إعادة انتخاب أوباما.. بين الأسطورة والواقع

قال باراك أوباما في خطابه بعد الفوز بفترته الثانية كرئيس للولايات المتحدة: “إننا أسرة أمريكية وسننهض أو ننهار معًا كأمة واحدة وكشعب واحد”.
الحقيقة أن الولايات المتحدة لم تكن أبدًا أكثر انقسامًا من الآن؛ فقد ارتفعت نسبة البطالة بحدة في أول عامين من رئاسة أوباما وظلت مرتفعة، وتستمر الفجوة بين الأغنياء والفقراء في التوسع، وصحب ذلك انقسام واسع في السياسة الشعبية، حيث يقول مركز “بيو” البحثي: “بينما يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر الجاري فإن قيمهم ومعتقداتهم الأساسية تتعرض للاستقطاب من الصفوف الحزبية أكثر من أي وقتٍ مضى في الخمسة وعشرين عامًا الماضية”.
ظلت تلك النزعة تنمو منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 ولا يبدو أنها ستتوقف، فمعظم من مالوا إلى اليسار حين تم إنقاذ المصارف قد اتجهوا إلى اليسار أكثر، بينما انتقل هؤلاء الذين مالوا إلى اليمين وألقوا باللوم في الأزمة على سود البشرة والمهاجرين إلى اليمين أكثر.
بدأ أوباما ومؤيدوه يوجهون بإتقان المعارضة للقلة الثرية إلى أصواتٍ للديمقراطيين، وبينما كان الرئيس يسعى إلى الاستفادة من الغضب الشعبي، سعى أيضًا إلى تهدئة المقاومة في الشوارع، حيث يخشى أن تُواجه الموجة الجديدة من تخفيض الإنفاق الذي يخطط له بموجة من الغضب الشعبي.
النمط الطبقي للتصويت لأوباما
تم انتخاب أوباما في 2008 وسط موجة من التفاؤل والنشاط الشعبي، ولم يكن ذلك حاضرًا بالتأكيد هذه المرة، فقد فشل في تحقيق آمال مؤيديه، ولكن الخوف من الحزب الجمهوري اليميني المسعور كان يعني أن خيبة الأمل لن تترجم في خسائر كبيرة من الأصوات الانتخابية.
تعاون تحالف فريق أوباما منذ أربعة أعوام؛ من الأقليات العرقية والشباب والمصوتين من الطبقة العاملة، وليبرالي الطبقة الوسطى، فقد اتحدوا معًا بشكل عام. وانخفض معدل المشاركة في الانتخابات انخفاضًا طفيفًا من نسبة 62% إلى حوالي 60%، وقامت ولايتان هامشيتان فقط بتغيير توجههما حيث عادت إنديانا وكارولينا الشمالية إلى تأييد الحزب الجمهوري، وإذا قمت بتقسيم الأرقام طبقًا للطبقة والعرق والنوع سترى نفس الصورة للانجراف بعيدًا عن أوباما ولكن لم تقع تغيرات كبيرة.
هناك نمط طبقي واضح للمصوتين لأوباما، فقد فاز بأصوات أغلبية واضحة من المصوتين محدودي الدخل (الذين يجنون أقل من ثلاثين ألف دولارًا سنويًا) بنسبة 63%، وتنخفض تلك الأغلبية كلما ازداد الدخل، فكان الأمريكيون الذين يجنون أكثر من خمسين ألف دولارًا سنويًا يفضلون ميت رومني.
وهناك نمطًا جغرافيًا مشابهًا؛ فقد فاز أوباما بنسبة 69% من المصوتين في المدن الكبرى، بينما تفوق رومني في المدن الصغيرة والضواحي والمناطق الريفية، إذًا فإن قاعدة أوباما الأساسية هي الطبقة العاملة والمناطق الحضرية، وتقاطعت تلك العوامل مع الانقسامات العرقية.
محاولة رومني للعب بورقة العِرق
لا يعني ذلك أن الانقسامات العرقية لم يكن لها أي تأثير في الانتخابات، فلا يزال المصوتون سود البشرة يتجهون غالبًا إلى أوباما، وارتفعت نسبته بين اللاتينيين من 67% في 2008 إلى 71% في هذه الجولة، كما زادت بين الأمريكيين الآسيويين من 62% إلى 73%.
وفي هذه الأثناء لم تختفِ العنصرية على الإطلاق في حملة رومني، حيث شوهد أحد أفراد الجمهور في اجتماع سابق يرتدي قميصًا يدعو إلى أن يعود البيض إلى البيت الأبيض. انعكس ذلك في النتائج حيث كانت الأصوات التي حصل عليها أوباما تنقسم إلى 57% من البيض و24% من السود و14% من اللاتينيين، بينما انقسمت أصوات رومني إلى 91% من البيض و2% من السود و6% من اللاتينيين.
جعلت تلك الصورة الكثيرين يؤكدون أن الطبقة العاملة من الأمريكيين البيض قد تدفقت إلى معسكر رومني، ومما لا شك فيه أنه كان هناك تأرجحًا باتجاه الجمهوريين بين تلك الفئة من المصوتين، ولكن أظهرت الأرقام الكاملة صورةً أكثر دقة، حيث لا يزال أوباما في المقدمة بين المصوتين البيض محدودي الدخل، وطبقًا لمركز “بيو” فقد اتجهت نسبة 45% منهم إليه مقارنةً بـ43% اتجهوا إلى رومني، ويُعد هذا تقدمًا أقل مما كان في عام 2008 ولكنه لا يزال تقدمًا.
