عرض كتاب
بين المعبر والنفق.. ماذا حدث في غزة؟
الكتاب: بين المعبر والنفق.. ماذا حدث في غزة؟
تحرير: عبد القادر ياسين
الناشر: مركز الإعلام العربي
الكتاب الذي نعرض له اليوم هو نتاج لعمل جماعي لعدد من الكتاب والباحثين، بإشراف المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين، الذي قام بتحرير الكتاب، وشارك بكتابة فصلين، يتكون الكتاب من سبعة فصول، عدا ستة ملاحق. الفصل الأول: تجهيز مسرح العمليات، كتبه عبدالقادر ياسين، وتناول تمهيد إسرائيل الساحة، على كافة الأصعدة، لعملية عسكرية مؤجلة منذ 2006، لولا اشتعال الجبهة في الشمال. أستغل الإسرائيليون عملية إطلاق سراح الأسرى لتلميع أبو مازن، الذي قام وزراء الخارجية العرب، بتمديد ولايته، دون وجه حق، حتى يناير 2009. ثم مساعي ليفني لكسب تأييد، أو حيادية، الاتحاد الأوروبي، وانتهاءً بلقائها مبارك وأبو الغيط، وإطلاقها التهديد والوعيد، من القاهرة. ثم محاولة الإسرائيليون تكتم الاستعدادات العسكرية، وأخيرا اتخاذهم رفض الفصائل الفلسطينية، الجهاد وحماس والشعبية والديموقراطية، تمديد التهدئة، التي لم تحترمها إسرائيل، كذريعة لشن الحرب.
الفصل الثاني:مواقف الفصائل الفلسطينية، وكتبه حسام شحادة، ويعرض التباين بين موقف السلطة، التي تولت مقاليد الحكم، تحت عباءة إسرائيلية-أمريكية، وبين الفصائل التي تمسكت بخيار المقاومة. وهو يرى ان العدوان أدى إلى تحييد الانقسام، وإن كنت أرى أن العدوان نفسه كان أحد المظاهر البارزة للانقسام الحقيقي بين الفصائل، على اختلافها، التي تمسكت بالمقاومة، وبين السلطة العميلة، وهو ما تكشف مؤخرا، في سبتمبر 2009، مع صدور تقرير جولدستون. لذا نجد أن وصف الباحث لموقف السلطة بأنه”موقفًا انتظاريًا”، به درجة كبيرة من التلطف، لا تستحقه سلطة أبو مازن.
كما ذكر الفصل موقف السلطة خلال العدوان، وإسراعها بقبول المبادرة المصرية، وقرار مجلس الأمن، وتحميلها مسئولية العدوان! بينما رفعت الشعبية والديمقراطية وجبهة التحرير، إلى جانب الجهاد وحماس، وأجنحة من فتح، خيار المقاومة.
الفصل الثالث: الموقف الصهيوني من الحرب، كتبه الباحث الشاب خالد سعيد، المتخصص في شئون الإسرائيلية، وتناول في هذا الفصل الحشد الإعلامي والسياسي الإسرائيلي، قبل الحرب، لكسب التأييد الخارجي والداخلي، وإدانة حماس، وتصويرها كقوة غاشمة معتدية، ثم سير العمليات العسكرية، وما ترتب على الحرب، من قوة معسكر اليمين، رغم هبوط سقف التوقعات والأهداف، التي طرحتها القيادة الإسرائيلية (باراك – ليفني – أولمرت).
الفصل الرابع: الموقف الدولي، بدأ الفصل من موقف إدارة بوش، الذي تغير بعد طول أمد العدوان، وعدم تحقيق أهدافه، ثم موقف أوباما، خلال الحرب، ومقارنته بتصريحاته خلال حملته الانتخابية، التي كانت تتملق إسرائيل، وتنعت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب. ثم انتقل إلى موقف دول الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن موحدًا، فقد أرادت فرنسا أخذ دور هام على الساحة السياسية، تكلل بالمبادرة الفرنسية-المصرية، بينما اعتبرته “التشيك” دفاع عن النفس، في حين كان موقف هولندا والدانمارك وبلجيكا هو التعاطف مع الضحايا. في مقابل الموقف الرسمي، كان الشارع الأوروبي يجيش تعاطفًا مع غزة، فخرجت المظاهرات في شوارع لندن، حتى قُدرت بمئات الآلاف من المتظاهرين، وفي فرنسا استمرت المظاهرات حتى قبيل إعلان وقف العدوان، واتسمت بعضها بالعنف، كما خرجت مظاهرات بالآلاف في اليونان والمجر والبوسنة وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا، كما أعلنت كندا مقاطعة أكاديمية لإسرائيل. بينما خرجت في بيرن (بسويسرا) مظاهرة من 1500 شخص مناصرين للصهيونية، ومظاهرة من 200 شخص في إحدى المدن الألمانية.
أما عن روسيا، فقد كانت لهجتها مخففة، وتحدثت عن “العنف بين الطرفين”، بينما أعلنت تأييدها لتدعيم سلطة أبو مازن، وحاولت الضلوع بدور مهم، في الوساطة مع حماس، عن طريق إيران وسوريا، ومع ظهور بوادر فشل العدوان، ذكر المحللون الروس، صعوبة تحقيق إسرائيل لأهدافها. إلا أن الشرطة قمعت التظاهرات المؤيدة لغزة. وفي آسيا كانت المواقف الرسمية فاترة، بينما كان موقف الشارع أكثر سخونة.
