إعدام صدام ومأزق الإمبريالية
شهدت المسرحية الهزلية لمحاكمة صدام حسين ديكتاتور العراق السابق على يد محكمة الإحتلال الأمريكى منعطفاً جديداً، حيث صدر مؤخراً حكم بالإعدام على صدام وأربعة من رموز نظامه السابق فى قضية الدجيل، وثار غبار كثيفاً وجدل كبيراً حول الحكم بين المؤيدين له باعتبار صدام ديكتاتور تسبب فى مذابح لشعبه أثناء فترة حكمه ومن ثم يستحق الإعدام بصرف النظر عن شكل المحكمة وطبيعتها التى صنعها الإحتلال، فى حين رفض البعض الآخر الحكم لعدم شرعية المحكمة التى شكلها الإحتلال لكون صدام رئيس دولة عربية، وإذا كان لابد من محاكمته فيكون ذلك من خلال شعبه.
كلا الرأيين لا يريان الحدث في سياقه الصحيح، فمهزلة المحاكمة التى أخرجتها الإمبريالية الأمريكية لم تكن إلا إحدى الأوراق القذرة التى استخدمتها في محاولة منها لإستكمال ديكورات الديمقراطية التى ادعتها كأحد المبررات لإحتلال العراق وإعمال كل هذه المذابح فى شعبه، خاصة بعد فشل الإحتلال الذريع – تحت وطأة المقاومة الباسلة – في توطيد مكانه على مدار الثلاث سنوات الماضية.
ونظرة مدققة على التوقيت الذي صدر فيه الحكم بالإعدام على صدام ورفاقه نجد أنه يتزامن مع انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التى يواجه فيها الحزب الجمهورى بزعامة بوش الابن مأزقاً كبيراً نتيجة تنامي الأصوات المناهضة للحرب والتواجد الامريكى فى العراق، واستغلال الحزب الديمقراطى لهذه الورقة لإحراز مكاسب انتخابية، فكان لزاماً على إدارة بوش الغارقة فى مستنقع العراق عمل شيئ يبدو من خلاله بالنسبة للشعب الأمريكى أن ثمة تقدماً على درب الديمقراطية المزعومة التى يدفع أبناؤه حياتهم على أرض العراق لتحقيقها.
في هذا السياق صدر الحكم باعدام صدام ورفاقه، لإيهام الشعب الأمريكى والعالم بأن العدالة تأخذ مجراها لأول مرة فى العراق، وهى أول بشائر الديمقراطية الموعودة! وبالطبع لم يفت تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا وشريك بوش فى جريمة الحرب الترحيب بالحكم فى مفارقة عجيبة علماً بأن القوانين البريطانية ألغت عقوبة الإعدام منذ سنوات.
نعم صدام ديكتاتور يستحق الإعدام ألف مرة على جرائمه ضد الجماهير العراقية. لكن الحقيقة أن بوش وبلير والإحتلال لا يختلفان كثيراً عنه إن لم تكن جرائمهم التى ارتكباها ضد شعب العراق فى ثلاث سنوات تفوق الجرائم التي ارتكبها صدام على مدار سنوات حكمه الثلاثين. ومن ثم فإن العدالة الحقيقية تقتضى ليس فقط محاكمة صدام ونظامه السابق وإعدامهما، ولكن أيضاً محاكمة بوش وبلير وغيرهم من مصاصي دماء الفقراء. العدالة الحقيقية لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال تلك التي يصنعها المحتل نفسه.. العدالة الحقيقية يصنعها أصحاب المصلحة الحقيقية: جماهير المقهورين والمضطهدين في العراق والولايات المتحدة وبريطانيا، هؤلاء هم الذين يجب أن يحاكموا حكامهم وطبقتهم الرأسمالية التي من أجلها تخاض كل هذه الحروب وترتكب كل هذه المجازر.