من السيوف الحديدية إلى السيف القاطع.. السودان جبهة الحرب المنسية

مُنذ بِدء الصراع المُسلح في منتصف ابريل الماضي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو” حميدتي”، والبرهان وقادة الجيش السوداني يتهمون دولة كينيا بالانحياز إلى قوات الدعم السريع. الرئيس الكيني” وليام روتو” اقترح في بداية الحرب بصفته رئيس اللجنة الرباعية للهيئة الحكومية للتنمية الإفريقية ” إيغاد” أن يتم إرسال قوة عسكرية إفريقية إلى السودان لوضع حد للصراع بين طرفي المعارك وهو ما استنكره حينها قادة الجيش السوداني وشكل ذلك حالة من القطيعة بين الجيش السوداني وكينيا.
وفي تطور لافت الأسبوع الماضي، قام عبد الفتاح البرهان بزيارة كينيا التقى خلالها في نيروبي بالرئيس الكيني، في دلالة واضحة على تطور المعارك العسكرية على الأرض. فمنذ بداية الحرب، يعلن البرهان وقادة الجيش أن المعارك مستمرة حتى دحر ميليشيا الدعم السريع المتمردة. لكن الخسارات المتتالية للجيش السوداني وسيطرة الدعم السريع على معظم القواعد العسكرية للجيش السوداني في إقليم دارفور “غرب” ومناطق في العاصمة “الخرطوم”. تلك الخسائر هي التي جعلت البرهان يهرع مباشرة إلى نيروبي قادماً من جدة بعد لقائه مع ولي العهد السعودي، حيث المفاوضات التي ترعاها السعودية ومنظمة إيغاد والولايات المتحدة الأمريكية بين الأطراف السودانية، ويبدأ الحديث من نيروبي عن أن المفاوضات هي الطريق لإنهاء الحرب.
في الأيام الماضية، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة “نيالا” بإقليم دارفور. السيطرة على مدينة نيالا الإستراتيجية تمثل نقلة نوعية لتوازن القوى بين الجيش والدعم السريع. فالسيطرة على نيالا تعنى إحكام القبضة على المدينة الثانية بعد الخرطوم من حيث الأهمية الاقتصادية، بالإضافة إلى قربها من مناطق إنتاج الذهب. وعلى المستوى العسكري، تعد سيطرة قوات الدعم السريع على نيالا بغرب إقليم دارفور بمثابة إحكام القبضة على موقع إستراتيجي يربط بين مدن إقليم دارفور من محاور مختلفة.
التقدم العسكري لقوات الدعم السريع أقترن بارتكابها لانتهاكات جسيمة بحق الشعب السوداني وصفتها الأمم المتحدة ” بالشر المُطلق”. فمليشيا الدعم السريع ترتكب الفظائع بدون سبب، ومنذ بداية الحرب تشير التقارير المروعة إلى شيوع حالات العنف الشديدة وجرائم الاغتصاب بحق السودانيات، وفي تصريحها الأخير قالت ليز ثروسيل المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان أنه تم توثيق اختطاف أكثر من 20 امرأة وفتاة قُيد بعضهن بسلاسل واقتدن إلى شاحنات من قِبل قوات الدعم السريع في دارفور.
التقارير تشير أيضاً إلى الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع وقائدها “حميدتي “. فالعلاقات بين الطرفين مُمتدة منذ مشاركة الدعم السريع في معارك ” عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن. سيطرة الدعم السريع في السودان وتحوله ضمن معادلة جديدة في السلطة تعنى أن يكون للإمارات موطئ قدم في منابع الذهب السوداني وضمانة لها للحصول على امتياز تطوير ميناء ” أبو عمامة” على البحر الأحمر، فضلاً عن كسب ميلشيا الدعم السريع كحليف عسكري في المنطقة مُتمرس جيداً على حرب المرتزقة.
الإمارات أعلنت الشهر الماضي عن بدء تدريبات عسكرية لقواتها البرية مع الجيش التشادي، أسمتها تدريبات “السيف القاطع”. وليس خافياً على أحد العلاقة الإستراتيجية التي تربط كُل من تشاد والإمارات بإسرائيل، واتُهمت الإمارات بأن الإعلان المفاجئ عن تدريبات السيف القاطع مع تشاد الدولة الواقعة على حدود السودان ليست إلا غطاءً لتقديم الدعم العمليات لميليشيا حميدتي.
من معركة السيوف الحديدية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ضد المقاومة الفلسطينية، إلى تدريبات السيف القاطع لحلفائها الإمارات وتشاد، نجد إسرائيل حاضرةً أيضا في الحرب السودانية. ليس هذا من قبيل “نظرية المؤامرة ” فحلفاء إسرائيل والمطبعين معها يخوضون أيضاً حرب شرسة في السودان. يمتد هذا إلى الجيش السوداني نفسه فالبرهان الذي التقى نتنياهو عام 2020 في العاصمة الأوغندية من أجل تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يخوض حرباً من أجل السيطرة على الثروة والسلطة في السودان، بعد أن كان حليفاً لميلشيا الدعم السريع في مذابح الثورة السودانية.
بين معركة كسر سيوف إسرائيل الحديدية في غزة وسيف الإمارات القاطع في السودان، لا حلفاء لنا إلا المقاومة الفلسطينية والشعب السوداني. فانتصار حميدتي أو البرهان يعني أن تعزز إسرائيل من تواجدها في إفريقيا، في ظل حالة التيه للدور المصري الذي طالما تغنى بحماية الأمن القومي.