وعن موقف أمريكا اللاتينية، فقد اتحد موقف الشارع مع الموقف الرسمي في اكثر من دولة، حيث قطعت بوليفيا وفينيزويلا علاقتهما بإسرائيل.
الفصل الخامس: بصمات المعتدين، والذي تناول فيه عبد القادر ياسين آثار ونتائج الحرب، أولا في المجال الفلسطيني، حيث عجز العدوان الوحشي عن تحقيق أهدافه، وتعميق أزمة فتح، بسبب “حيادية رئاسة السلطة”، وهو وصف ليس في محله، فبوجه عام، لا يمكن لأحد أن يأخذ موقف “حيادي” بين أخيه وبين عدوه، كما أن مجرى الحرب، وما اتضح بعدها، يؤكدان تواطؤ سلطة أبو مازن حتى النخاع. ثم انتقل الفصل إلى المجال الإسرائيلي ونتائج الحرب على الانتخابات. بعدها تعرض للموقف العربي، حيث أعلن كاتب الفصل وفاة المبادرة العربية، وجامعة الدول العربية، لكنه لم يتعرض لموقف النظام المصري “المشرف!”. أخيرًا، عرض الفصل الموقف الإقليمي، فكان حرب غزة بالنسبة لتركية فرصة لفتح الأسواق العربية، بعد أن شبعت ذلاً في سبيل خطب ود الاتحاد الأوروبي، عبر “قلبه المعلق” إسرائيل، وكذلك موقف إيران، إذ حولت إسرائيل، وأنظمة المهاودة العربية، العدوان على غزة، إلى حرب ضد إيران “الشيعية”، “الفارسية” كما وصفها الإعلام المهاود. وأخيرًا الساحة الدولية، فكان اشتعال الشارع عاملا مخففا للتحيز الواضح لإسرائيل، وقد أعاد العدوان على غزة القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
الفصل السادس: تأثير حرب غزة، وانعكاساتها على نظرية الأمن الإسرائيلي، تناول فيه الأستاذ فتحي عبد العليم نشأة نظرية الأمن الإسرائيلية، وتفاعلها مع معطيات الواقع، وهو ما أفرز عدة مبادئ هامة، هي الحرب الخاطفة، والجيش العامل الصغير والاحتياط الكبير، ونقل الحرب خارج الحدود، والحرب الاستباقية، والتحالف مع الأقوياء، وتوظيف التكنولوجيا، وبناء القوة الذاتية.
ثم يتناول تطور نظرية الأمن بعد 1967، وإضافة مبدئي الحدود الآمنة، وقوة الردع الواقية. ثم ما أدت إليه حرب أكتوبر، حيث أكدت ضرورة تعدد المصادر الاستخباراتية، وعظمت مبدأ تكامل أنظمة التسليح، ومبدأ التفوق النوعي، وأهمية العمق الاستراتيجي، ولكن حرب أكتوبر، كانت في رأي كاتب الفصل:”جملة اعتراضية في سياق تاريخي لأمة مهزومة”.
انتقل الفصل بعد ذلك إلى المحور الثاني وهو “غزة ونظرية الأمن الإسرائيلي”. حيث عرض أوجه التشابه والاختلاف، بين حربي؛ لبنان 2006، غزة 2009. ثم نظرية الأمن الإسرائيلي والمأزق الذي تعانيه أمام حركات المقاومة، فكافة المبادئ سالفة الذكر، وإن نجحت بفاعلية، أمام الجيوش النظامية إلا أنها عجزت أمام فصائل المقاومة. وأخيرًا تحدث عن صواريخ المقاومة، والجدل الذي أُثير حول جدواها، ثم عن حسبة الخسائر والمكاسب، موضحًا أن حركات المقاومة لا تضع أمامها مثل هذه الحسابات، ضاربا المثل بالجزائر وفييتنام وستالينجراد، علاوة على أن الحرب فُرضت على الشعب الفلسطيني، فهي بالأدق كانت عدوانًا وتقتيلاً وليست حربًا وقتالاً.
أما الفصل السابع و الأخير فيحمل عنوان يوميات الحرب، وفيه سرد لمستجدات الحرب يوماً بيوم، على الصعيد السياسي والعسكري، وعدد الشهداء، وكذلك أهم التصريحات التي واكبت الحرب، منذ السابع والعشرين من ديسمبر 2008، وحتى التاسع عشر من يناير. ويمكن أن يعد هذا الكتاب أحد ملاحق الكتاب.
ينتهي الكتاب، بعدد من الملاحق الهامة، الأول، هو حصاد عمليات المقاومة، من كافة الفصائل، كتائب ابي علي مصطفى، وألوية صلاح الدين وكتائب الشهيد جهاد جبريل، وكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، وكتائب شهداء الأقصى، وعز الدين القسام. والملحقين الثاني والثالث لمقالين أحدهما مترجم، والملحق الرابع لبعض رسوم الكاريكاتير المختارة، والخامس لبعض التصريحات التي صدرت خلال الحرب، وأخيرا ملحق بالآثار الاقتصادية للحرب على العدو الصهيوني.
ينقص الكتاب، تخصيص دراسات لتحليل موقف الأنظمة العربية، والنظام المصري، بخاصة. كما أن الملحقين الرابع والخامس، ذكرت القليل فحسب، من رسوم الكاريكاتير، والتصريحات. أخيرًا، فنحن أمام عمل جيد، لكنه للأسف غير مكتملة لكن ذلك لا ينفي عنه صفته مرجع يوثق ويؤرخ لتلك الحرب الوحشية على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة.