بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

دفاعا عن المقاومة.. لا عن حماس

الكتاب: حماس من الداخل

(القصة غير المروية عن المقاومين والشهداء والجواسيس)

المؤلف: زكي شهاب

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

تاريخ النشر: 2008

 

بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران 1979، بدا أن هناك أقسام من القوى السياسية في العالم أصيبت بمرض الإسلاموفوبيا. زاد هذا المرض العضال عندما برزت على السطح مقاومة إسلامية في لبنان وفلسطين، ومؤخرا في العراق. وعنوة تم خلط كل الأوراق. فلا فرق بين حماس والقاعدة، كلهم في سلة واحدة: إسلاميون، ظلاميون، معادون.

انعكس هذا المرض على كثير من الكتابات اليسارية والوطنية والليبرالية، وكذلك على الكتابات التي تدعي الوقوف على الحياد، كالكتاب الذي بين أيدينا لزكي شهاب. ذلك أن الميل لنقد ومعاداة الحركات الإسلامية وأجنحتها المقاومة، يكون الأكثر ترجيحا في حالة تبني منهج الحياد الذي ليس له في السياسة أي محل من الإعراب. فعندما تدور المعارك على الأرض وتبدأ القوى في التمترس، لا توجد مساحة للوسطية.

خذ عندك المثل الآتي: ما حدث في غزة من استئثار حماس بالسلطة في يونيه 2007 بعد تشكيلها للحكومة عقب فوزها بأغلبية كاسحة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في يناير 2006، وبداية حصار غزة من قبل العدو الصهيوني وتجويعها واجتياحها أكثر من مرة خلف بعضها ما يزيد عن مائة قتيل، ثم أخيرا الحرب الهمجية التي خلفت وحدها أكثر من 1300 قتيل مدني. ماذا يعني هنا توجيه النقد لحماس وتحميلها مسئولية ما يحدث، حتى ولو تعالت الصيحات ضد الجرائم الإسرائيلية؟ الإجابة هي: الوقوف عمليا في جانب إسرائيل وحليفتها السلطة الفلسطينية التي تلعب دورا معاديا للمقاومة والتحرر.

يحاول زكي شهاب طوال كتابه التأصيل لفكرة الوقوف على الحياد. فلقد قام بإجراء لقاءات ومقابلات أسفر بعضها عن صداقات متينة وعلاقات مبنية على تبادل الود والاحترام، مع قادة كل الفصائل الفلسطينية من عرفات والشيخ ياسين، إلى كوادر لعبت أدوارا أخرى هامة وإن لم تحظ بنفس شهرة الزعماء.

وبلغة صحفية مصبوغة بروح أدبية حوّل شهاب كل اللقاءات العديدة التي أجراها مع القادة والمقاومين وأهالي الشهداء، حتى الجواسيس الذين تم كشفهم بين صفوف المقاومة، بالإضافة إلى كمية المعلومات والأحداث والتواريخ، حوّل كل هذا إلى كتاب يروي تاريخيا قصة صعود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ نشأتها كمجموعات عمل خيري، مرورا بإعلانها عن نفسها كحركة سياسية في ديسمبر 1987 مع بداية انتفاضة الأقصى وتشكيل جناحها العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وصولا إلى ما تعانيه كسلطة في غزة غير معترف بها ومحاصرة من جانب كل الأعداء.

الكتاب غني بالتفاصيل والحكايات والحوارات، وفي تقديري يمكن الاعتماد عليه بكل ثقة كمصدر قوي عن حركة حماس، وبالإضافة إلى ذلك فهو يساعدك على التهامه سريعا بأسلوبه وقدرته على تقطيع الأحداث والمشاهد كفيلم سينمائي، لتخرج بتصور مختلف عن كيفية التعامل مع الأحداث وتسلسلها.

ولكن يبقى السؤال: لماذا يحاول الكاتب في تحليله ومواقفه الوقوف خارج هذه الصراعات وكأنه يحكي عن تاريخ سحيق؟ ألم يكن من لاجئي 1948؟ الإجابة يمكننا أن نجدها في الفقرة الأخيرة من التمهيد: "كم من الدماء ينبغي أن تهرق بعد، لتؤثر على صانعي القرار وتحثهم على القيام بالخطوات الصعبة ولكن الممهدة لإحقاق السلام والعدالة للفلسطينيين، والسلام والأمن للإسرائيليين".

إذن، فالتسوية والسلام العادل هما مطلب من يدعي الحياد دوما! هذا بصرف النظر عن المواقف الحقيقية على الأرض. التصور هنا هو أن العنف يولد العنف بصرف النظر عن المعتدي، وأن الإسرائيليين والفلسطينيين ليسوا أكثر من طرفين متساويين. وهذا طبعا هراء.

يمكننا القول أن طبيعة عمل المؤلف كصحفي تنقل بين العديد من وكالات الأنباء والصحف والمحطات الفضائية الأكثر شهرة في عالم التغطيات السياسية، بالإضافة إلى علاقاته القوية بكل قادة الفصائل الفلسطينية دون التمييز بين الراديكالي منها والمتخاذل والمتحالف مع الأعداء، يمكننا القول أن كل هذا ربما لعب دورا في جعل المؤلف يتبنى "دور" المحايد المنفصل عن المعركة وغير القادر على رؤية الصراع من زاوية مصلحة الجماهير.

وبالرغم من محاولته تجاوز عمله الحكائي والوصفي بفصل تحليلي أخير بعنوان "مستقبل حماس"، بالإضافة للخاتمة، فإن المؤلف لم يستطع تجاوز ميوعة الحيادية. فكيل النقد لفتح وحماس على السواء يؤكد على موقف المؤلف التطهري من أخطاء الجانبين. ويبقى أخيرا أن الكاتب لم يستطع أن  يشرح لنا الأسباب التي جعلت المقاومة إسلامية تتبوأ صدارة المشهد، وكذلك الأسباب التي أدت إلى تواري الفصائل اليسارية والوطنية العلمانية عن لعب دور المقاوم كما كان الأمر منذ منتصف الستينيات ولمدة عشرين عاما. فبالتأكيد جمهور هذه الحركات وكوادرها كان من الممكن أن يظلون منتمين لليسار إذا ظل هذا الأخير وفيا لراديكاليته ولارتباطه بالناس، أي إذا ظل طارحا نفسه كفصيل مقاوم من أسفل يبني مشروعه السياسي للتحرر على حركة الجماهير وكفاحها.