى السياج الحدودي رغم تحصينات جيش الاحتلال ونجحوا في قص أسلاك السياج عدة مرات في الليل وتحت غطاء من الألعاب النارية والليزر والقنابل الصوتية اومكبّرات الصوت لإزعاج وإرباك العدو الصهيوني.
وبالرغم من البسالة والإصرار الملهمين، نتساءل اليوم بعد عامٍ حافل بالبطولات والمقاومة، هل حققت مسيرات العودة انتصارات ملموسة للقضية الفلسطينية؟
لقد أعادت مسيرات العودة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء مجددًا، وأظهرت الوجه القبيح للمحتل الصهيوني، وأجبرت الكثير من دول العالم على تبني موقفٍ منحازٍ للجماهير العزل نذكر منها على سبيل المثال إدانة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأعمال العنف التي قام بها جيش الاحتلال وإعلانه رفض فرنسا قرار الولايات المتحدة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، علاوة على قرار جنوب إفريقيا استدعاء سفيرها لدى “إسرائيل” وقالت إن تلك الخطوة جاءت نتيجة للطابع الأعمى والخطير للتعامل الإسرائيلي المفرط في العنف مع مسيرات العودة، ودعت بريطانيا إسرائيل إلى ضبط النفس. كذلك وعلى استحياء أدانت عدة دول عربية شدة التصعيد الإسرائيلي تجاه المتظاهرين العزل في قطاع غزة.
وبالرغم من التضحيات والبطولة، لم تتحرَّك القضية الفلسطينية خطوةً ملحوظة للأمام نستطيع أن نبني عليها عدة خطوات أخرى نحو التحرير الكامل لفلسطين المحتلة، ولذلك أسباب متشابكة تتعلَّق بالطبيعة الشاقة للقضية الفلسطينية ككل.
الفلسطينيون لا يناضلون تحت قهر الاحتلال فحسب، بل يناضلون في مواجهة استسلام السلطة الفلسطينية التام والتزامها بالتنسيق الأمني وقمع مناضلي الضفة وتسليم الفدائيين وحصار غزة، وتحت ضغوط الأنظمة الديكتاتورية العربية وعلى رأسها نظام السيسي على فصائل المقاومة، فضلًا عن الانحياز الدولي للاحتلال وغض الطرف عن الجرائم المُروِّعة التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني.
حرَّكَت مسيرات العودة المياه الراكدة وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي رغم أنف الجميع، وقدَّم الفلسطينيون خلال العام الماضي كعادتهم دروسًا في الصمود والبطولة ألهمت كل المناضلين من أجل العدل والحرية على اتساع العالم، إلا أن بطولات كتلك تحتاج، حتى تنتصر، إلى تغيير جذري على مستويات عدة؛ السلطة الفلسطينية والمقاومة والأنظمة الحاكمة في المنطقة والعالم.
الطريق إلى تحرير فلسطين طويلٌ وشاق، ولكنه يبدأ بالدعم غير المشروط للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، والتضامن مع نضالات الشعب الفلسطيني ضد خيانة وقمع السلطة وتآمر الأنظمة، ومن أجل الحقوق والحريات التي تتعرض للانتهاك على يد الصهاينة في الداخل المحتل، ويضاف إلى قهر الاحتلال سلطة أبو مازن في الضفة وقمع حماس في غزة -مع الفارق بينهما طبعًا- وتحت قهر العنصرية والتمييز في مخيمات اللجوء ودول المهجر.
يبدأ الطريق لتحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة والانتفاضة الشعبية والتمسك بحق العودة، ولكنه لا يكتمل إلا بتحرير الجزائر والخرطوم والقاهرة ودمشق وعَمان وغيرها من عواصم المنطقة من الأنظمة الاستبدادية التي تجثم على أنفاس شعوبها وتعمل على إجهاض القضية الفلسطينية وترتبط مصالحها مع الاحتلال بشكل مباشر. ولعل حضور العلم الفلسطيني البارز في الانتفاضات الشعبية الجارية في الجزائر والسودان وحضوره خلال الموجة الأولى للربيع العربي في 2011 وفي الفعاليات التي ينظمها اليسار العالمي هو أبلغ تعبير عن تلك الحقيقة.