ماذا يحدث في الصحراء الغربية المحتلة؟
تشهد الصحراء الغربية المحتلة تطوراتٍ كبيرة منذ أول أمس بعد أن أعلنت الدولة الصحراوية ممثلة في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) العودة للكفاح المسلح، وذلك في أعقاب قيام دولة الاحتلال المغربية يوم الجمعة 13 نوفمبر 2020 في الساعات الأولى من الفجر بالإعلان عن نسف وقف إطلاق النار بإقحامها مجموعة من البلطجية بزي مدني في هجوم على المدنيين الصحراويين المحتجين سلميًا أمام ثغرة الگرگرات غير القانونية، بالتزامن مع تجاوز قواتها المسلحة جدار العار قرب الثغرة من أجل الالتفاف على المنطقة وتطويقها.
تعود تفاصيل هذه الأحداث لشهر أكتوبر 2020 حين نظَّم عشرات المواطنين الصحراويين القادمين من مخيمات اللجوء الصحراوية اعتصامًا احتجاجيًا لغلق ثغرة الگرگرات جنوبي الصحراء الغربية ومنعوا عشرات الشاحنات والآليات المغربية من العبور في اتجاه موريتانيا وذلك احتجاجًا على سلبية الأمم المتحدة وتغاضيها عن الاحتلال المغربي وإطالة أمده.
ورفع المتظاهرون أعلام الجمهورية الصحراوية ولافتات كتبت عليها شعارات تطالب بغلق الثغرة غير الشرعية، ورددوا العديد من الهتافات التي تطالب المغرب بالانسحاب من بلدهم، والكشف عن مصير المختطفين، والإفراج الفوري عن كافة الأسرى والمعتقلين السياسيين الصحراويين.
تقع منطقة الگرگرات جنوب الصحراء الغربية في آخر نقطة حدودية بين الصحراء الغربية وموريتانيا وتوجد فيها منطقة بمساحة خمسة كيلومترات منزوعة السلاح وفق اتفاقية إطلاق النار التي وقَّعت عليها الدولة الصحراوية مع المغرب سنة 1991، وهي المكان الذي اتخذه المعتصمون/ات الصحراويون/ات كمكان للاحتجاج وإغلاق الثغرة غير القانونية التي فتحها المغرب في هذه المنطقة سنة 2001، واستخدمها منذاك لتصدير تجارته نحو الدول الإفريقية وللاستمرار في نهب الموارد الطبيعية الصحراوية.
استمرت الاحتجاجات لأسابيع وتوافد العشرات من الشعب الصحراوي قادمين من اللجوء والمهجر طيلة شهر أكتوبر وبداية نوفمبر لتعزيز أعداد المحتجين والمحتجات، وحاول الاحتلال المغربي أكثر من مرة تفكيك مخيم الاعتصام والاعتداء على المعتصمين/ات لكنهم/ن تصدوا له، وهو ما دفع بجبهة البوليساريو لإصدار بيان يقضي بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار في حالة المساس بالمعتصمين/ات أو التوغل نحو الأرض المحررة.
وفي فجر الجمعة 13 نوفمبر 2020 قامت قوات الاحتلال المغربي بالاعتداء على المتظاهرين الصحراويين العزل، وتوغل جيش الاحتلال في أقصى جنوب الصحراء الغربية في محاولةٍ لفتح ثلاث ثغرات شرق الثغرة غير الشرعية بالگرگرات، وهو ما اعتبرته الحكومة الصحراوية خرق ينسف نهائيا اتفاق وقف اطلاق النار بينها وبين دولة الاحتلال المبرم عام 1991.
ونصَّ البيان الصادر عن الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو حول إعلان الحرب أن المعارك “بدأت واندلعت الحرب المفروضة على شعبنا ومعها ولجنا مرحلة جديدة وحاسمة من كفاح شعبنا الأبي المدافع عن حقه المشروع في الحرية والكرامة والسيادة”.
وأضاف البيان: “وعليه فإن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب تدعو كافة أفراد الشعب الصحراوي إلى الوقوف بالحزم المطلوب والشجاعة المعهودة ردا على العدوان الغاشم واستكمال تحرير الوطن المحتل بكل ما يقتضي ذلك من تضحيات وعطاء على طريق الشهداء الأماجد”.
ومنذ أن أُطلِقَ نداء الكفاح المسلح، التحق مئات الشباب الصحراوي بمراكز التسجيل للانضمام للجيش الشعبي الصحراوي. وشهدت المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، وخصوصًا مدينة العيون المحتلة، تجمع العشرات من الصحراويين والصحراويات للتعبير عن دعمهم للكفاح المسلح ورددوا شعارات مناهضة للاحتلال المغربي لكن الشرطة تدخلت بسرعة وقمعت بعنف احتجاجهم السلمي.
وانتشرت عشرات الآليات العسكرية والبوليسية المغربية في العيون المحتلة لقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج ضد المغرب أو أي مظاهرات مؤيدة لقرار جبهة البوليساريو باستئنافها للحرب.
ومنذ الإعلان عن العودة للكفاح المسلح استمرت المواجهات بين الجيش الشعبي الصحراوي والجيش المغربي في مناطق متفرقة على طول الجدار الذي يفصل الصحراء الغربية وكشفت وزارة الدفاع الصحراوية عن المناطق التي حدثت فيها المواجهة في بيان نُشِرَ مساء أول أمس الجمعة:
“شهد قطاع المحبس قصفًا مكثفًا على القاعدة رقم 23، كما شهد قطاع حوزة هو الآخر قصفًا مماثلًا وتحديدًا بالقاعدة الرابعة (4) وصونت 71، فيما كان قطاع اوسرد على موعد مع ضربات جيش التحرير الشعبي الصحراوي المعهودة وهذه المرة على القاعدة 17 وصونت 172، ولم يسلم قطاع الفرسية هو الآخر من نيران مقاتلينا البواسل، حيث أمطرت القاعدتان 18 و17 على الساعة الرابعة والخامسة مساءً من نهار اليوم بنيران المدافع والرشاشات”.
وأضاف البيان: “جدير بالذكر أن هذا القصف أحدث أضرارا في الأرواح والمعدات ورعبا في نفوس الجنود المغاربة، كما اخترقت دشم وملاجئ العدو”.
ولايزال القصف مستمراً في عدة مناطق منها منطقة الگرگرات حسب البلاغ العسكري رقم 2 للدولة الصحراوية: “تتواصل لليوم الثاني على التوالي، الهجومات العنيفة لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي على قواعد العدو المغربي؛ حيث تعرضت اليوم السبت قواعد عسكرية ونقاط إسناد ومراكز إمداد لوابل من النيران لم تستطع دفاعات العدو صدها وكان آخرها قصف القاعدة الثالثة عشر من الفيلق 67 بقطاع البكاري ليلة البارحة بالقرب من تنيليݣ، فيما شهدت قطاعات المحبس والگرگرات هجمات بالقذائف الصاروخية والرشاشات”.
ومن المتوقع أن تستمر المواجهات بين الجيش التحرير الصحراوي وجيش الاحتلال المغربي، خصوصًا بعد أن أعلن الرئيس الصحراوي نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار وأبلغ بعثة المينورسو بإخلاء الصحراء الغربية.
وتعيش الصحراء الغربية في هذه الظروف تعتيمًا إعلاميًا ممنهجاً وتغطيةً إعلامية منحازة للبروباغندا المغربية، كما يتم تغييب صوت الشعب الصحراوي بشكل تام.