بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

رؤيتنا

حول العدوان التركي على شمال سوريا وأهداف أردوغان

منذ أن بدأ العدوان التركي على الشمال السوري وهناك سيلٌ من المواقف المتناقضة تجاهه في الساحة السياسية العربية والمصرية. فنظام السيسي ومؤيدوه، على سبيل المثال، سرعان ما نددوا بالعدوان بصفته تعدي على السيادة السورية، والمقصود هنا سيادة دولة بشار الأسد والجدير بالذكر أننا لم نجد نفس الموقف واللهجة من نظام السيسي إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في الأشهر والسنوات الأخيرة. أما الإخوان المسلمون، فيؤيدون العدوان التركي كما يؤيدون كلَّ ما يفعله نظام أردوغان. إخوان سوريا أصدروا بيانًا يؤيد عملية “نبع السلام”، وهو الاسم الذي يطلقه الجيش التركي على العدوان. ومنطقهم في تأييد العدوان هو أن أردوغان لا يريد سوى القضاء على التنظيمات الكردية الإرهابية التي تهدد الأمن الوطني التركي، وأنه يساعد على خلق ممر آمن لعودة ملايين اللاجئين السوريين. هكذا يبرر إخوان سوريا بدرجةٍ استثنائية من الانتهازية الغزو التركي للأراضي السورية وقتل وتشريد السوريين الأكراد. أما إخوان مصر فيكتفون بالتأييد السلبي للعدوان من خلال تكرار الأكاذيب حول خطر التنظيمات الكردية المسلحة ومقارنتها بداعش ونوايا أردوغان الطيبة تجاه سوريا وشعبها والحديث عن قيام المصلين في آلاف المساجد في تركيا بل وحول العالم في الدعاء للنصر التركي (حتى في السنغال)!

الناصريون والقوميون العرب المؤيدين بطبيعة الحال لنظام بشار الأسد، فمن جهتهم ينددون بالعدوان التركي ليس دفاعًا عن أكراد سوريا بالطبع، بل بمنطق ضرورة سيطرة جيش بشار الأسد على المناطق الكردية كجزءٍ من عودة سيطرة نظام بشار على كامل الأراضي السورية. أي أن بشار العربي السوري وليس أردوغان التركي هو المنوط به قتل وتشريد الأكراد. القوميون العرب بما فيهم الناصريون يدعمون بشار الأسد في قتل وتشريد الشعب السوري في حين يدعم الإخوان نظام وجيش أردوغان للقيام بهذا الدور الإجرامي نفسه.

ماذا يريد أردوغان؟ العدوان العسكري التركي له هدفان رئيسيان. الهدف الأول هو إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) عن الحدود التركية وخلق منطقة عازلة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي وحلفائه في الداخل السوري. والهدف الثاني هو نقل أكثر من مليون لاجئ سوري من تركيا إلى تلك المنطقة العازلة. بهذا يكون أردوغان قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد. فهو يقوي شعبيته داخليًا باللعب على النعرة القومية التركية المعادية للأكراد وأيضًا على العداء العنصري المتصاعد ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ومن جانب آخر يغيِّر التركيبة السكانية في الشمال السوري بحيث يخلق أغلبيةً عربية سنية موالية للأتراك.

الشعب السوري أصبح رهينةً لصراع ومصالح القوى الإقليمية والدولية. فروسيا وإيران يدعمان السفاح بشار الأسد في مجازره ومذابحه في سبيل إعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية. وأمريكا دعمت القوى الكردية في مواجهة داعش ثم باعتهم للأتراك بعد هزيمة داعش في سوريا. والسعودية والإمارات يدعمان ويموِّلان القوى الإسلامية السنية لتحجيم النفوذ الإيراني. أما إسرائيل فهي لم تتوقف عن العدوان العسكري والمخابراتي على سوريا منذ بدء الحرب الأهلية. هذا هو السياق الذي يأتي فيه العدوان التركي الإجرامي الأخير.

لابد أن نتذكَّر أن المأساة السورية والتي يمثل العدوان التركي أحدث حلقاتها لم تكن قدرًا محتومًا على الشعب السوري. فثورة الشعب السوري التي اندلعت في 2011 ضد ديكتاتورية بشار الأسد شارك فيها الفقراء والمهمشون من جميع الطوائف والأعراق في سوريا -السنة مع الشيعة، والمسيحيين مع المسلمين، والأكراد مع العرب. وكانت تلك الثورة تستهدف بناء سوريا جديدة يسودها المساواة والعدالة والحرية لجميع سكانها. ولكن بشار الأسد ونظامه تمكَّنوا من هزيمة تلك الثورة من خلال تحويلها إلى حرب أهلية طائفية عرقية مسلحة وهو ما حوَّلَ سوريا إلى ملعبًا مفتوحًا لصراع المصالح الإقليمية والدولية.

وها نحن نرى مجددًا قرىً ومدنًا سورية تحترق وتمتلئ الشوارع بالجثث والمستشفيات بالجرحى وعشرات الآلاف من المهجرين واللاجئين يبحثون عن ملجأ آمن. العدوان التركي على الشعب السوري جريمةً يجب الوقوف ضدها بوضوح وحسم، ليس دفاعًا عن شرعية وسيادة بشار الأسد ونظامه الدموي، ولكن تضامنًا مع أكراد سوريا الذين يستهدفهم أردوغان وتضامنًا مع ما تبقى من طموحات وأهداف الثورة السورية المغدورة مهما بدت بعيدة المنال في المرحلة الحالية.