بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

رؤيتنا (تقرير سياسي دوري تصدره حركة الاشتراكيين الثوريين) - 27 أغسطس 2019

نحن وحرائق الأمازون

غابات الأمازون في البرازيل تحترق. ما علاقة ذلك بنا نحن في مصر؟ ألا نعاني نحن من مصائب مباشرة مثل الديكتاتورية وحكم العسكر والفقر والبطالة؟ أليس من الرفاهية أن نهتم بما يحدث في غابات استوائية تبعد آلاف الأميال عن بلداننا المنكوبة؟ هذا ما تعبر عنه الكثير من التعليقات منذ نشوب عشرات الآلاف من الحرائق في البرازيل. بل أن بعض التعليقات، خاصة في إعلام الإخوان المسلمين اعتبرت التركيز على موضوعات الحرائق وتأثيرها على البيئة والاحتباس الحراري نوعًا من الإلهاء عن المشكلات الحقيقية التي تواجهنا.

هناك بالطبع الرد البديهي على مثل هذه الآراء وهو أننا نعيش على نفس الكوكب وأن الهواء والماء ودرجات حرارة الأرض لا تعرف الحدود وأنها تؤثر على البشرية جمعاء، بما فيها شعبنا المنكوب بالفقر والديكتاتورية. قضايا البيئة تخصنا جميعًا وقد أصبحت محورًا لحركات شبابية وسياسية ذات طبيعة أممية، فهناك على سبيل المثال تعبئة في مختلف بلدان العالم لإضراب طلابي عالمي يوم 20 سبتمبر القادم، بل أن منظمي الإضراب دعوا كبرى النقابات العمالية للمشاركة في الإضراب للضغط على حكومات العالم لتبني سياسات تحمي كوكبنا من الدمار. والسؤال الذي يجب أن يطرح نفسه ليس ما علاقة ذلك كله بنا بل لماذا لا نشارك نحن معارضو الديكتاتورية في مصر في هذا الحراك العالمي؟

حرائق البرازيل ليست ظواهر طبيعية مثل الزلازل والبراكين، بل أنها نتيجة مباشرة للسياسات الاقتصادية الرأسمالية التي يتبناها وينفذها قادة الحكومات والشركات في غالبية دول العالم اليوم ومنها البرازيل. فرئيس البرازيل بولسنارو هو يميني متطرف يريد التخلص من الغابات لتفريغ الأرض لمصلحة كبرى الشركات الزراعية الغذائية في البرازيل.

النظام في البرازيل، كما هو الحال في مصر، يريد جذب الشركات الرأسمالية الكبرى للاستثمار مهما كان الثمن الذي سيدفعه شعب البرازيل من انهيار بيئته وتلوث مياهه وهوائه. هذا هو منطق رأس المال: التراكم من أجل التراكم، رفع معدلات الربح اليوم حتى لو كان الثمن فناء البشرية غدًا.

هذا هو نفس المنطق الحاكم في مصر. فالسيسي يخدم كبار المستثمرين المصريين والخليجيين والشركات العالمية الكبرى بمدِّهم بالأراضي والطاقة والمواد الخام التي يحتاجونها لتحقيق أرباحهم، مهما كان الثمن طويل المدى على بيئتنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية. فالمسألة ليست فقط سياسات التقشف والإفقار وإجبار العمال على قبول أجور تدفعهم تحت خط الفقر، بل التضحية بالثروات الطبيعية وهي أساس حياة الأجيال القادمة، لمصلحة وأرباح رأس المال. بل أن السيسي وأمثاله من حكام بلدان العالم الثالث، وفي هوسهم بجذب الاستثمارات بأيِّ ثمن يقودون سباقًا إلى القاع. هؤلاء يتنافسون على تخفيض الأجور وتقليص الخدمات واستيراد الصناعات ومصادر الطاقة التي لم تعد يقبل بها البلدان المتقدمة. هذا هو سر استثمار كبرى شركات الأسمنت العالمية في مصر، فالنظام المصري لا يكترث بالقوانين الحامية للبيئة ولا يهمه إصابة مئات الآلاف بالتحجر الرئوي. والنظام لا يمانع استيراد ملايين من الأطنان من الفحم من بلدان لم تعد تسمح قوانينها باستخدامه حتى لو اختنق الشعب بهواء لم يعد صالحًا للتنفس.

الرأسمالية في مصر كما في العالم تدمِّر بيئتنا، وتحرق ثرواتنا الطبيعية، وتسمِّم هواءنا ومياهنا، وتساهم في زيادة ارتفاع حرارة كوكبنا مما يهدد الحياة على الأرض. بل أن الكثير من الكوارث التي نواجهها اليوم من فياضانات وموجات جفاف مدمرة ومن درجات حرارة غير مسبوقة هي نتائج مباشرة لنمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الحالية. وقد تنبأ بذلك كارل ماركس منذ 150 عام في كتابه رأس المال: “الرأسمالية تدمر المصدرين الرئيسيين لكل الثروة -الأرض والعامل”.

تخيلوا ماذا سيحدث عندما تتسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض في ارتفاع مستويات البحار؟ ألن تغرق الدلتا ومدن مثل الإسكندرية؟

لا تؤثر الكوارث البيئية بالطبع بنفس الشكل على مختلف الطبقات الاجتماعية. فالأغنياء يستطيعون السفر، ويشترون منازل في مناطق أقل تلوثًا، أما الفقراء فيجبرون على البقاء في المناطق الأكثر تضررًا؛ يتسممون ويختنقون ببطء.

الرأسمالية تقودنا سريعًا نحو الجحيم. والعمل من أجل تجاوزها واستبدال منطق الربح والمنافسة والتراكم بمنطق إنساني يخدم البشر ويحافظ على الثروات الطبيعية لكوكبنا أصبح مسألة حياة أو موت لنا وللأجيال القادمة.

ولكن النضال اليوم من أجل وقف نزيف الكرة الأرضية وفرض سياسات تحمي الكوكب من الدمار، رغماً عن بولسنارو والسيسي وأمثالهم، أصبح مهمةً مُلِحَّة على كلِّ من يريد التغيير في مصر. بل أن قضية البيئة أصبحت في القلب من أيِّ نضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يوم 20 سبتمبر هو موعد المظاهرات والإضرابات العالمية ضد السياسات البيئية الحالية، ويجب أن يكون السؤال اليوم هو كيف نشارك في هذا الحراك العالمي ولو بشكل رمزي؟