بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

آفاق وتوقعات ودروس.. مصر وسوريا كمثالين

شعب يُذبح وتُقطع منه الحناجر في مقابل نظام سفاح يحاول جاهداً التشبث بالسلطة ومنع التغيير بدعم من مسانديه الإقليميين والدوليين ومباركة إسرائيل، عشرات من القتلى والجرحى كل يوم وما برحت الجماهير السورية تملأ الشوارع فتُقتل فتملأ الشوارع مرة أخرى ترفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام.

فماذا بعد؟ هل يمكن للثورة السورية أن تنتصر؟ كيف؟ ما هي القوى الرئيسية للثورة والثورة المضادة؟ هل ينجح النظام في سعيه للحفاظ على نفسه من خلال تفجير حرب أهلية طائفية؟ أسئلة ناقشها مركز الدراسات الاشتراكية مساء الأربعاء 1 فبراير بحضور المفكر والمناضل سلامة كيلة والدكتور سامح نجيب القيادي الاشتراكي الثوري.

في البداية أوضح كيلة أن الوضع السوري يثير التباسات متعددة, فهناك انتفاضة ضد نظام يقف في مصاف الدول الممانعة والمقاومة ضد الامبريالية كما هناك أيضا نظام اقتصادي تشكل في العشر سنوات الماضية وأحدث تراكما كبيرا. فبعد استلام بشار السلطة عام 2000، بدأت الحدة الاقتصادية تتسارع بتكوين نمط اقتصادي ريعي اعتمد على الاستيراد والبنوك والعقارات وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى انهيار سريع في الاقتصاد على المستوى الصناعي بانهيار صناعات الغزل والنسيج مثلا، أو على المستوى الزراعي بازدياد معدلات الهجرة من الريف إلى المدن حيث تراجع معها الإنتاج الزراعي بشكل كبير.

تحول شكل الاقتصاد إلى تركز الثروة في يد أقلية من عائلات بعينها كعائلة الأسد وعائلة مخلوف المقربة من السلطة، فبعض الدراسات أكدت أن هذه العائلات تمتلك 60% من الاقتصاد السوري وهو ما أدى بالضرورة إلى زيادة الحدة الطبقية التي طالت كتل أساسية في المجتمع حتى انخفض الحد الأدنى للأجور من 620 دولار كمؤشر عالمي إلى 440 دولار في سوريا، وهو ما خلق حالات من الانفجار الدائم واجهتها السلطات بمزيد من القمع طيلة حكم الأسد.

جذور الانتفاضة
والحقيقة أن تلك الليبرالية وهي السياسات الاقتصادية الأمريكية التي تبناها النظام السوري في السنوات القليلة الماضية حدثت في نفس الوقت الذي شهد الجانب السياسي حالة خصام مع أمريكا, فطبيعة العلاقات منذ حرب العراق وبعد تولى بشار السلطة بسنوات قليلة كانت هادئة لأن المافيات السورية شاركت في تهجير الأسر العراقية من الحدود المشتركة، وبعد الحرب رحب النظام بوجود علاقات مع أمريكا التي حاولت بدورها تغيير النظام السوري المبني على أساس طائفي، زادت تلك المحاولات مع قدوم أوباما إلى السلطة لكن أظهرت فشل لإن النظام السوري كان قد وطد علاقته بإيران وحزب الله ومن خلال تلك القاعدة بدأ يناور بالشد أو الجذب، الولايات المتحدة قبلت النظام كما هو لذلك لم يكن الصراع مع الولايات المتحدة مبنيا على أساس طبقي وهو ما يعيد التفكير في وصف سوريا بالدول الممانعة.

من هذا المنطلق بدأت الانتفاضات تلو الأخرى ضد نظام مافيا استبدادي استطاع تهميش كتلة كبيرة في المجتمع. وهذه الانتفاضة حملت جملة من عناصر لم تكن سابقا حيث بدأت بقضايا مطلبية متعددة في درعا لكن خوف النظام من تحولها إلى انتفاضة كبرى تطيح به كما حدث بمصر وتونس أدى للتعامل مع المتظاهرين بشكل أعنف وهو ما قابله على الجانب الآخر بتصاعد حركة الجماهير والمطالبة بإسقاط النظام، حدث ذلك كله بتطورات سريعة جدا بوأد الحركة قبل أن تصل إلى مدن أخرى، كما حاول النظام أيضا تحقيق أكبر استفادة لصالحه من خلال اللعب بالورقة الطائفية التي وصفت التحركات بقوى اسلامية تريد الاستيلاء على الحكم وفي نفس الوقت ضخ النظام إعلامه ضد الأقليات لتخويفها مما يجري باعتبارها أول ما سيتم تصفيته من الاسلاميين بالتذكير بمجازرهم عامي 80 و81، هنا الوضع خلق أشكال عامة في الانتفاضة السورية بين جانب استجاب للخوف من إدعاءات النظام كالعلويين برغم فقرهم الشديد وجانب آخر استبسل في مقاومة دبابات النظام.

