5 حوارات و6 عقود نكبة.. تحيا المقاومة
يبدو المشهد الفلسطيني في العام الأول من العقد السابع لسرقة -نكبة- فلسطين على يد العصابات الصهيونية، محيرا ومربكا للوهلة الأولى، فبعد سنوات من الصراع المرير وتضحيات الشهداء والمقاتلين والمشردين، تجلس الفصائل الفلسطينية في القاهرة فيما سمي الحوار الفلسطيني -في 5 جولات حتى الآن- ليس لبحث خطة مقاومة مشتركة، لكن للضغط على فصيل أو أكثر لإلقاء السلاح والكف عن المقاومة والاعتراف بإسرائيل، والأدهى من ذلك أن هذه العملية جاءت بعد مجزرة همجية نفذتها إسرائيل في قطاع غزة وراح ضحيتها أكثر من 1500 شهيد وأكثر من 5 آلاف مصاب في أقل من 3 أسابيع.
مصدر الحيرة والارتباك الأساسي هنا نابع من وضع كافة الفصائل في سلة واحدة، وعدم التفريق بين من هو مقاوم، ومن ألقى السلاح منذ زمن واختار التحالف مع إسرائيل وحلفاؤها من الأنظمة العربية والإمبريالية، هذه التفرقة تجعلنا ننظر إلى الحوارات الفلسطينية بعين مختلفة، عين ترى فصائل المقاومة الفلسطينية، تتفاوض مع فصائل المهادنة وحلفاؤها في مصر وإسرائيل، مفاوضات حرب، لا مفاوضات استسلام.
كان الهدف من المجزرة الأخيرة التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة ، تغيير موازيين القوى التي خلقتها المقاومة في انتفاضة الخمس سنوات، التي اندلعت في سبتمبر 2000، وأسفرت عن هزيمة عسكرية منكرة لإسرائيل أجبرتها عن الانسحاب من القطاع، وكان الدرس للكيان الصهيوني أنها خاسرة لا محالة في معركة حرب العصابات التي خاضتها المقاومة ضدها ببسالة منقطعة النظير، فكانت الخطة وضع المقاومة في غزة –التي تقودها حركة حماس- بين فكي حليفيها الأقرب في المنطقة، سلطة محمود عباس في الداخل، ونظام مبارك على الحدود، لتجد نفسها في النهاية محاصرة فتستسلم.
هكذا يمكن قراءة أحداث 2006 من الصراع بين حركة فتح وحماس على السلطة في غزة، والذي انتهى بسيطرة حماس على القطاع بالقوة ودحر عباس وسلطته إلى الضفة الغربية، وما تلا ذلك من حصار التجويع الذي وضعت شروطه إسرائيل، ونفذه نظام مبارك وبقية الأنظمة العربية بإخلاص شديد، في محاولة لتركيع المقاومة وإجبارها على إلقاء السلاح والدخول في مستنقع المفاوضات وما يسمونه الحل السلمي، وما يقتضيه ذلك بالضرورة –من وجهة نظر إسرائيل وحلفاؤها- من الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، بمعنى آخر دمج حماس وفصائل المقاومة الأخرى، في المسيرة المخزية التي بدأتها فتح بقيادة عرفات في أوسلو مع بداية تسعينات القرن الماضي، وأفضت إلى هذا الكيان المسخ المسمي السلطة الفلسطينية.
اختارت فتح الارتماء في أحضان أمريكا وحلفاؤها من الأنظمة العربية وإلقاء السلاح والتفاوض حتى آخر قطرة من أحبار أقلامهم لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني!، ورفعت الأقلام وجفت الصحف دون أن يحصل الفلسطينيين على شيء، لكن فتح حصلت على أشياء كثيرة، سلطة مشوهة، بما يعنيه ذلك من ملايين الدولارات حصيلة المنح والتبرعات الدولية والعربية للسلطة الوليدة. أما أبناء الشعب الفلسطيني كان لهم اختيار آخر، هو المقاومة حتى آخر قطرة من دماهم لانتزاع حقهم في وطنهم، فكانت ملحمة الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى، التي قامت بعملية فرز حقيقية، وأعادت ترتيب صفوف المقاومة في ناحية، وصفوف أعداء والمقاومة وحلفاء إسرائيل في ناحية أخرى.
ورغم أن حصار التجويع والمجازر الإسرائيلية لم يستطع القضاء على المقاومة، بل على العكس زادها تضامنا جماهيريا عربيا وعالميا، إلا أنهما خلقا تحديات مضاعفة أمامها، فقد أصبح نجاحها في النضال ضد الصهيونية مرتبط بقدرتها على التصدي للضغوط التي تتعرض لها من حلفاء إسرائيل من الأخوة الأعداء والأنظمة العربية، الذين يحاولون جذبها إلى مسارهم الاستسلامي، عبر ما يسمونه حوارات المصالحة التي تتبناها القاهرة.
إن الستة عقود الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي مليئة بالدروس والعبر لكل المناضلين، لكن ربما يكون الدرس الأول والأهم، أن طريق الاستسلام والاستجداء والانبطاح أمام الصهيونية والإمبريالية لن يعيد حقا، لقد عاشت فلسطين والجماهير العربية نكبات وهزائم متتالية عبر 61 عاما، في كل مرة يقرر حكامها خيانتها ووضع أيدهم في أيدي أعدائهم، لكن خلال هذه السنوات شهدنا أيضا انتصارات مهمة نتيجة استمرار شعلة المقاومة بأيدي مناضلين بواسل، فلنحافظ عليها مشتعلة.