احتجاجات حاشدة في ألمانيا بعد مذبحة هاناو

شارك عشرات الآلاف، مساء الخميس الماضي في جميع أنحاء ألمانيا، في احتجاجاتٍ حاشدة بعد أن قتل إرهابيٌّ يمينيٌّ متطرف تسعة من أصول مهاجرين بمقهى في مدينة هاناو الألمانية. وعُثِرَ على اليميني المتطرف “توبياس راتجين” متوفيًا داخل منزله وبجواره والدته التي قتلها أيضًا.
وتجمهَرَ مئات الأشخاص في وقفةٍ صامتة بمدينة هاناو تضامنًا مع الضحايا، فيما تجمَّعَت حشودٌ كبيرة أيضًا في فرانكفورت، وعند بوابة براندنبورج وحي نيوكولن في برلين، حاملين بعض اللافتات التي تطالب بخروج النازيين من ألمانيا. وامتدت الاحتجاجات لتشمل 45 مدينة أخرى.
دعا راتجين إلى “الإبادة الكاملة” للعديد من “الأعراق والثقافات المختلفة” في وثيقةٍ نُشِرَت على الإنترنت قبل المذبحة، وتساءل عمَّا إذا كان “التدمير الكامل” لدولٍ بأكملها في حرب مستقبلية قد يكون مشروعًا؟ وأدرَجَ أكثر من 25 دولة أراد القضاء على سكانها، بما في ذلك نصف آسيا وشعوب مختلفة في شمالي إفريقيا.
لم يكن ذلك الفعل من قبيل الصدفة حتى لو كان فرديًا، بل إنه جزءٌ من تفكير النازيين والفاشيين، بدعمٍ من بعض قادة حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، ففي الأشهر الماضية، لم يمر أسبوعٌ دون الكشف عن مجموعةٍ إرهابية يمينية جديدة.
وفي يوم 14 فبراير الجاري، ألقت الشرطة القبض على 12 من أعضاء خلية إرهابية يمينية مشتبه بها، وكان من بينهم ضابط شرطة. ومن الواضح أن هجماتٍ مُتعدِّدة قد خُطِّطَ تنفيذها على المساجد، وقد تسبَّب اليمين المتطرف في قتل ما لا يقل عن 229 شخص في ألمانيا منذ سبعينيات القرن العشرين، ونفذوا أيضًا 123 عملية تفجيرية و2173 حريق و12 عملية اختطاف و174 عملية سطو مسلح.
مع صعود حزب البديل اليميني المتطرف لأول مرة منذ عام 1945، تمكَّنَت قوةٌ من الفاشية الجديدة، على الأقل جزئيًا، من ترسيخ مكانتها باعتبارها قوةً ثابتة في السياسة الألمانية. ووَصَفَ السياسي من حزب العمال الاشتراكي العمالي ووزير الدولة في وزارة الخارجية، مايكل روث، حزب البديل بأنه “ذراعٌ سياسي للإرهاب اليميني المتطرف”.
في الوقت نفسه، ليس حزب البديل هو القوة الوحيدة التي تغذي العنصرية، ففي السنوات الأخيرة شارك سياسيون من جميع الأحزاب، وكذلك جزءٌ كبير من وسائل الإعلام، بتغذية تلك العنصرية. ينصب التركيز على “الإسلام” من خلال ربطه بالإرهاب أو اضطهاد المرأة أو رهاب المثلية.
قد يبني المشهد اليميني في ألمانيا على عنصرية “الوسط” البرجوازي، وبالتالي بإمكانه أن يجذب الخطاب الاجتماعي إلى اليمين المتطرف أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. علاوة على ذلك، ليس من قبيل الصدفة أن يحدِّد الإرهابي اليميني المتطرف راتجين ذلك المقهى في مدينة هاناو هدفًا له، فالتشهير بالمقاهي أو ما يسمى “بشيشة بار” وتجريمها هو جزءٌ من التحريض العنصري المُستخدَم ضد المسلمين والمهاجرين.
ولم يكن أعضاء حزب البديل اليميني وحدهم، بل شاركهم أيضًا سياسيون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ومن الأحزاب المُحافِظة الحاكمة مرارًا في نشر هذه الأرض الخصبة للعنصرية، وداهموا المقاهي بحجة مكافحة الجريمة المنظمة. لقد خلقوا بيئةً خصبة لإرهاب الجناح اليميني المتطرف بمدينة هاناو.
يبرز مدى عمق العنصرية في النقاش الدائر حول المقاهي أو ما يسمى “بشيشة بار” في رد الفعل على الهجوم الإرهابي بمدينة هاناو، إذ ذكرت العديد من وسائل الإعلام “تبادل لإطلاق النار” وأشارت صراحةً إلى أن كان هناك صراعًا بين العصابات الإجرامية.
لعلَّ أجهزة الدولة غير ملائمة لمكافحة العنصرية والإرهاب النازي، فهي بالأصل جزءٌ من المشكلة. فقد أظهرت العديد من الفضائح في السنوات الأخيرة مدى تغلغل الشرطة والجيش والأجهزة السرية والجهاز القضائي في العديد من التنظيمات اليمينية المتطرفة والنازيين الجدد. هذا علاوة على مشاركة أجهزة الدولة في اضطهاد المناهضين للفاشية أكثر من مشاركتها في الحرب ضد النازيين، وينطبق الشيء نفسه على مطالب حل أو حظر الجمعيات أو الأحزاب الفاشية الجديدة.. كلُّ هذا جزءٌ كبير من المشكلة.
في عشرينيات القرن الماضي، بُذِلَت محاولاتٌ كثيرة لإضعاف الحركة الاشتراكية القومية الناشئة عن طريق الحظر، حتى صحيفة الحزب كانت محظورة؛ وهذا لم يوقف صعود النازيين. إن المعركة ضد العنصرية والفاشية لهي أمرٌ واقع، لذلك هناك حاجةٌ إلى احتجاجاتٍ واسعة النطاق ضد تلك العنصرية والفاشية.
* هذا التقرير مترجم عن صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية