الضفة الغربية وغزة:
حصارٌ بين الوباء والاحتلال

صادَرَت قوات الاحتلال الصهيوني وهدَمَت بناياتٍ في الضفة الغربية كانت تُستَخدَم كعيادات طوارئ. في هذا المقال يُسلِّط يوسف عصفور، الناشط الفلسطيني من قطاع غزة، الضوء على ظروف حياة الفلسطينيين في الضفة وغزة في خضم الحصار بين الوباء والاحتلال.
ندرك في غزة كيف تبدو الحياة في ظلِّ الحصار. يعيش أكثر من مليونيّ شخص تحت الحصار لأكثر من عشرة أعوام، في قطاعٍ من أكثر المناطق اكتظاظًا في العالم، وقد شهد ثلاثة حروب دمَّرَت البنية التحتية، بما فيها المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.
هناك فقط 15 جهاز تنفُّس صناعي لأكثر من مليونيّ نسمة، وليس هناك ما يكفي من مُعدَّات الاختبار. تسخر الصحافة الصهيونية بعباراتٍ من نوع “بسبب حصار غزة، منعنا فيروس كورونا المُستجَد من دخول القطاع”. لكن الفيروس شقَّ طريقه في نهاية المطاف من خلال معبر رفح مع مصر، إذ حمله خطيبان إسلاميان كانا في باكستان.
يتزايد الآن عدد الإصابات بفيروس كورونا المُستجَد، وتقول منظمة الصحة العالمية إن وزارة الصحة الفلسطينية يمكنها معالجة فقط من 100 إلى 150 مريض، وبينما يمكن لمستشفيات الكيان الصهيوني إجراء 10 آلاف اختبار في اليوم الواحد، ليس في إمكان مستشفيات غزة إجراء أكثر من 50 اختبار فقط.
في بداية تفشِّي الجائحة، شرعت الحكومة الفلسطينية في عزل الناس في منطقةٍ مفتوحة خارج مدينة غزة، لكن الكيان الصهيوني رَفَضَ السماح لأحدٍ على هذه الأرض، لذا استُخدِمَت المدارس بدلًا منها بغرض العزل. تتلقَّى غزة الطاقة الكهربائية فقط لأربع ساعاتٍ في اليوم، والمياه النظيفة مرتين فقط في الأسبوع، وليس هناك ما يكفي من المياه النظيفة أو الكحول بسبب الحصار الذي يفرضه الكيان الصهيوني على القطاع. وقد أدَّى هذا الحصار إلى ارتفاع نسبة البطالة لتتجاوز 50% من الخريجين الفلسطينيين.
ولا يمكن للعمال الزراعيين العمل إلا على جزءٍ فقط من أراضيهم، لأن باقي الأراضي يقع تحت مراقبة القنَّاصة. ويمكن قياس الوضع في الضفة الغربية بما فعله الاحتلال الصهيوني في 26 مارس من مصادرةٍ وهدمٍ لثمانِ بناياتٍ في خربة إبزيق بوادي الأردن، في حين كانت بنايتان منهم، وفقًا لجماعة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، تُستَخدمان كعياداتٍ للطوارئ.
وَصَفَت الجماعة الحقوقية هذه الخطوة بأنها “وحشيةٌ بشكلٍ خاص”، وأضافت أنه “بينما يكافح العالم بأسره أزمةً غير مسبوقة في الرعاية الصحية، يُكرِّس الجيش الإسرائيلي الوقت والموارد للتضييق على المجتمعات الفلسطينية الأضعف في الضفة الغربية، التي حاوَلَ طردهم منها على مدار عقود”. وتابَعَت: “إن إغلاق مبادرةٍ مجتمعية للإسعافات الأوَّلية خلال أزمةٍ صحية لهو مثالٌ وحشي على التعسُّف المعتاد الواقع على هذه المجتمعات”.
صودِرَت البنايات رغم تحذير الأمم المتحدة بأن نظام الصحة الفلسطيني غير مُجهَّز للتعامل مع تصاعدٍ غير مُتوقَّع في حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. يعيش في الضفة الغربية مليونا شخصٍ -تمامًا كما هو عدد السُكَّان في غزة. لكن رغم جدار الفصل العنصري وكمائن التفتيش والمستوطنات، فإن لدى الفلسطينيين هناك مساحةً أرحب، ولديهم السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا يقع عليها حصارٌ مثل ذلك الذي ترزح تحته غزة.
في البداية، رَفَضَ الكيان الصهيوني مطلب الفلسطينيين بإجراء اختباراتٍ للكشف عن الإصابة بالفيروس على كلِّ العاملين من الضفة الغربية قبل عودتهم من العمل في الأراضي المحتلة. لكن حين أشار الفلسطينيون إلى مصنعٍ بالقرب من القدس، باعتباره مصدرًا مُحتَمَلًا لتفشي الجائحة، قال الكيان الصهيوني إنه سوف يُقِرُّ إجراءً لاختبار العمال الفلسطينيين المُشتَبَه في إصابتهم بفيروس كورونا المُستجَد في الأراضي المحتلة.
بدأ الفلسطينيون يحاصرون الفيروس حين ظَهَرَ في بيت لحم، إذ وُضِعَت المدينة تحت الحجر الصحي، بينما أغلقوا المدارس والجامعات. وعلى إثر ذلك، اكتُشِفَت إصابة سبعة أشخاص في المدينة. وحتى قبل الإغلاق، كان الكيان الصهيوني قد أعلن أنه من غير المسموح لأحد دخول أو مغادرة مدن وقرى الضفة الغربية.
كان على العاملين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة الاختيار بين البقاء في منازلهم أو البقاء في الأراضي المحتلة. إذا قرَّروا البقاء في منازلهم، لن يبقى معهم مالٌ ولا طعام. وإذا قرَّروا البقاء في الأراضي المحتلة، سيكون بإمكانهم الاحتفاظ ببعض المال لكن سيضطرون للمبيت في العراء.
وحين زاد عدد الإصابات، وتُوفِّيَت أول حالة (كانت امرأةً انتقلت إليها العدوى عن طريق ابنها الذي عمل في الأراضي المحتلة)، قرَّروا إيقاف كافة الفلسطينيين عن العمل في الأراضي المحتلة أو المستوطنات.
هناك عددٌ أكبر من المستشفيات والمُعدَّات والاختبارات وأجهزة التنفُّس الصناعي في الضفة عمَّا هو في غزة، لكنهم ليسوا كافيين على الإطلاق، وما مِن حلٍّ فعلي لهذه المأساة إلا بإنهاء الحصار على غزة والنضال من أجل تحرير فلسطين.
– هذا المقال مترجم عن مجلة سوشياليست ريفيو البريطانية