بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

معنى هزيمة ترامب

ترامب

لم يكن فوز بايدن على ترامب في انتخابات 2020 فوزًا كاسحًا، فرغم كل ما فعله ترامب في الفترة الأخيرة من سوء إدارة استثنائي لأزمة كورونا ورغم فضائحه كمتحرش جنسي ورغم عنصريته وأكاذيبه المستمرة، فقد حصل على أكثر من 71 مليون صوت أي زادت أصواته بأكثر من 3 ملايين صوت. أما بايدن، الذي كانت استطلاعات الرأي تشير إلى اكتساحه في الانتخابات، فقد فاز بنسبة ضئيلة وبصعوبة بالغة.

ومن المفارقات أن فوز بايدن جاء نتيجةً للتعبئة في أوساط الشباب والأقليات والتي قادها يسار الحزب الديمقراطي، وخاصة رموز مثل بيرني ساندرز وألكساندرا كورتيز. هذا على الرغم من كون بايدن يمثل الجناح اليميني والحرس القديم في الحزب الديمقراطي. هذا الجناح هو الذي يتحكم في ماكينة الحزب والتي لا تختلف من حيث العلاقة برأس المال الكبير عن الحزب الجمهوري. الانتخابات الأمريكية ليست بين “يسار” و”يمين”، بل بين حزبين يتنافسان على تمثيل الرأسمالية الأمريكية.

ولكن هل يعني ذلك أنه لا يوجد فرق بين هزيمة بايدن أو هزيمة ترامب؟ بالتأكيد لا، فهزيمة ترامب هي هزيمة كبرى لليمين الشعبوي والمتطرف في أمريكا وفي العالم كله. وهذا للأسباب التالية: أولًا، وجود رئيس في البيت الأبيض يدعم الجماعات الفاشية واليمينية المتطرفة ويعبِّر عن ذلك وعن عنصريته كان بلا شك من عوامل التعبئة والتشجيع لتلك الجماعات ومكَّنتهم في الأعوام الأربعة الأخيرة من النمو وزادت من نفوذهم وثقتهم. هزيمة ترامب في الانتخابات ستكون بمثابة خسارة رمز وقائد وبوق عالمي لتلك الجماعات.

ثانيًا، شهدت فترة رئاسة ترامب صعودًا لحركات اجتماعية كبرى ضد العنصرية (حياة السود مهمة) مع توسُّع في نفوذ وحجم حركات يسارية مثل الاشتراكيين الديمقراطيين، وهم على يسار الحزب الديمقراطي وكانوا بمثابة العمود الفقري لحملة بيرني ساندرز. هزيمة ترامب ستكون دافعًا كبيرًا لنمو هذه الحركات والأحزاب، فبعد سنوات من الإحباط والشعور بالعجز في مواجهة الصعود السريع لليمين الشعبوي والمتطرف، أخيرًا هناك اليوم انتصارٌ صغير وإن كان رمزيًا ضد ذلك اليمين.

ثالثًا، لم يكن ترامب رمزًا وحليفًا للحركات اليمينية في الولايات المتحدة، بل كان كذلك رمزًا وحليفًا للديكتاتوريات ولزعماء اليمين الشعبوي في العالم بأسره. من أوربان في المجر إلى مودي في الهند، ومن بولسانارو في البرازيل (ترامب الأمازون) إلى السيسي في مصر (ديكتاتور ترامب المفضل)، إلى جانب أمراء وملوك الخليج العربي. هزيمة ترامب هي هزيمة لكل هؤلاء ولكل ما يمثلونه، حتى وإن لم تتغيَّر بشكل كبير السياسات الأمريكية تجاه أنظمتهم في ظل رئاسة بايدن.

رابعاً، ستكون رئاسة بايدن في حالة أزمة مزمنة من أيامها الأولى، فمن المرجح أن يفوز الحزب الجمهوري بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ وبايدن لن يتمكَّن من تمرير أي سياسات ضريبية أو سياسات لإصلاح المنظومة الصحية أو لمواجهة التغير المناخي أو لإحداث تغير ذي شأن في السياسة الخارجية بدون موافقة ذلك المجلس. سيتمكَّن الجمهوريون من شلِّ إدارة بايدن. هذه الإدارة الشائخة والتقليدية والعقيمة ستكون حافزًا لليسار خارج الحزب الديمقراطي لبناء البديل الراديكالي والقادر وحده على تحدي هيمنة اليمين الشعبوي على المدى الطويل. ولكنها ستكون أيضًا حافزًا لنفس ذلك اليمين الشعبوي والذي يبدو أنه سيجهِّز من الآن لعودة ترامب للرئاسة في 2024!

هزيمة ترامب تمثل إذًا فرصةً وتحديًا في آنٍ واحد. فإما يتجاوز اليسار الراديكالي بايدن وأمثاله، وإما أن ينجح اليمين الشعبوي في استثمار ضعف وشلل إدارة بايدن وبالتالي عودة دونالد ترامب وكل ما يمثله في الداخل الأمريكي والعالم.