الحراك الشعبي والقوى السياسية

إلا إن حركة الجماهير برغم تصديها لمحاولات الفتنة الطائفية سواء ببث إعلامي مماثل من خلال فيديوهات مصورة من قلب الأحداث أو بتكوين لجان من طوائف مختلفة بحمص لإحباط مخطط النظام, بدت الحركة في أغلب أحوالها عفوية وغير منظمة من أحزاب تقود الانتفاضة أدى إلى عدم بلورة المطالب الشعبية كالفقر والبطالة حتى أصبح إسقاط النظام في حد ذاته هو هدف الانتفاضة, فعلى سبيل المثال لم يدخل العمال من موظفي الدولة في إضراب يحدد طابع طبقي مباشر للثورة، فهم بالفعل شاركوا في عدة مسيرات، لكنهم لم يتخذوا حراك منفصل عن الحراك العام.

الهدف العام بإسقاط النظام إذن لم يكن واضحا، وهو ما انعكس على شكل الحركة السياسية المتمثلة في المعارضة والتي أبدت بعض فصائلها ترحيبا بضرورة التدخل الخارجي بدفع الأمور إلى تجربة ليبيا، المعارضة هنا ساهمت بشكل غير مباشر في مخطط إيخاف الشعب لإنها اعتمدت فقط على إظهار فظائع النظام واعتقدت باستحالة سقوط النظام فقط بقوة الشعب مما زاد حالة الإرباك للأقليات.

فصائل أخرى من المعارضة انتهزت الفرصة بإسقاط نظام الأسد لكنها في الحقيقة ستأتي بنظام لا يختلف عن النظام القائم سياسيا أو اقتصاديا، أما اليسار فقد تبنى أغلب قياداته خطاب السلطة وهو ما أدى لغيابه عن المشاركة فيما عدا بعض القيادات التي استقالت وتبلورت في أشكال تنظيمية أخرى وانخرطت في انتفاضة الشعب بشكل أفضل في تنظيم آلياتها.

إلا إن القراءة العامة للانتفاضة السورية على المستوى الخارجي تتجه ناحية ضعف التدخل الأجنبي بضعف الرأسمالية العالمية بعد تورطها بأزمات اقتصادية طاحنة، فأي طرف سيفكر في التدخل السوري لابد أن يضع احتمالات قوية حول الدخول في حرب إقليمية تكون إيران وحزب الله أطرافا قوبة بها. وعلى المستوى الداخلي فإن الأزمة الاقتصادية ستزداد أمام الدولة التي لم يعد لديها سيولة نقدية في إطار دفعها للجيش والشبيحة، ذلك سيؤدي إلى زيادة التضخم وبالتالي الفئات التي لم تستجب للانتفاضة ستكون أكثر تحمسا للمواجهة، لعل ذلك سيمتد إلى تجار دمشق وحلب الذين استفادوا كثيرا من النظام سابقا وسيتغير الوضع لرغبتهم في إنهاء ذلك الصراع الطويل.

النظام ليس لديه خيار في إنهاء الصراع سواء بتقديم وعود وإصلاحات ديمقراطية عاجزة عن الإصلاح وستؤدي إلى انقلاب على السلطة نفسها.

ارتباط ثوري للشعوب
أما عن الثورة المصرية فقد أوضح نجيب في كلمته أن الثورة المصرية برغم تحقيق إسقاط رأس النظام مقارنة بسوريا، إلا إن الثورة المضادة في حالة دؤوبة لخلق خوف كافي كما يعتمد عليه النظام السوري ببث الشائعات حول عمليات حرق ونهب مخطط لهما يوم 25 يناير بنزول الجماهير، إلا أن سامح وجد في المقابل أن توازن الثورة المضادة فبل 25 يناير تغير بعده فالملايين استطاعت النزول دون أن تشهد حرق أو تدمير كما روجت السلطة، لعل ذلك أعطى ثقة كبيرة للحركة العمالية ذات الطابع الراديكالي لخوض معارك جديدة أو بتسيير المظاهرات إلى مجلس الشعب كما حدث، كما وجد سامح أن القوى السياسية المتمثلة في الإخوان والتي حاول المجلس استخدامها لإضفاء الاحتفال في ميدان الشهداء أو استخدامها لاعتراض العمال عند مجلس الشعب، هذه القوى تشهد فروقات كبيرة بين القيادات التي تعقد الصفقات مع المجلس العسكري وبين القواعد التي قدمت الشهداء كذلك بين أغنياء وفقراء الجماعة ككل، وفي ظل الاتجاه ناحية الأزمة الاقتصادية قد تزيد فرص انقسام الجماهير عن القوى السياسية لذلك من الضروري

وعن العلاقة بين البلدين وجد سامح أن الأزمة الرأسمالية ستقلل من الاستثمارات الأجنبية كذلك النمو الاقتصادي وسيتضح خطاب المعارضة في معالجة الأزمات بأنه لا يختلف عن سابقه من الأنظمة البائد، كما لا يمكن استكمال الثورة في البلدين إلا باتخاذ معاداة واضحة لليبرالية والسياسات الاقتصادية التي أفقرت الشعوب، وهو ما يطرح بقوة تكوين بديل ثوري من الجماهير التي همشتها المعارضة كالمرأة والأقباط، كذلك من الجماهير التي اقتحمت السفارة الاسرائيلية بعيدا عن قوى سياسية طلبت ود اسرائيل بتصريحاتها ومواقفها، وأن تستوعب البدائل الثورية الجماهير القادرة على هزيمة الثورة المضادة واستمرار الثورة على السواء.