بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أسبوع على اندلاع الانتفاضة اللبنانية

7 أيام مرت على انتفاضة الشعب اللبناني يوم 17 أكتوبر الجاري. لم يتوقَّع أحدٌ من الشباب الذين نزلوا عفوياً يومها للاحتجاج على نية الحكومة فرض ضرائب جديدة على خدمات وسلع تمس الطبقة المتوسطة والفقيرة في الشارع اللبناني، مثل التبغ والبنزين وحتى برنامج الاتصال والمحادثة المجاني “الواتساب”، أن مئات الآلاف سوف تتبعهم، وبهذه السرعة القياسية. وأنهم سيطلقون أكبر احتجاج شعبي ضد “النظام الحالي” تشهده البلاد منذ سنوات، فهو أول حراك يشمل كل لبنان في تاريخه الحديث. حيث كان هناك حراك «إسقاط النظام الطائفي» في العام 2011، لكنه كان حراكًا مركزيًا. وكان هناك الحراك المناهض للدولة على خلفية أزمة النفايات في العام 2015، لكنه كذلك كان مركزيًا أو في تلك المناطق التي كانت تخطط الدولة لطمر النفايات فيها.

ما يجعل هذا الحراك استثنائيًا للغاية هو اتساع رقعته الجغرافية، فسرعان ما التحقت الأطراف الأشد بؤساً كطرابلس، المدينة المصنفة الأفقر في حوض البحر الأبيض المتوسط، وعكار وريفها في الشمال، وصيدا في الجنوب وبعلبك في البقاع، من دون تنسيق مُسبَّق بين المدن.

تجاوز الحراك أيضًا الحدود الطائفية المفروضة في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وتعتبر هذه هي المرة الأولى في تاريخ الشارع اللبناني أن تجد أن الناس في طرابلس (شمالي البلاد ذات أغلبية سنية) يهتفون للضاحية (جنوب بيروت ذات أغلبية شيعية)، كأن القهر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الذي ساوى بين غالبية المواطنين على اختلاف طوائفهم، انفجر في الوقت ذاته.

في هذا السياق ظهر تعبيرٌ أن الحرب الأهلية انتهت اليوم فقط ومع الحراك، وبعد 28 عامًا تقريبًا من تاريخ انتهائها الرسمي.

تلك الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان انتهت باتفاق الطائف عام 1989 الذي نصَّ على أن تقسيم المقاعد في مجلس النواب بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ونسبيًا بين طوائف كل من الفئتين وبين المناطق الجغرافية أيضًا بشكل مؤقت إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، ونصَّ كذلك على أن إلغاء الطائفية السياسية هدفٌ وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى أن تُلغى في المرحلة الانتقالية قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وأيضًا إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية.

لم يحدث أيٌّ من ذلك رغم مرور ما يقرب من 30 عامًا على توقيع الاتفاق، فكيف لحركات طائفية وحزبية أتت إلى السلطة عن طريق نظام المحاصصة الطائفية واحتفظ بعضها بميليشيات مسلحة، بالمخالفة للاتفاق الذي ينص على نزع سلاح كل الطوائف، أن تضع بنفسها خطةً لإنهاء النظام الذي يضمن وجودها في المشهد السياسي وفي السلطة؟

يوضح الحراك الجاري أنه لولا وجود نظام المحاصصة الطائفي هذا لما أصبح لتلك الطوائف وزن أو قيمة في المشهد، ويثبت كذلك أن الشعب اللبناني يريد تجاوزهم بل ومحاكمتهم باعتبارهم مجرمي حرب نهبوا لبنان على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود.

بلغت أعداد المتظاهرين على أقل التقديرات إلى مئات الآلاف، ووصلت الاحتجاجات في الأيام الأخيرة إلى ذروتها، وقام اعتصامٌ مركزي واعتصامات عدة في المدن، وبدأت دعوات الإضراب العام تؤتي ثمارها، وتطوَّعت أعدادٌ من المحامين الحقوقيين للدفاع عن المتضررين من أرباب العمل جراء المشاركة في الإضراب، وظهرت أيضًا هتافات لم تكن مألوفة من قبل على الشارع اللبناني، لكننا سمعناها من قبل تهز الشوارع والمصانع المصرية سابقًا، مثل “الإضراب مشروع مشروع، ضد الفقر وضد الجوع”.

يحاول رئيس الحكومة، سعد الحريري، ووزراؤه الالتفاف على الحراك أو امتصاص غضب المتظاهرين بالتراجع عن بعض القرارات الاقتصادية ووعود بتحسين الأوضاع في المستقبل القريب. وبالتوازي مع ذلك، حاول العديد من النواب والنواب السابقين المشاركة في التظاهرات، لكنهم طُرِدوا ورُشِقوا بقناني المياه. طُرِدَ نائب كتائبي نزل للمشاركة في بيروت من قبل المعتصمين، وطُرِدَ نائبٌ سابق في طرابلس، إلا أن حراس الأخير أطلقوا النار على المتظاهرين، فقُتِلَ شخصٌ وأُصيبَ ٧ أشخاص، ما دفع بعض المتظاهرين إلى الانتقام من النائب بتحطيم مكتبه، وشركة نقل تابعة له.

هناك أيضًا محاولات قمع وتخوين الحراك سواء من جانب الجيش اللبناني أو من جانب الميليشيات المسلحة الطائفية، فحتى الآن لم تتوقَّف محاولات الحكومة لفض التظاهرة التي حشدت عشرات الآلاف أو ربما أكثر في بيروت وحدها، وجموعًا مماثلة في مختلف المناطق على الخارطة اللبنانية. بينما اعتدى مسلحون من حركة أمل وآخرون تابعون للتيار الوطني الحر على المتظاهرين في مناطق مختلفة في لبنان وحاول الجيش اللبناني أيضًا فتح بعض الطرق باستخدام القوة، ولكن اللبنانيين استطاعو ردع تلك المحاولات حتى الآن وسط صمود ومقاومة مذهلين.

رغم كل محاولات الحكومة، لم يتراجع المتظاهرون ولم يخفضوا سقف مطالبهم التي أصبحت لا تقبل بأقل من رحيل الحكومة بأكملها وإنهاء النظام الطائفي.