بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الحرب ضد اليمن: حرب شاملة مقابل صواريخ هزيلة

yemen

أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة “أنصار الله” الحوثية يوم الثلاثاء 23 يونيو أنه تم تنفيذ عملية هجومية واسعة على العاصمة السعودية الرياض طالت وزارتي الدفاع والاستخبارات وقاعدة سلمان الجوية ومواقع عسكرية أخرى في الرياض وجيزان ونجران وأنها تمت باستخدام صواريخ بالستية ومجنحة وطائرات مسيرة.

على الناحية الأخرى في اليمن، وفي شهر مايو تحديدًا، في ذروة انتشار وباء الكورونا، بلغت نسبة قصف المدنيين 53٪ من الأهداف والتي كان غالبها قصف بالطيران العسكري، إذ تم استهداف 22 مبنى سكني نتج عنه استشهاد 3 مدنيين وإصابة العديد، كما قُصفت 7 مزارع لفلاحين يمنيين وتدمير مدرسة. ويُعتبر شهر مايو من أعلى الأشهر دمارًا وتنكيلًا منذ فبراير 2019.

لا يمكن مطلقًا تبرير القصف المتبادل، لكن لايمكن أيضًا أن يتساوى المشرِّع للحرب بضحيتها، ولا خطط الهجوم بحيل الدفاع، ولا يمكن أن نتوهَّم سلامًا بالوسائل الحربية، وكل ذلك يتم على نفقة شعب لا طائل له في هذه الحرب الوحشية.

موقفنا ليس بالجديد في نقد الحروب والتي لا نراها أخلاقية في أي من أشكالها.

إن هالة الأخلاق المستترة خلف التدخل العسكري تحجب الرؤية عن ادراك كم وماهية التسييس العسكري لكافة الأطراف المشاركة في الحرب، أما نظرية نقد الحرب فتحتاج لمساحات طويلة ومفصلة أخرى لكنني هنا سأكتفي بمجموعة من النقاط الرئيسية:

أولًا، هناك فرق بين إرادة السلم المتمثلة في العلاقات المباشرة بين المكونات الإجتماعية في اليمن، وبين من يقتحم أرض ذات سيادة لفرض السلم عبر العسكرة والتسليح والقصف الجوي، وأيضًا بين من يرفض السلم وهو جزء من مستوطنين في الحدود الوطنية، نأخذ على سبيل المثال من يقول: لماذا لا تواصل إيران تدخلها في العراق من أجل السلم؟ نسأله حينها: ما الوسائل؟ هل بتسليح الميليشيات وتأجيج الصراع الداخلي؟!

بالطبع لا يحق لأي دولة كانت أن تتدخّل عسكريا في شؤون دولة أخرى من أجل مزاعم السلام، كما كانت تتدخّل الجيوش الغربية في منطقتنا من ذات المنطلق في المزاعم.

ثانيًا، يجب أن نقف موقف أخلاقي واضح تجاه الانتهاكات الإنسانية والقتل والتدمير ضد الشعب اليمني. إن نفقة الحرب هي من مدخرات الدولة وميزانيتها، والطائرات والصواريخ المستوردة هي جزء من السلاح الجوي الوطني، لذلك في هذا الأمر علاقتنا مباشرة ويجب ان لا يتكفل الشعب السعودي بدفع كلفة هذه الحرب الباهظة.

ثالثًا، رغم رجعية التنظيم الحوثي سياسيًا و طبقيًا، ووضوح أهدافه وتحالفاته، إلا أننا نحلل نشأة التنظيم، وفي هذا كتبت الرفيقة دينا عمر في وصف السياق التاريخي بإيجاز:

“تؤكد غالبية المصادر أن حرب صعدة الأولى اندلعت في 2004، عند محاولة الدولة اعتقال حسين الحوثي بعد خروج جماعة “الشباب المؤمن” في تظاهرات حاشدة تندد بأميركا وإسرائيل. انتهت الحرب بمقتل حسين الحوثي في سبتمبر من العام نفسه والدخول في دوائر من الصراع المسلح تعقبها اتفاقات بإعادة الإعمار وتنمية صعدة، لكن حكومات بن صالح، المتعثرة في اقتصادها والغارقة في فسادها، تخلت عن مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية تجاه الإقليم.

في أواخر عام 2010، وقبل اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام بن صالح، صدرت أوامر بإيقاف حالات الضمان الاجتماعي في صعدة وحرمان مستحقيها، المقدر عددهم بـ 30 ألف أسرة، من صرف إعانتهم التي تصرف كل 3 أشهر ناهيك عن الدمار الواسع الذي خلفه الصراع بالمحافظة بعد تغليب النظام الحاكم الحرب على المعارضين لسياساته واغتيال قادتهم بدلًا من مراجعة تلك السياسات اقتصاديا واجتماعيا لصالح كل اليمنيين”.

في تاريخنا الوطني المجيد كان التحالف مع القبائل اليمنية و دعم علي عبد الله صالح بالتسليح والتمويل بالوكالة في أهم المجازر في تاريخ صعدة، والتي عمّقت تفتت المجتمع اليمني، وأججت الصراع الداخلي فيه، وخلقت الفرص الملائمة لنشوء تحالفات إيرانية حوثية.

إن هذه الحرب بطبيعتها هي حرب استنزاف يدفع ثمنها فقراء عاشوا ويلات التجويع والدمار ففي السنوات القليلة الماضية تم قصف أكثر من 54 مستشفى ومستوصف، وعدد من المنشآت الصحية الأخرى يصل تعدادها لعشرين (صيدليات واسعاف وما شابه). بعض الإحصائيات تتحدث عن تدمير أكثر من 85 مبنى للقطاع الصحي حيث يواجه الشعب اليمني الأوبئة والأمراض. لقد أصاب وباء الكوليرا أكثر من مليوني انسان يمني وتخشى الأمم المتحدة الآن أن يقضي أكثر من 40 ألف يمني بوباء الكورونا.

دعونا نتذكر جيداً أنه في المرحلة التي كانت تعلو الأصوات الوطنية من كافة رموز الدولة في السعودية ضد قصف الحوثي للمنشآت النفطية السعودية، كانت الحكومة السعودية ذاتها هي من قامت بقصف 129 منشأة ما بين أنابيب نفط وآبار وسواها في اليمن! أتسائل هنا كيف يمكننا أن نعيش لحظة من الذهول على ما هو بديهي في ردة فعل متأخرة لا تنقصهم شيئا من ويلاتهم بل تنقصنا الكثير من تكاليفها!؟

إن من مخرجات الاشتباك العسكري حدوث ردات فعل لا شأن لنا بتحملها أو الاصطفاف ضدها، فالصواريخ البالستية ليست ظرفًا مناخيًا، بل ردة فعل تستنزف الاستقرار اليمني داخليًا والاستقرار السعودي أيضًا.

لا أساس للمفاضلة في الحرب، فلا وجود لحرب أفضل من حرب، ولا خطأ أقل من خطأ، فمع كل جثة لا تقف الناس في المقابر برسوم بيانية تقارن بين قتلاها وقتلى سواها. نحن نقف بكل وضوح ضد هذه الحرب، ضد كافة تجاوزاتها، ضد كل انتهاكاتها، والوقوف ضد الحرب ذاتها هو المصلحة الموحدة بيننا وبين الشعب اليمني.