رائحة الجثث لا تفارق الناجين من مذبحة صبرا وشاتيلا

توقف شريط الذاكرة في ذلك اليوم ولاتزال تفاصيله محفورة في كل من شاهد او سمع بالخبر، ذاكرة شعوبنا تتوقف في منعطفات تاريخية ويمكنها تذكر الأحداث بدقة ووضوح لان مسامير الصلب دقت على أجساد الشهداء ولمدة ثلاثة أيام في سبتمبر 1982. الصور التي وثقت مشاهد عشرات الجثث المتناثرة في أزقة مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان والمنازل المدمرة، والأشلاء الممزوجة بالطين والغبار وبرك دماء النساء والشيوخ والأطفال واطرافهم المبتورة حاضرة لا تزال بكامل تفاصيلها الدقيقة في ذاكرة الفلسطينيين والمناصرين لقضيتهم رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تاريخ المذبحة.
بدأ القتل الذي قامت به القوات اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة وجيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد لحد الذي أسسته إسرائيل والجيش الإسرائيلي بقيادة شارون الذي حاصر المخيم وأناره أثناء الليل لتكمل المليشيات الفاشية الذبح في السادس عشر من شهر سبتمبر وبدون توقف وتنتهي في الثامن عشر منه.
تبدأ القصة من دخول الجيش الإسرائيلي لبنان وحصاره لمدينة بيروت في القسم الغربي منه لمدة شهرين، دارت خلاله اشتباكات بين مقاتلي منظمة التحرير ومعهم القوى الوطنية اللبنانية لينتهي هذا الحصار باتفاق بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد ضمانات أمريكية بحماية المخيمات وإرسالها لقوات حفظ سلام التي سرعان ما انسحبت من مواقعها لتترك المخيمات تحت رحمة الجيش الإسرائيلي والمليشيات اليمينية.
التمهيد للمذبحة بدأ في ظهر 14 سبتمبر 1982 حين دوى انفجار ضخم استهدف قائد مليشيا الكتائب اللبنانية، لتوقف أجهزة الأمن في القوات اللبنانية حبيب الشرتوني عضو الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي سيعترف لاحقا بدوره في اغتيال بشير الجميل. لكن في يوم 16 سبتمبر تدخل مليشيات الكتائب والقوات اللبنانية مع مشاركة قوات لحد الى مخيمات صبرا وشاتيلا تحت ذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني لم يخرجوا بعد. الجيش الإسرائيلي قام بتطويق المخيم وانارته ليلا بالكشافات والقنابل المضيئة للأشراف ومراقبة مجريات المذبحة.
وعلى مدار 3 أيام بلياليها، قامت فيها المليشيات اليمينية باستخدام الرشاشات والمسدسات والسكاكين والسواطير والبلطات ضد أهالي المخيم العزل. ونقل شهود نجوا من المجزرة مشاهد لحوامل بقرت بطونهن وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة، كما اقتادوا ممرضين وأطباء من مستشفى عكا إلى وجهات أخرى حيث تمت تصفيتهم.
الخلاف على تحديد أعداد الضحايا يتراوح بين 700 الى 5000 قتيل، وذلك بسبب ان عدداً منهم دفن في مقابر جماعية من الصليب الأحمر أو الأهالي كما أن هناك اعداد دفنت تحت الأنقاض ومئات الأشخاص الذين اختطفوا الى أماكن مجهولة ولم يعرف مصيرهم حتى الآن. لكن الأقرب الى الصحة ما نشرته الباحثة الفلسطينية في كتابها “صبرا وشاتيلا -سبتمبر “1982 واستندت فيه الى 17 قائمة لأسماء الضحايا حيث قدرت عدد القتلى ب 1300 شخص على الأقل. ورغم بشاعة المجزرة، فإن المجتمع الدولي لم يقدم الجناة وقادتهم إلى أي محكمة، ولم يعاقب أيا منهم على ما ارتكبه، واقتصر الأمر على لجان تحقيق خلصت إلى نتائج لم تلحقها متابعات قانونية.
وبغض النظر عن أعداد الشهداء ترك اللاجئين الفلسطينيين لوحدهم بلا حماية بعد رحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت لان التعهدات الدولية او ما عرف باتفاقات فيليب حبيب لم تمنع من ارتكاب أسوأ المذابح. ولم يكن هذا ليحدث لولا توقيع اتفاق كامب ديفيد من نفس العام، وخروج مصر أكبر دولة عربية من الصراع ليدخل الجيش الإسرائيلي ويحتل بيروت ويشرف على أكبر مذبحة عرفها التاريخ المعاصر.
دلوقت نقدر نفحص المنظر
مفيش ولا تفصيلة غابت
وكل شيء بيقول وبيعبر
من غير كلام ولا صوت
أول ما ضغط الموت
بخفة وبجبروت في يوم أغبر
علي زر في الملكوت
وقف الشريط في وضع ثابت
دلوقت نقدر نفحص الصورة
صلاح جاهين