وعلاوة على ذلك فإن تصويت الطبقة العاملة من البيض لرومني كان متركزًا بحسب النطاق الجغرافي، فقد تقدم رومني كثيرًا في الولايات الجنوبية، ولم تشكل التقاليد العرقية للجنوب أولوية بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، ولكن في بقية البلاد كان رومني متقدمًا بين الطبقة العاملة من البيض في الولايات الهامشية وفي الغرب الأوسط وفي الولايات الصناعية والزراعية، بينما أوضحت صناديق الاقتراع أن أوباما كان متقدمًا بين المصوتين البيض من الطبقة العاملة.
لذا فإن الصورة معقدة؛ حيث اقتنع جزء من العمال البيض بأن مصالحهم تتعارض مع مصالح العمال السود والأجانب، وخُدعوا بنغمة رومني العنصرية بأنه سيعتني بالبيض بينما أوباما سيعتني بالسود، ولكن المصوتون لرومني لا يمثلون العمال البيض بشكل عام، ولا يجب المبالغة في سيطرة رومني عليهم، حيث يمكن أن تتحطم الأفكار العنصرية عند الكثير من هؤلاء العمال إذا تم تحديهم بجدية وإذا قامت الاتحادات بالعمل الضروري لإنقاذ الوظائف وتحسين الأجور.
الانتخابات مجرد انعكاس ضعيف للمزاج العام
تضمنت تغطية محطة “بي.بي.سي” ليوم الانتخابات مقالًا أحمقًا لآندرو مار يتحدث عن حركة “الشاي” بينما يتجاهل تمامًا حركة “اوكوباي” والحركات الاحتجاجية الكبيرة الأخرى التي ظهرت خلال فترة رئاسة أوباما، إن هذا أمرًا نموذجيًا للإعلام البرجوازي، فهو يحب تقديم العنصريين المخبولين ومناهضي الإجهاض المسعورين بوصفهم ممثلين بطريقة أو بأخرى عن الأمريكيين العاديين.
ولكن هناك أيضًا اتجاه متزايد إلى اليسار في الولايات المتحدة، فقد أصبحت شعارات حركة “اوكوباي” التي تصف الأغنياء بأنهم “1%” والبقية بأنهم “99%” مفرداتٍ مستخدمة في الحياة اليومية، وقد حازت الإضرابات النضالية الكبيرة على دعم كبير؛ ومنها الاحتجاجات في ويسكونسن العام الماضي وإضراب معلمي شيكاغو الحديث.
وظهر صدى هذا الاتجاه في بعض الاستفتاءات التي أجريت في يوم الانتخابات؛ فقد قامت أربعة ولايات بالتصويت لتشريع زواج المثليين جنسيًا وهم؛ ماين وماريلاند ومينيسوتا وواشنطن، وقامت ولايتان بالتصويت لتشريع نبات القنب وهما؛ كولورادو وواشنطن، وتعرض كل المرشحين الجمهوريين الذين أصدروا التصريحات العنصرية تجاه النساء أثناء الحملة لهزيمة مخزية.
ويزداد الاتجاه الشعبي قوة حين تضع في الاعتبار الـ 84 مليونًا من الأمريكيين الذين كان باستطاعتهم التصويت ولكنهم لم يفعلوا، ووجد استفتاء حديث لغير المصوتين أجراه مركز “بيو” أنهم يميلون إلى اليسار بنسبة اثنين إلى واحد، إنهم شباب محدودي الدخل ويشملون نسبة عالية من اللاتينيين.
إن توجيه غضب الطبقة العاملة إلى حلبة سياسة الأصوات الانتخابية الأكثر أمانًا هو أحد تأثيرات الحملة الانتخابية والخوف من اليمين، وشهدت تلك العملية استخدام زعماء الاتحادات المنحازين إلى الديمقراطيين لتأثيرهم لبتر النضالات وتحديد المطالب.
معارك المستقبل
استخدم أوباما خطاب الفوز للحديث على نحو حالم عن أمريكا المتحدة بحق، التي يتم معالجة الانقسامات المتزايدة بها بالروح الوطنية المنتعشة، كما احتوى خطابه أيضًا على تحذيرات للمستقبل، بما في ذلك تطلُّع أوباما إلى الجلوس مع المحافظ رومني للحديث عن سبل التعاون بينهما للعمل من أجل تقدم البلاد، وما يعنيه أوباما بجملة “تقدم البلاد” هو تنفيذ تخفيض الإنفاق الصارم.
يعلم الديمقراطيون أن تخفيض الإنفاق على الصحة والتعليم والشئون الاجتماعية ستتسبب في تضرر العديد من مؤيديها بشدة، ولكن الحزب ملتزم بوضع مصالح رأس المال في المقدمة. وما يدعم كل ذلك هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي لن يستطيع الديمقراطيون ولا الجمهوريون حلها، فهم يتشاجرون ويتصالحون ولكن عليهم أن يظلوا يهاجمون العمال ومن شأن ذلك تقسيم الأمة أكثر.
سيمنح اضطراب حركة الشاي الجمهورية اليمينية الثقة لكل من يرغبون في النضال، وعلينا أن نأمل أن يكتشف العمال قوة الاتحاد وأن يتخطوا الحزب الديمقراطي الذي اتخذ من أصواتهم أمرًا مسلمًا به ولم يحقق سوى القليل.
* المقال باللغة الإنجليزية من جريدة العامل الاشتراكي البريطانية