العراق: الآلاف يحتلون البرلمان وسط تصاعد الأزمة السياسية

لأسبوعٍ كامل، يحتل الآلاف من الناس البرلمان العراقي في مواجهةٍ بين الفصائل السياسية المتنافسة قد تنفجر إلى معارك بالأسلحة في العاصمة بغداد.
يكمن وراء هذه الأزمة نظامٌ طائفي فاسد فرضته الولايات المتحدة، وتدخلات من القوى الإقليمية، ومصير انتفاضة أشعلها الناس العاديون. في الأسبوع الماضي، اقتحم الآلاف من أنصار رجل الدين الشيعي والزعيم السياسي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء كثيفة العسكرة، في العاصمة، حيث تتمركز المكاتب الحكومية.
كان ذلك جزءًا من مواجهةٍ محفوفة بالمخاطر بين تيار الصدر وغيره من الجماعات السياسية الشيعية. لدى جميع هذه الفصائل أذرع مسلحة أو ميليشيات، ورغم أنهم جميعًا حريصون على تجنب الصدامات المباشرة، فقد حشدوا أنصارهم في الشوارع. وقد جاء ذلك بعد شهورٍ من المشاحنات من أجل إنهاء حالة الجمود التي تركت العراق بدون حكومة لمدة عشرة أشهر.
أسفرت انتخابات أكتوبر الماضي عن فوز التحالف الذي يقوده الصدر ليشكِّل الكتلة الأكبر في البرلمان. وقد أنهى ذلك هيمنة الأحزاب الشيعية الأخرى التي سيطرت على الحكومات المتعاقبة في العراق خلال العقد الماضي. قال الصدر إنه يريد قلب النظام الطائفي الفاسد الذي سهَّل حكم هذه الأحزاب. لكن، رغم أنه يتمتَّع بدعم الأحزاب السنيَّة والكردية، لم يحظ بالدعم الكافي لتشكيل حكومة.
وبعد شهورٍ من المشاحنات والمناورات والتهديدات، وجَّه الصدر أتباعه فجأة بالاستقالة من البرلمان، متهمًا الجماعات الشيعية الأخرى بممارسة الضغط على الكتل السياسية الأخرى التي تدعمه.
دفع ذلك الفصائل الشيعية إلى قبول محاولة تشكيل الحكومة بأنفسهم. لكن حين حاولوا ترشيح رئيس للوزراء، أواخر الشهر الماضي، دعا الصدر أنصاره للخروج إلى الشوارع، حيث اقتحموا البرلمان واحتلوه. وكل هذا ليس إلا نتيجة واحدة للأزمة العميقة التي يشهدها النظام الذي نصَّبَته الولايات المتحدة في أعقاب غزوها العراق في 2003.
في ظل التركيبة السياسية الطائفية، التي لم تشهدها العراق من قبل، من المُفتَرَض أن تُقسَّم السلطة والحكومة بين الجماعات الدينية والعرقية. وقد غرس ذلك الانقسام داخل المجتمع العراقي، لكنه أيضًا عمَّقَ الفساد في قمة المجتمع. حقَّقَت الأحزاب الشيعية الاستفادة الأكبر من ذلك، إذ فضَّلها النظام وخصَّصَ لها منصب رئيس الوزراء. لكن في الواقع، كل حزب، سواء كان شيعيًا أو سنيًا، استفاد بالفعل من النظام، الذي منحهم ثروات ومناصب في السلطة.
دمَّر الغزو الأمريكي اقتصاد العراق والمجتمع بأسره، ودفع الفساد العراقيين إلى الفقر، مما فجَّر احتجاجاتٍ متكررة في الشوارع.
في العام 2018، خرج الآلاف من الناس، أغلبهم في جنوبيّ البلاد، للاحتجاج مطالبين بتمويل الخدمات الرئيسية، مثل الطاقة والمياه النظيفة. أما نقص الكهرباء، فقد جعل الحياة غير مُحتَمَلة بالنسبة للكثيرين. ربط المحتجون بصورةٍ مباشرة بين فشل الحكومة وفسادها، بما يتضمن تدخل إيران في السياسة العراقية عبر الأحزاب الحاكمة الشيعية. يولِّد العراق عائداتٍ هائلة من النفط، ويتساءل الكثير من العراقيين لماذا تستفيد شركات النفط ودولٌ أخرى من ذلك، بينما يعانون هم من الأجور المتدنية والخدمات المتداعية.
وفي العام 2019، اندلعت حركة جماهيرية أكبر سيطرت على وسط العاصمة بغداد. دعت هذه الحركة إلى القضاء على الفقر والفساد وإسقاط النظام السياسي الذي عمَّق منهما. وبعد أسابيع من الاحتجاجات، التي صمدت في وجه اعتداءات قوات الدولة والميليشيات الطائفية، أجبرت الحركة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة.
اضطلع الصدر بدورٍ معقد ومتناقض في كل ذلك. لقد بنى سمعته باعتباره زعيم حركة المقاومة المسلحة التي تحدَّت الاحتلال الأمريكي ونكَّلت بالجيش البريطاني في البصرة. وأعاد رسم صورته على أنه قومي عربي أو عراقي، وصوَّر نفسه بأنه مناصرٌ للفقراء ضد النظام الطائفي الفاسد. لكنه مع ذلك لا يزال يتلاعب بهذا النظام، إذ يعقد ويفسخ تحالفاتٍ مع الحكومات وأحزاب المعارضة على السواء.
يحظى الصدر بدعم مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين الأنصار، وكثيرون منهم على استعدادٍ لرفع السلاح. مرَّت أوقاتٌ انحاز فيها الصدر لحركات الاحتجاج من أسفل، لكن كانت هناك أوقاتٌ أخرى أدار لها ظهره. فبعد الالتحاق بحركة 2019 في البداية، أمر الصدر أنصاره المسلحين بالانحياز إلى القوات التي حاولت إغراق الاحتجاجات في الدماء في 2020.
كانت تلك إحدى الضربات الكبرى للحركة، إذ ساعدت على فض الاحتجاجات من الشوارع. واليوم، مع وصول الأزمة السياسية إلى ذروتها، ربما يدخل العراق في مرحلةٍ دمويةٍ جديدة.
* المقال بقلم نِك كلارك – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية